الرسام اللبناني الأرمني Arthur K من الطبّ إلى الرسم ينقل الواقع بريشةٍ دافئة

لا ينتمي الرسام اللبناني Arthur K إلى مدرسة فنيّة معيّنة، ولا يمكن تصنيف أعماله في إطار منتظم، فهو كالطائر الذي يغرّد خارج سربه متنقلاً من فضاء إلى آخر لا يقيّده زمان ولا يحدّه مكان. تلقاه أحيانًا يبحث في طيّات التاريخ عن حكايات يجسّدها على القماش، وتصادفه في أخرى يتهادى بين البيوت والعمارات الحديثة يطلي نوافذها وجدرانها بلطخات ذهبية تجعلها مضيئة كالقناديل وسط عالمنا المعتم

عندما دخلنا إلى محترف الفنان Arthur K الشاسع والمليء بأعماله المختلفة الأشكال والألوان، ظننّا أننا في غابة من اللوحات الخيالية التي تضجّ بالرؤى الحالمة والأبعاد الجمالية الباهرة.

تملكتنا الحيرة من أين نبدأ جولتنا الفنية! لوحات قماشية كبيرة الحجم تهبط من السقف إلى الحضيض مختالة بالأحمر الطاغي وكأنها رداء أحد الأباطرة، وأخرى تروي قصص حسناوات الفينيقيين في رحلاتهن إلى بلدان الاغتراب، وبعضٌ آخر يحفلُ بأبنيةٍ تلطخت بالذهب، وقسمٌ أخير أُضيفت إليه موادّ غريبة أُلصقت على اللّوحات وطُليت بألوانٍ صارخة تدعوك عنوةً إلى التأمل فيها. وكان لا بد من إجراء حوار مع هذا الرسام المبدع للاطلاع على مسيرته والتقرب من فهم نظرته الخاصة إلى واقعنا.

في مستهل اللقاء اسمح لنا بسؤالك لمَ اعتمدت الاسم المستعارArthur K ؟

اسمي في الأصل هو هاروتيون أي آرثر بالانكليزية وحرف K هو أول حرف من اسم والدي كبريال. لكنني استعملت سابقًا أسماء أخرى مثل “نيكوليان”، “ناكول” وغيرهما…

كان الطب مهنتك الرئيسة فما الذي جعلك تميل إلى فن الرسم؟

منذ أن انتهيت من دراستي كنت أمام خيارين: الطب أو التاريخ. فاخترت الطب لعلاقته المباشرة بالإنسان جسديًا ومعنويًا، وكلّما كانت أخلاقك مستقيمة وكنت مخلصًا للمريض نجحت في مساعدته، وهكذا في الرسم فإنك لن تنجح إن لم تكن صادقًا في تصوير حالات مجتمعك.
كنت في الخمسين من عمري عندما اضطررت لأسباب صحيّة إلى التخفيف من مسؤولياتي الطبية، وكنت محاطًا بكثير من الرسامين الأصدقاء، فحملت الريشة كهاوٍ يريد ملء وقته بأمر نافع وإذا بي أمتهن الرسم فيصبح جزءًا أساسيًا من حياتي، وإلى جانب الرسم فإنني أنظم الشعر وأكتب المسرحيات.

ما هو الموضوع المهم الذي استفزك لتعتنق الريشة وتبدأ بالرسم؟

بما أنني أعشق التاريخ وأحب قراءة الكتب التاريخية تسنى لي الاطلاع على مجموعة المؤرّخة نينا جيدجيان التي تتناول مدن لبنان وتاريخها الفينيقي، ورغبت بشدة في تصوير الحضارة الفينيقية في عزّ أوجها.

تتميّز أعمالك بأساليب رسم مختلفة لا تنتمي إلى مدرسة واحدة. فهل هذا بسبب مللك من المتابعة في حقل معين؟

أسلوبي الخاص لا يتغيّر بألوانه وأبعاده لكن المواضيع الرئيسة التي أتطرق إليها هي التي تتغيّر. وقد اخترت خلال عملي موضوعات عدّة مثل: الحضارة الفينيقية، البيوت الذهبية التي تشابه المرحلة الذهبية من تاريخ لبنان، فتيات مع الفيولونسل لأنني أحبّ رؤية الفتاة الصغيرة إلى جانب آلة الفيولونسل الكبيرة وهي تمنحني دفعًا داخليًا قويًا، ثم موضوع حقوق الإنسان.

تختال حسناوات فينيقيات في كثير من لوحاتك فما هي قصتك معهنّ؟

قصتي هي مع حكاية إليسا أخت ملك صيدون التي سرقت أموال أخيها وعبرت البحار، وبقي أخوها يبحث عنها خلال 40 عامًا. بنت إليسا مدينة قرطاجة وهذا ما يمجد عظمتها كامرأة، ولم يستطع أخوها التغلب عليها في أي معركة لاحقة. هذه العظمة عند المرأة الفينيقية ألهمتني على خوض هذا المجال.

شاركت في ابتكار لوحات عدة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. أخبرنا عن ذلك.
تميل طبيعتي الإنسانية إلى الدفاع عن كل مظلوم، وما أشاهده في هذه الحياة وأسمعه لا يتجاوز الكلام بينما الأفعال قليلة، لذلك اعتمدت من خلال الرسم المشاركة في إبراز عذابات الإنسان وغلبة الشرّ على العالم. في جميع اللوحات رسمت خلفية تمثل إحدى الشخصيات العالمية تحيط بها رموز الشرّ وبعض الأمل الطفيف. وقد أقمت معرضًا خاصًا في بيروت موضوعه «حقوق الإنسان» وذهب ريعه إلى إحدى المؤسسات الإنسانية.

هل تتغيّر مشاعرك بحسب موضوع اللوحة عندما ترسمها؟

أكيد. فعندما أرسم البيوت اللبنانية أعيش تلك الفترة الذهبية التي كان لبنان ينعم فيها بالازدهار، ولكنني اضطرب تمامًا عندما أرجع إلى الواقع وأرى الأضرار التي سبّبناها لهذا التراث.
وهكذا يحدث معي عندما أرسم وجوه الملكات التي يعود تاريخها إلى العام 1100 ق.م. فأتقمص حياة تلك العصور من خلال قراءتي لتاريخها وأنسجم مع عاداتها وتقاليدها.

ما هو الميدان الذي تعتبر نفسك فيه أكثر إبداعًا؟

عندما أرسم البيوت أشعر بطمأنينة داخلية عميقة وكأنني في بيتي. وترتاح نفسي أيضًا لأنني بذلك أعطي جزءًا بسيطًا لوطني لبنان الذي وهبني الكثير.

كيف كان الإقبال على أعمالك في المعارض العالمية؟

شاركت في معارض عالمية كثيرة منها معرض نيويورك لمرات ثلاث وكان من أنجح المعارض التي بيعت فيها رسومي، ومعرض ساوباولو، ومعرض كاروسيل في متحف اللوفر، ومعرض مونتي كارلو، ومعرض بيجينغ في الصين، كذلك ساهمت في معارض عدة في أرمينيا وفي دبي وفي لبنان، وقريبًا سأشارك في معرض في موسكو من خلال سبع وعشرين لوحة.

ما هو المشروع الذي تعمل عليه راهنًا؟

إضافةً إلى مشروع معرض موسكو يتمّ راهنًا افتتاح معرض دائم في قصر «كونياك» في فرنسا ستكون لي فيه أربعة أعمال تتبدّل من وقت إلى آخر.

ما الذي ترغب في إضافته إلى هذا الحوار؟

في قلب كل إنسان شرقي، خصوصًا إذا كان عربيًا، يكمن حسّ فني، ولذلك عندما توفّرت الإمكانات في خليجنا العربي رأينا دولها تهتمّ بالفنون أكثر من أي بلد غربي آخر.
لقد أصبح الرسام العربي أكان سوريًا أو مصريًا أو عراقيًا أو لبنانيًا في مرتبة عالية من التقدير، وهذا يدلّ أيضًا على نموّ مجتمعنا وتطوره على المستوى الفني والثقافي. وهذا ما يدخل الفرح والأمل إلى الصدور.

سليمى شاهين

الجريدة الكويتية

Share This