“يني شفق العربية” تتحدث عن المخرج الأرمني العالمي نيغول بزجيان

نشرت يني شفق العربية في قسمها الثقافي مقالاً بعنوان “مخرج أرمني يختار السينما حلا للخلاف التركي-الأرمني”، وركزت على ظاهرة الأعمال الفنية التي تمد الجسور بين لاحلال السلام. وكتبت: “في حل الخلاف التركي – الأرمني، وقد حان الوقت ليتنحوا جانبا كي نحله بالفن والحضارة”، بهذه الكلمات، وبكثير من الثقة والإيمان، يختصر المخرج الأرمني “نيغول بزجيان”، المسار الذي يجب أن تسلكه، برأيه، “القضية الأرمنية” للوصول الى خواتيم مرضية. ووجد بزجيان فرصة لاطلاق نقاش، حان وقته، حول ضرورة حل الأزمة التاريخية بين البلدين عبر “المنبر التركي – الأرمني للسينما”، الذي يعمل منذ العام 2009 على انتاج أفلام تركية وأرمنية، ويتشكل هذا المنبر من روائيين وسينمائيين ومخرجين وأيضا من محبي السينما الأتراك والأرمن. جميعهم انطلقوا بمشروعهم لإيمانهم بأن للسينما “قدرة على الشفاء وإحلال السلام”، ويعرّف هؤلاء عن تجمعهم، عبر موقعهم على شبكة الانترنت، على أنّهم أشخاص يؤمنون بأن السينما يمكن أن تساعدنا على قول أشياء لم نكن قادرين على قولها على مدى عقود، وتساعدنا على أن نتعرف على بعضنا .. هذا ليس اعتقادا بل نحن نعمل لهذه الغاية”.

ويشير بزجيان، 56 عاما، خلال مقابلة مع وكالة الأناضول، إلى أن المنبر المذكور تشرف عليه مؤسسة “الأناضول للثقافة” في تركيا، فيما يرعاه مهرجان “سينما مشمش الذهبي” في أرمينا، لافتا إلى أنّه نجح بالمساهمة في إنتاج 10 أفلام أرمنية وتركية تعالج القضية المركزية باقامة جسور بين الشعبين، ويجتمع أعضاء المنبر سنويا مرة في اسطنبول ومرة في أرمينيا.

ويتذكر بزجيان ذلك اليوم في العام 2011 الذي وصلته فيه دعوة للمشاركة بالمنبر، ويقول: “كنت حينها في اسطنبول منهمكا بتصوير فيلمي، (حليب وقرنفل وأنشودة إلهية)، والذي يتناول أيضا التاريخ الأرمني، فترددت أولا لكن مع إصرارهم اقترحت عليهم أن نقوم بجولة على كل الأماكن الأرمنية التي يتحدث عنها كتاب أرمني عائد للعام 1880 بعنوان (جولة في شوارع اسطنبول) .. طرحت عليهم أن نقارن بين ما كانت عليه هذه الأماكن في حينها وما هي عليه اليوم”.

وتقول المقالة أن بزجيان اعتقد أن القائمين على المنبر سيرفضون اقتراحه، إلا أنّه فوجئ بموافقتهم وترحيبهم بالفكرة وكانت هذه تجربته الأولى معهم. وفي العام 2009، أعلنت وزارة الخارجية التركية أن تركيا وأرمينيا اتفقتا على خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين البلدين، وقد طرحت تركيا عددا من الشروط لتحسين العلاقات الثنائية، وبالتحديد تخلي أرمينيا عن مطلب الاعتراف الدولي بالابادة الأرمنية.

وينشغل بزجيان حاليا بالتسويق لفيلمين سينمائيين يتناولان القضية الأرمنية، أحدهما ساهم المنبر بانتاجه، حمل عنوان “تركت حذائي في اسطنبول”، شارك في مهرجان بيروت السينمائي الدولي مطلع الشهر الحالي، ويلقي هذا الفيلم الضوء على “اسطنبول الأرمنية”، بطله شاعر لبناني من أصل أرمني لم يسبق له أن زار تركيا، يجول في شوارع اسطنبول متنقلا بين مدارس وكنائس الأرمن هناك كما بين مكتباتهم ومقابرهم التي يعود البعض منها للعام 1550.

وتعكس التقنيات المستخدمة في الفيلم مشاعر أبطاله إذ يستخدم بزجيان تقنية الـFocus اللقطة المقربة والـOut of focus اللقطات خارج تركيز الصورة بمحاولة للتعبير عن ضياع يعيشه البطل أثناء تجوله في مدينة يراها لأول مرة، ولكنّه يشعر أنّه ولد وترعرع فيها.

أما موسيقى الفيلم فأغنية أرمنية قديمة عن البحّارة، ويقول بزجيان في هذا الصدد: “في وقت من الأوقات كان معظم الصيادين والبحارة في اسطنبول من الأرمن، لذلك ارتأيت أن تكون هذه الأغنية مرافقة للشاعر اللبناني – الأرمني أثناء تجوله تحت أمطار اسطنبول”.

أما عنوان الفيلم “تركت حذائي في اسطنبول”، والذي أثار جدلا واسعا، فيشير بزجيان الى أنّه استقر عليه على نحو مفاجئ، قائلا: “كنا نسير كثيرا أثناء تصوير المشاهد، فاسطنبول كبيرة وشوارعها متشعبة .. وفجأة قررت أن يكون هذا العنوان فاقترحته على فريق العمل الذي فوجئوا به أولا ومن ثم اعتادوا عليه”.

ويشير بزجيان الى أن الكثير ممن يلتقيهم يسألونه اليوم: “هل وجدت حذاءك في اسطنبول؟”، مضيفا: “أنا أترك للمشاهد حرية فهم العنوان بعد مشاهدة الفيلم باعتبار أنني شخصيا لا أملك تفسيرا دقيقا له”.

العرض الأول للفيلم كان في اسطنبول نفسها في شباط 2013، ويستذكر بزجيان تفاصيل ذلك اليوم قائلا: “750 شخصا حضروا العرض الأول وتنوعوا ما بين أتراك وأرمن، متشددين ومنفتحين .. كان هناك الشاب ذي الشعر الطويل والسيدة التي تضع الحجاب على رأسها”. أما عن ردود الأفعال، فيشير بزجيان إلى أن الأتراك استغربوا ما شاهدوه، وقالوا له إنّها المرة الأولى التي يرون فيها اسطنبول بهذا الشكل، حتى أن بعضهم كان يرى لأول مرة الأحياء الأرمنية والكنائس والمقابر. ويضيف:”أما الأرمن فكانوا فخورين جدا كونهم لأول مرة يشاهدون فيلما يحكي تاريخهم جنبا إلى جنب مع الأتراك في صالة السينما .. فيلم يتحدث لغتهم ويعزف موسيقاهم”.

وتفرد المقالة مساحة لتوضح تفاصيل أخرى عن المخرج الأرمني وتقول أنه زار اسطنبول للمرة الأولى في العام 2010 لتصوير فيلمه (حليب – قرنفل وأنشودة إلهية) والذي استغرق الانتهاء منه 4 سنوات ونصف، أما انطباعه الأول عن المدينة فيصفه متأثرا، ويقول: “كان شعورا غريبا بعض الشيء، فهي المدينة العزيزة المعروفة بأدبنا وتقاليدنا وعاداتنا .. أحسست أنني أعرفها، أعرف مبانيها وحضارتها .. كل الأصوات أفهمها كما الموسيقى كانت أليفة والأكل والهواء .. وكأنّها هذا الغريب الذي تعرفه”.

ويبلغ عدد الأرمن في تركيا، وبحسب بزجيان، 70 ألفا يتكاثرون حاليا مع هجرة الكثيرين منهم من أرمينيا للعمل في اسطنبول، ويضيف: “كما أن الكثير من الأتراك والأكراد المسلمين باتوا يعلنون عن جذورهم الأرمنية، فيما يُعتبر ظاهرة سيتم التعبير عنها رسميا في مؤتمر في الأول من تشرين الثاني في اسطنبول يتناول قضية الأرمن المسلمين”.

يذكر أن نيغول بزجيان ولد في حلب في العام 1957، وتنقل ما بين سوريا ولبنان، قبل أن يغادر إلى الولايات المتحدة في العام 1974 حيث درس السينما في معهد (سكول أوف فيرتشول أرتس) School of Virtual Arts ، ومن ثم تخصص بالاخراج والكتابة والسينما قبل أن يعود الى لبنان قبل حوالي 10 أعوام.

Share This