الأردني الأرمني كريم أوهان.. من مديري الأمن العام الرواد

الرأي – هزاع البراري – اللواء كريم أوهان من أبرز قادة جهاز الأمن العام الأردني، ومن مديريه الرواد الذين تركوا بصمات واضحة في مسيرة هذا الجهاز الوطني، الذي يعد محط فخر واعتزاز وطنى، لما وصل إليه من حرفية عالية ومستوى أداء متقدم، كما أن اللواء كريم أوهان المنتمي للطائفة الأرمنية الأردنية، يعد من القلة من أبناء هذه الطائفة الذين انخرطوا في الوظيفة الحكومية، من خلال انتسابه في فترة مبكرة من عمر الدولة الأردنية إلى الجيش العربي الأردني، والذي كان الأمن العام جزءا منه حتى تعريب الجيش على يد المغفور له الملك الحسين بن طلال عام 1956.

بقي جهاز الأمن العام جزءاً من الجيش العربي الأردني – القوات المسلحة الأردنية – منذ أسسه الأمير عبد الله بن الحسين مؤسس إمارة شرق الأردن، وكان ذلك عام 1921 أي بالتزامن مع إعلان تأسيس الدولة الأردنية، وكان يرتبط بقيادة الجيش قسم أطلق عليه اسم « دائرة تحري الجرائم « وكان أحد أبرز من تولى الإشراف على هذا القسم الضابط المعروف سليمان صبحي العمري، وكان مساعده ضابط بريطاني من أصل يوناني يلقب بـ « أبو جورج « وبقي هذا القسم معني بالجرائم التي تحدث في البلاد، ويقوم بتأهيل الضباط من خلال عقد دورات في التحقيقات الجنائية وجمع الأدلة ورفع البصمات، بذلك نهض بمهمة مديرية الأمن العام، ولكن ضمن تشكيلات الجيش الأردني، حتى تعريب الجيش الأردني، وصدور قانون عام 1956 يقضي بفصل الأمن العام عن قيادة الجيش، ليكون جهازاً مستقلاً تابعاً لوزارة الداخلية.

عند تأسيس جهاز الأمن العام كمديرية مستقلة، عين اللواء بهجت طبارة عام 1956 ليكون أول مدير لمديرية الأمن العام، في حين عين اللواء كريم أوهان مديراً للأمن العام بعده، وذلك بين عامي 1957 و1958، وتعد المعلومات المتعلقة بحياة كريم أوهان ومسيرته العملية قليلة جداً بل ونادرة أيضاً، مما جعل فجوات كبيرة في حياته غير موثقة، ولعل ما نقوم به من تسليط الضوء على جوانب قليلة من حياته، يسهم في تشجيع الكتابة عن هذه الشخصية الفذة للإحاطة بجوانبها كافة، فنجد أن المصادر القليلة تشير إلى أن اللواء كريم أوهان ولد عام 1904 في منطقة ديار بكر الواقعة شرق تركيا اليوم، وهذه المنطقة ذات الغالبية الكردية، تضمن أتراكاً وتركمان وقلة من الأرمن والعرب.

كانت ديار بكر ولا مازالت مدار أحداث ساخنة، وربما تزامنت طفولته مع وجود نيازي التل قائمقام في ديار بكر، ونيازي هو عم الشاعر الكبير عرار، وربما دفعت المذبحة التي قامت بها القوات التركية في أرمينيا و أدت إلى إبادة قرابة مليون أرمني، ودفعت كثير من الأرمن إلى الهجرة لبلاد عديدة بينها الأردن، ربما كانت هذه المذبحة خلال الحرب العالمية الأولى من أبرز عوامل قدومه إلى الأردن، وكانت الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من مكة عام 1916، قد قطعت شوطاً كبيراً، وتمكنت قواتها من دخول دمشق وإعلان قيام الحكومة العربية، والمناداة بالأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سوريا، ولا شك أن هذه الأحداث والمجازر اجتمعت معا لتشكل دافعاً قوياً لكريم أوهان لمغادرة ديار بكر والقدوم إلى بلاد الشام، حتى استقر به المقام في إمارة شرق الأردن.

من الواضح أن كريم أوهان قد وصل الأردن قبل التأسيس وأنه ينطلق من خلفية عسكرية، فعندما أسس الأمير عبد الله بن الحسين نواة الجيش العربي الأردن، وأخذت هذه القوت الناشئة في تثبيت أركان الدولة الأردنية، بادر كريم أوهان بالالتحاق في الجيش الأردني بتاريخ 12/4/ 1926، ليكون أحد ضباط الجيش، وقد تميز منذ انتسابه للجيش بحرفيته العالية وإخلاصه منقطع النظير، وأخذ يتقدم في الخدمة العسكرية، وكانت القوات المسلحة الأردنية تتجهز لخوض غمار أحداث حاسمة في تاريخ المنطقة، ورغم قلة العدد وضعف التجهيزات، إلا أن هذا الجيش بدأ يلفت الانتباه، خاصة مع وصول معارك الحرب العالمية الثانية إلى المنطقة، ومن خلال المعارك التي جرت على أرض سوريا.

كان اللواء كريم أوهان ضابطاً متميزاً، يحقق المراكز الأولى في الدورات التدريبية الداخلية والخارجية، وهذا أهله ليتبوأ عدداً من المناصب العسكرية المهمة، ومن ضمن هذه المناصب التي نالها، تعيينه ملحقاً عسكرياً وجوياً في المملكة المتحدة – بريطانيا – وقد أتاح له هذا الموقع الاطلاع على أحدث الأسلحة وأفضل طرق التنظيم العسكري، والخطط الإستراتيجية لوحدة من أعظم دول العالم، كما لعب دوراً في تنظيم العلاقات العسكرية بين الأردن وبريطانيا، وبعد أن أنهى فترة عمله ملحقاً عسكرياً في بريطانيا، عاد إلى الأردن ليعين بعدها آمراً للكلية الحربية الملكية، وهي واحدة من أبرز الكليات العسكرية الاحترافية في المنطقة، وقد خرجت هذه الكلية ضباطاً عرباً ومن آسيا وأفريقيا، وقد كانت تجربته في تطوير الكلية والارتقاء ببرامجها ناجحة وملفتة، وكان ذلك كله يتسق مع مسيرته العسكرية الناجحة.

لم تتوقف مسيرته العسكرية التي قادته من نجاح إلى نجاح عند هذا الحد، فبعد أن ترك منصب آمر الكلية الحربية العسكرية، أصبح مديراً للتدريب العسكري، في فترة كان الجيش العربي يشهد نهضة كبيرة في مجال التدريب والإعداد العسكري، بل كان يساعد في تدريب كثير من الكوادر العسكرية العربية، وقد كان للواء كريم أوهان بصمات في هذا المجال، وكان هذا المنصب هو آخر منصب يشغله في الجيش الأردني، فبعد أن تم فصل الأمن العام عن الجيش، وتم تعيين اللواء بهجت طبارة كأول مدير للأمن العام، ألحق اللواء كريم أوهان بمديرية الأمن العام، ليعين في عام 1957 مديراً لمديرية الأمن العام، لينهض بدور كبير في حفظ الأمن الداخلي، ويعمل ما في وسعه لتطوير أداء وعمل هذا الجهاز الوطني، الذي يعد من ركائز بناء الدولة الأردنية الحديثة.

بعد ذلك أحيل اللواء أوهان إلى التقاعد، بعد خدمة عسكرية كللها النجاح، وقيادة لجهاز الأمن العام بكفاءة واضحة، ليبقَ كأبناء الطائفة الأرمنية، عميق الولاء وصادق الانتماء، وككل الأردنيين حافظاً للعهد متمسكاً بالوعد، ومازال اسمه مسجلاً بأحرف من ذهب في سجلات الجيش الأردني وفي ذاكرة جهاز الأمن العام، وكان منجزه منذ شبابه الباكر سجلاً للنجاح والتميز، كما أن مسيرته الحياتية والعملية تعد تعبيراً صادقاً لإفرازات مرحلة تاريخية مليئة بالأحداث والتحولات، التي عصفت بالمنطقة وتركت آثارها على أبنائها، كما أن تاريخ الأردن الحديث تميز بالغنى الثقافي والتمازج الاجتماعي، وبقي أرضاً عربية حرة تفتح أبوابها لأبناء الأمة، وتقبل بالتنوع في نسيج وطني شديد اللحمة والتماسك.

Share This