“الأهرام اليومي” تتناول العلاقة بين أنقرة والقاهرة بعد إدانة مذابح الأرمن

نشرت جريدة “الأهرام اليومي” مقالاً بعنوان “بعد إدانة مذابح الأرمن: مسار متعرج للعلاقة بين أنقرة والقاهرة” بقلم كرم سعي الذي تناول العلاقات المصرية التركية وصنفها على أنها على صفيح ساخن تقف، إذ تشهد العلاقة بين الدولتين توتراً لا تخطئه عين منذ عزل الرئيس محمد مرسى، فالطريقة الدراماتيكية التي عُزل بها الرئيس مرسى، خلفت ارتباكاً وتوتراً لدي أبناء عمومته العدالة والتنمية التي كانت تظن أن جماعة الإخوان قطعت الشوط المطلوب للإمساك بعصب الدولة المصرية. لذلك كانت تركيا الدولة الأعلى صوتاً في وصف ما حدث بالانقلاب العسكري، بل ذهبت بعيداً حين دعت مجلس الأمن إلى الانعقاد الفوري لبحث الوضع في مصر بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، بل مارست ضغوطا علنية على البرازيل وعدد من دول القارة اللاتينية لإدانة الأحداث في مصر وقطع العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة.

ويبدو أن تركيا لم تُبقى ولاتذر ورقة تستطيع بها التأثير على القاهرة إلا وأخرجتها من جعبتها، فعلى سبيل المثال دعت لتظاهرات حاشدة في الميادين التركية لتأييد عودة الرئيس مرسى، كما جمدت ما يقرب من 27 اتفاقية مع القاهرة في مجالات مختلفة منها المواصلات والتعليم والصحة وقعت أثناء زيارة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إلى مصر العام الماضي.

في هذا السياق العام اتخذت القاهرة سلسلة من الإجراءات السريعة وربما غير المدروسة، فعلقت التدريب البحرى المشترك مع الجانب التركى تحت اسم “بحر صداقة” والذى كان من المقرر انعقاده خلال الفترة من 21 إلى 28 أكتوبر 2013 في تركيا.
وفى خطوة غير مسبوقة أعلنت القاهرة التصديق على الوثيقة الدولية لإدانة مذابح الأرمن التى ارتكبتها تركيا ” الدولة العثمانية” في 24 أبريل 1915 بعد أن أبرمت معاهدة سرية مع ألمانيا، تنص على تغيير الحدود الشرقية للإمبراطورية لضمان ممر آمن للوصول إلى القوميات المسلمة فى روسيا، وهو الأمر الذي تطلب بالأساس ضرورة تسريع اقتلاع وجود أبناء الشعب الأرميني من المنطقة المعنية.

والأرجح أن العنف الذي ارتكبه الأتراك بحق الأرمن خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقته سلسلة طويلة من الممارسات القمعية، ففى عهد السلطان عبدالحميد الثانى قتل مئات الآلاف من “اليونانيين” والآشوريين لأسباب اقتصادية ودينية متعددة فيما عرف بالمجازر الحميدية.

وتعتبر محرقة الأرمن المعترف بها على نطاق واسع من جرائم الإبادة الجماعية الأولى فى التاريخ الحديث، وثاني أكبر قضية عن المذابح بعد الهولوكست، إذ تم قتل وتصفية الآلاف إضافة إلى عمليات الترحيل والتهجير القسري لعدد آخر من السكان.
لذلك فإن شبح المذبحة الأرمينية لا يزال يقلق مضاجع تركيا التي ترفض الاعتراف بالمذبحة، وتنفى وقوع المجازر التي ارتكبها الأجداد، غير أن العديد من الناشطين في مجتمعات الشتات الأرميني ومن خلفهم المجتمع الدولي نجحا في إعادة الزخم للأزمة الأرمينية، وبدا ذلك في اعتراف عشرين دولة رسميا بمذابح الأرمن بأنها إبادة جماعية إضافة إلى الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي ومجلس الكنائس العالمي وغيرها من المنظمات الحقوقية الدولية.

والأرجح أن اعتراف السلطة التى جاءت على خلفية أحداث 3 يوليو 2013 بالمذابح الأرمينية مثل عبء إضافيا على أنقرة التي دخلت في سلسلة من الخصومات مع قطاع معتبر من الدول التي اعترفت بجرائم الإبادة، فمثلاً علقت قبل عام ونصف العام تعاونها العسكري مع باريس بعدما صادق مجلس الشيوخ الفرنسي على مشروع قانون يجرم إنكار جرائم الإبادة الجماعية ضد الأرمن، بالإضافة إلى جرائم أخرى يعتبرها القانون الفرنسي جرائم إبادة.
كما ألقت المذابح بظلالها السلبية على قضية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، إذ أن القضية الأرمينية تحولت إلى محك بأيدي المنتقدين الذين يطالبون بعدم السماح لتركيا بدخول الاتحاد قبل أن تعترف بحقيقة ماضيها حيال الأرمن”.

وبتناول الكاتب محاولة إقامة علاقات دبلوماسية بين تركيا وأرمينيا العام 2009 وفتح الحدود المشتركة بين البلدين، حيث يقول: “لكن ذلك لم يسهم بدرجة كبيرة فى نسيان مرارات الماضي، ودأبت الدولتان منذ ذلك التاريخ على تبادل الاتهامات بخرق المفاوضات، مما ألقى بظلال كثيفة من الشك على احتمالات تسوية قضية المذابح. والأرجح أن ثمة أسباب دفعت القاهرة للتصديق على الوثيقة الدولية لإدانة الأرمن أولها توغل أنقرة في الشأن المصري الداخلي، ومحاولة تدويل الأزمة المصرية، ورفضها الاعتراف بالحكومة الانتقالية الراهنة.
ويتصل السبب الثاني بالتصريحات الرسمية الخشنة التي يطلقها الجانب التركي طوال الوقت وآخر تصريح رئيس الحكومة أردوغان عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، ففى تصريح له قال “يتعين على المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن وجامعة الدول العربية التحرك فورا لوقف هذه المجزرة”. وأضاف “نحن ندين بشدة اعتداء الشرطة على المواطنين المصريين. إطلاق النار على المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية من قبل الشرطة جريمة خطيرة”.من جانبه اعتبر الرئيس التركي عبدالله غل “أن تدخل قوات الأمن المصرية لفض الاعتصام بميداني رابعة العدوية والنهضة غير مقبول إطلاقا”.
وراء ذلك تقف محاولات تركيا لتجميد عضوية مصر في منظمة التعاون الإسلامي رغم أن مصر ساعدتها في الدخول للمنظمة بعد معارضة سوريا ناهيك عن محاولات التأثير على قطاع معتبر من القوى اللاتينية، وفى مقدمتها البرازيل باتخاذ مواقف ضد القاهرة، ووصف المشهد المصري بالانقلاب. في هذا السياق العام جاءت خطوة الرئاسة المؤقتة بالاعتراف بمذابح الأرمن التي ارتكبتها تركيا “الدولة العثمانية” قبل قرن من الزمن، في محاولة لكبح جماح الموقف التركي الأكثر دافعاً عن شرعية الرئيس مرسي، والأعلى صوتاً بين القوى الدولية في المطالبة بعزل مصر دوليا ومعاقبة مجلسها العسكري الذي قام بحسب زعم أردوغان بانقلاب عسكري مكتمل الأركان، وأطاح بالحلم الديموقراطي المصري”.

ويشير الكاتب الى مسار العلاقات بين البلدين الذي يبدو أنه سيسير فى طريق متعرج طوال السنوات المقبلة إذا ما انتهت الأزمة المصرية، وجرى انتخاب رئيس بملامح مدنية في الفترة المقبلة. لذلك فإن الضرورة تقتضى من القاهرة وأنقرة مراجعة حساباتهما السياسية وإعادة تقدير الموقف حفاظاً على العلاقات الإستراتيجية والروابط التاريخية التي تجمع بينهما. فالقاهرة تبقى في حاجة ماسة إلى مساعدات أنقرة واستثماراتها التي تمثل لبنة أساسية في دفع عجلات الاقتصاد المصري، كما أنه لاغنى لأنقرة عن القاهرة التي تظل وحدها مفتاح أنقرة للنفاذ إلى القارة السمراء، وكذلك ضمان بقائها على مسرح أحداث الشرق الأوسط، وخصوصا القضية الفلسطينية، فهل تعيد العاصمتين ترتيب أوراقهما للعمل كشركاء في الوصول إلى حل عاقل للأزمة ينهى التوتر المجتمعي ويسرع من وتيرة العملية الديموقراطية؟.

Share This