نصب الوجدان المشترك في ديار بكر فخ كردي وبمباركة تركية مبطنة؟!

نشر الدكتور إبراهيم أفرام مقالة بعنوان “نصب الوجدان المشترك في ديار بكر فخ كردي لشعبنا وبمباركة تركية مبطنة…!؟”، حيث تناول فيه مراسم افتتاح النصب التذكاري الذي جرى في 12 أيلول الجاري والذي يحمل اسم “وجدان مشترك” من أجل ذكرى الشعوب التي عانت من المآسي والحروب خلال عام 1915 وما تلاها من الأرمن والكلدان والسريان والأكراد واليزيديين واليهود والمسلمين، حيث كتب على النصب بلغات الشعوب الآنفة الذكر وفي مدينة صور في محافظة ܐܡܝܕ أمد (ديار بكر)، وألقى رئيس البلدية عبد الله ديمرباش باسم المشاركين كلمة اعتذر فيها نيابة عن الأكراد عن تواطؤهم في إبادة الأرمن والسريان ووعد بالنضال من أجل التعويض عن خسائرهم.

ويقول أفرام أنه “خلال المراحل المختلفة من تاريخ البشرية وقعت صراعات وحروب عديدة ومتكررة، فسببت للبشرية إعاقة كبيرة في طريق التقدم الإنساني، بحيث اعتقدت وما تزال العديد من المجموعات البشرية وفي أرجاء مختلفة من المعمورة بأنها الأفضل والوحيدة الصائبة في العالم، بحيث تقيم المجموعات الأخرى بأنها أدنى منها، وكنتيجة منطقية لهذه الرؤية الأحادية الجانب والمتعالية لتلك المجموعات وقعت الكوارث والنكسات وحتى في هذه اللحظات على شعوب العالم بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص، فهناك صفحات مؤلمة في تاريخ الشعوب التي تعيش في بلاد ما بين النهرين وعلى مدى عدة قرون حيث تعرض الشعب الأرمني الشقيق والآشوري (بكافة طوائفه وكنائسه) وغيرهم من الشعوب ممن لا يدينون بالإسلام  لمجازر إبادات جماعية متكررة وذروتها كانت 1915 – 1918 وراح ضحيتها الملايين من الشهداء وفقد شعبنا أمة بكاملها ووطن بكامله وتشرد الناجين منهم بأعجوبة في العديد من بقاع المعمورة .

الكثير من الدول والأحزاب والرموز الدينية والسياسية والثقافية تسيء إلى بعضها البعض، ثم تكابر وتناور وتراوغ ولا تعترف ولا تعتذر، وفي الكثير من الأحيان عندما تعتذر يكون ذلك بشكل مبطن ، في حين هناك الكثير من الشعوب والدول اعتذرت عن تجاوزات حدثت عبر تاريخيها بأيمان وقناعة لأن الاعتذار فضيلة أخلاقية سامية وقيمة عليا من قيم المجتمعات المتحضرة،فالاعتذار الصادق بادرة لتصحيح الخطأ الذي ارتكب بحق الآخرين، فمن المفروض أن تسود ثقافة الاعتذار والتعويض عن الإساءة كافة المجموعات والمجتمعات الإنسانية وبلا استثناء التي ارتكبت التجاوز بحق الآخرين” .

ويوضح أفرام أن الخطاب السياسي لأي شعب هو من مسؤولية أحزاب ذلك الشعب بالدرجة الأولى، ويقول: “شعبنا الآشوري (بكافة طوائفه وكنائسه) ليس باستثناء عن هذه القاعدة المتعارف عليها، فالمفروض بالخطاب الذي يتعامل مع الشأن القومي أن يتسم بالشفافية والوضوح  بعيداً عن الأنانية الفردية والحزبية الضيقة، فالرهان السياسي على الآخرين والتعويل على أدوارهم وحجمهم السياسي وصحوة الضمير المفاجئة عندهم ومحاولة إعطائهم براءة الذمة وشهادة حسن السلوك على أمل الأنصاف…!؟ حقاً أنها مفارقات غير طبيعية وغير واقعية وللأسف الشديد فهم يتصرفون وعلى قاعدة ميكافيلي: والتي تقول (الغاية تبرر الوسيلة)، ففكرة  أقامة  النصب المذكور ظاهرياً: المبادرة كانت من ممثل الحزب الكردي للسلام والديمقراطية عبد الله ديمرباش رئيس بلدية صور، طبعاً لم يكن يخطر على بال عبد الله الإقدام على هكذا خطوة لولا وجود مبادرين من أبناء شعبنا طرحوا الفكرة لعبد الله أليس من حقنا أن نعرف من هم …!؟”.

ويؤكد أن التعاطي بشكل عام مع أي شخص أو فئة أو مجموعة سياسية كانت أو ثقافية أو اجتماعية من المفروض أن لا يتم إلا بعد الدراسة المستفيضة والمعمقة للذهنية والتفكير للذي تود مخاطبته والتعامل معه، ومن المهم وفي حالتنا هذه لا بل ومن الضروري جداً معرفة البعد الاستراتيجي للمشاريع السياسية والثقافية والاجتماعية للجهة التي  يدعوا  البعض من أبناء شعبنا  للتعامل معها، فحسب أفرام “عبد الله يمثل حزب سياسي كردي له إستراتيجية واضحة وأجزم بأنها تتناقض جملة وتفصيلا مع حقوق شعبنا الأصيل والأخوة الأرمن وعلى أرضنا التاريخية . الأغلبية الساحقة منا عانت وما تزال تعاني من العواقب والآثار السلبية التي خلفتها تلك المجازر، فلا يحق لأي فرد كان ومهما على شأنه أو مرجعية روحية أو مؤسسة ثقافية أو حزب سياسي وما شابه ذلك  التفريط والمساومة على دماء شهدائنا، فشعبنا لم يكن في انتظار هكذا اعتذار…!؟ ولا هكذا نصب …!؟”.

ويبين أفرام تجربته الشخصية أنه حفيد شهيد، ويقول “أبيدت عائلتي عن بكرة أبيها ونجا والدي كطفل بأعجوبة، وبالتأكيد هناك مئات الآلاف ممن هم بوضعي أن لم يكن أسوأ، فأنا لا أرى في هكذا اعتذار، وهكذا نصب ما يرد لي ولو جزء بسيط من الاعتبار  ولا يلغي الإساءة التي ارتكبت بحقي ولا ترقي لمستوى التعويض عن تلك الدماء الطاهرة لشهدائنا” حيث يبين الأسباب من وجهة نظره بأن الاعتذار الذي قدمه عبد الله هو اعتذار شخصي بحت وبأسلوب مبطن، لتهدئة الذات ولذر الرماد في العيون وتسويق الكلام للعالم المتمدن ودون أية إجراءات عملية لتصحيح الخطأ على أرض الواقع. إذ يعتبر بأن المسؤولية التاريخية عن تلك المجازر تقع على الطرفيين التركي والكردي .

ويطرح أفرام عدة تساؤلات،حول امكانية أن يكون “هذا النصب (فخ كردي) يستهدف شعبنا وشهدائه” على حد قوله، وكذلك حول المباركة التركية المبطنة، وأنه “بالطبع يروق للحكومة التركية هذا الكم الهائل من أسماء الشعوب على النصب المذكور”، ويرى أفرام أن هذا يؤجج صراع التسمية، حيث “تتعامل معها الحكومة التركية ومخابراتها بايجابيه ملحوظة، وبالمقابل ستعمل الحكومة التركية في المستقبل التسويق الرسمي للنصب المذكور وأمام الرأي العام العالمي والاتحاد الأوربي ورد جاهز لكل من يطالب بإقامة نصب خاص بمجازر الإبادة التي ارتكبت بحق شعبنا ..!؟” .

ويدعو أفرام الى التمسك بالحقوق القومية، وينهي المقالة بالقول: “فمن أجل دماء شهدائنا والتي تستحق منا الوفاء وبما يليق بتضحياتهم ونحن أبنائهم  وأحفادهم نعترف بفضل تلك الدماء وقدسيتها لنجعلها معينا لا ينضب ، نكتب منه الماضي كمجد لا ينسى وكمداد لكتابة الحاضر والمستقبل ، سنلهم أجيالنا القادمة قيم التضحية والبذل والعطاء لأجل المبادئ والقيم التي ضحوا من أجلها، فتلك الدماء ذخر لا يمكن أن ينضب لأن الدم الذي يسفك على طريق الحرية لا بد أن يضيء طريق اﻻستقلال” .

Share This