سنوات السجن.. سنوات الابتكار …

باراجانوف من خلف القضبان (3)

“حين قدّر لي أن أزّج عنوة في أسوأ ظروف سجن أدركت حينها أن أمامي خيار بين أمرين: إما أن أهلك وإما أن أصبح فناناً” (س. باراجانوف)

لندن: في ديسمبر ١٩٧٣حكم على باراجانوف بالسجن لمدة خمس سنوات تنّقل خلالها بين ثلاثة سجون ذات نظام صارم: الأول، سجن (گوبنيك)، والثاني سجن (ستريجوفكا)، والثالث سجن (بيريفالسك). في وقت لاحق كتب باراجانوف: “إن الشيء الأكثر رعباً هو حين تُسحب بهدوء من قدميك ليلاً وأنت نائم. هذا يعني أنهم يوقظونك لتنقل إلى معسكر سجن آخر”.

كان باراجانوف يتعرض إلى المضايقات والضرب من قبل إدارة السجن والسجناء على حد سواء، فضلاً عن أنه كان يعاني من ضيق في التنفس ومرض السّكر ومشاكل في القلب. لذا كان عليه البحث عن وسيلة للتغلب على ذلك الواقع المرعب وتلك البيئة القذرة. كتب حينها:

“المأساة الحقيقية هي أنني كنت سأتشظى وأنهار كإنسان وأفقد مهنتي كفنان. كان من الممكن أن أصبح مجرماً في وسط كهذا. ثمة سجناء أصحاب سجلات جنائية خطيرة وطويلة الأمد. أناس ساقطون ولصوص ومدمنو مخدرات. لقد دفعتُ عنوة إلى تلك البيئة، ولم ينقذني سوى فني”. أما المخرج أندريه تاركوفسكي فقد كتب يومها: “في بلد مثل الإتحاد السوفييتي لا يمكن لأحد أن يتفادى الخوف والترهيب، ومع ذلك فقد أخفقوا جميعاً مع شخص مثل باراجانوف. ربما هو الشخص الوحيد في جميع أنحاء البلاد من يجسد القول المأثور: “إذا أردت أن تكون حراً، فكن حراً”.

وهكذا ودون إرادة منه وجد باراجانوف فضاءاً إبداعياً جديداً له خلف القضبان وظل وفياً لفنه وصادقاً مع نفسه. لقد أحال سجنه إلى ورشة عمل فني يومي، فعلى الرغم من سخرية السجناء منه كان يقوم بجمع الزهور البرية من ساحة معسكر السجن ليصنع منها باقات يبعثها داخل رسائل إلى الأصدقاء. وكان أيضاً يخيط الدمى من الخيش وقصاصات الورق وعلب الكرتون والأغلفة وأي شيء يقع تحت يديه. وحين سمع بمقتل مخرجه المفضل بازوليني وهو في السجن أنجز لذكراه سلسلة من الرسومات سماها (قداس لبازوليني).

في لقاء أجراه معه المؤرخ السينمائي والصحفي الأمريكي رون هولواي في برلين عام ١٩٨٨ طرح هولواي عليه السؤال التالي: (ماذا حدث في السجن؟ وكيف استطعت أن تبقى على قيد الحياة؟). أجاب باراجانوف: “إن الإبعاد والعزل في معسكرات الاعتقال في السجون السوفييتية أمر لا يطاق. إنهم يحتجزونك هناك ليسلبوا منك جسدك وعقلك. العزل شيء مرعب ورهيب. حين تضع ألفين شخص في منطقة معزولة (١) تحدث أمور مأساوية. عزلة، خوف، كآبة، وأمراض مهلكة. لقد كنت أجمع القمامة وأغسل ثياب السجناء. ثمة أغنية في السجن تقول (لا يمكن للّص أن يكون عامل غسيل) لكنني أصبحت عامل غسيل في السجن. كنت أرسم أوراق اللعب بأسلوب فارسي وأبادلها مع لصوص السجن برزمة من الشاي. رسمت صوراً ليسوع على القماش وصاروا يضعونها فوق نعوش الموتى تيمناً. قمت بعمل الكثير لنزلاء السجن وصاروا يكنوّن لي احتراماً كبيراً.

نعم، لقد أحبني الكثير منهم بمرور الأيام، وأصبحت بمثابة كاهن لهم، متخذاً على عاتقي مهمة سماع اعترافاتهم. جميع الاعترافات وكل المآسي والجرائم همسوها لي في أذني. كان الأمر أشبه بسيناريو عظيم أو رواية رائعة. كان أولئك السجناء بمثابة هدايا منحت لي بمحض الصدفة.”

كان باراجانوف أيضاً يكتب الرسائل لنزلاء السجن ليبعثوها إلى عوائلهم وكان يرفق معها بورتريهات لهم يرسمها بأقلام الرصاص (الشيء الوحيد الذي كان مسموح باستخدامه). وقد أسس مدرسة في السجن أسماها (باقات الورد) كان يعّلم فيها عتاة المجرمين رسم وصنع أكاليل الزهور المجففة. وقد صنع السجناء أكاليلاً رائعة بالفعل صار القسم منها يستخدم في طقوس جنازات السجن. وقد خاط باراجانوف مرة كفناً حين توفي السجين الذي كان يقيم معه في ذات الزنزانة صنعه من الأكياس ورسم عليه مشاهد من الإنجيل. وهو يتذكر بفخر المعرض الذي أقامه في السجن والذي شارك فيه السجناء وحراس السجن على حد سواء. لكن جهوده تلك بدأت حينها تتعرض للشبهات من قبل إدارة السجن فقرروا حرمانه من المواد التي كان يستخدمها في عمله الفني ولقبوه بالمجنون. وحين صادروا منه أقلام الرصاص لجأ إلى جمع أغطية قناني الحليب المصنوعة من الألمنيوم المرمية بجوار ثكنة السجناء المصابين بالسل، مبتكراً تقنية النقش على الرقائق المعدنية باستخدامه المسمار. كان يحشو تلك الرقائق الشبيهة بالميداليات بمادة القطران ويحفر عليها صوراً لشخصيات بارزة أمثال بطرس الأكبر والبطل الأوكراني بوغدان خميلنتيسكي والشاعر الروسي الكسندر بوشكين والمسرحي والروائي الكبير نيكولاي غوغول وسواهم. وقد صادرت إدارة السجن حينها بعض تلك الميداليات وبعثوا بها إلى لجنة طبية في موسكو متخصصة بالأمراض العقلية لتشخيص وضعه النفسي والعصبي، محاولة منهم للبرهنة على جنونه. إلا أن نتائج الفحص التي جاءت من موسكو تقول: “أن هذا السجين موهوب، موهوب جداً”.

ومن الصدف الطريفة أن المخرج السينمائي الإيطالي فيليني عثر بعد سنوات على واحدة من تلك الميداليات ضمن ممتلكاته الخاصة فعمل منها نسخة فضية طبق الأصل لتصبح فيما بعد جائزة تمنح لأفضل ممثل في مهرجان ريميني السينمائي الدولي!.

وفي مناسبة يوم المرأة العالمي قام باراجانوف بعمل باقة ورد صنعها من الأسلاك الشائكة ومن جواربه الخاصة وبعث بها إلى صديقته ليليا بريك (٢). وعندما وصلت الباقة إلى ليليا أصيبت بالدهشة والأسى وتأثرت كثيراً بتلك الهدية ما دعاها إلى أن تضعها في إناء كان قد أهداه لها عشيقها الشاعر الروسي ماياكوفسكي.

سئل باراجانوف في وقت لاحق عما إذا كان يرى نفسه مخرجاً، أم رساماً أو فنان ﮔرافيك أجاب: “أنا فنان ﮔرافيك يبحث في تشكيل الصور. كان أستاذنا سافتشينكو يحثنا على تخطيط ورسم أفكارنا وإعطائها شكلاً مطواعاً. كان يجب علينا جميعاً رسم أفكارنا على الورق في معهد السينما. لأجل الدخول إلى إمتحان القبول أجلسونا في غرفة وقالوا لنا: (إرسموا ما تشاؤون)… أنا لست رساماً محترفاً بالطبع ولست تواقاً لذلك، ورسوماتي ليست مجرد هواية إنما هي شيء ضروري لمهنتي كمخرج. أما الكولاج، فهو بالنسبة لي بمثابة فيلم سينمائي مضغوط”.

وحول كولاجاته التي أبدعها في السجن وخارجه علّق المخرج الأرمني رومان بالايان قائلاً: “من بين مئات الكولاجات التي أنجزها باراجانوف في السجن وخارجه ثمة العديد منها هي بمثابة تحفاً حقيقية نادرة. الكثير من الناس كانوا يلقبونه بالعبقري ولا زالوا، أما أنا فقد أسميته (قوة الطبيعة) لأنها بدائية، صعب تفسيرها، ولا يمكن فهمها بالكامل، وهكذا هو باراجانوف”.

أما الكاتب والحكواتي والمخرج السينمائي فاسيلي كاتانيان فقد ضّمن كتابه عن باراجانوف تقييماً دقيقاً جداً أدلى به تاركوفسكي يوماً، يقول فيه: “باراجانوف لا يعمل فن ملصقات، دمى، قبعات، أو رسومات أو أي شيء آخر يمكن وصفه بأنه مقصود أو مصمم سلفاً. لا. إنه شيء آخر تماماً. شيء أكبر بكثير من الموهبة والألوهية. إنه الفن الحقيقي. أما جماله فهو يكمن في البداهة والوضوح. حين تولد الفكرة لديه لا يخطط لها أو يفكر ملياً بطريقة لجعلها أفضل. بالنسبة إليه ليس ثمة فجوة بين الفكرة وبين إنجازها، لذا فهو لا يفقد أي شيء ولا يضل طريقه أبداً. العاطفة التي كان قد التقطها في البدء تصل إلى المحصلة النهائية لنقاوتها البكر، إلى بداهتها وبرائتها دون أن تراق أي قطرة واحدة منها. هذه هي الكيفية التي عمل فيها فيلمه المدهش (لون الرمان). أنا لا أتحدث عن استقلاليته و أو عدم التزامه. إنه باراجانوف الذي يقيم في مكان يصعب علينا جميعاً بلوغه. نحن ليس بمقدورنا القيام بما يفعل، فنحن مجرد عمال في هذا الميدان”.

رسائل من وإلى السجن

على الرغم من ظروف السجن القاسية استطاع باراجانوف مواصلة مراسلاته مع العائلة والأصدقاء وتم فيما بعد نشر الكثير من تلك الرسائل في كتاب بعنوان (سيرغي باراجانوف: رسائل إلى السجن) حرره ونشره زافين ساركسيان مؤسس ومدير متحف باراجانوف في العاصمة يريفان. وسأورد هنا بعض النماذج من تلك الرسائل.

هذه رسالة بعثها باراجانوف إلى طليقته سفيتلانا شكورباتوك في الأشهر الأولى من سجنه يقول فيها: “عزيزتي سفيتا. إنني مهووس هنا ولا أعرف أي شيء، لا الألفاظ المبتذلة المتبادلة ولا قواعد اللعبة. الجذام والأفواه الكريهة والأجساد المليئة بالوشم. كل هذا مخيف. إنني أعمل بشكل محموم لأتعود على الحياة القذرة هنا. الأشغال الشاقة أمر فظيع. الشباب يأتون إلى هنا وهم في سن التسعة عشر عاماً يحملون على كاهلهم أحكاماً أمدها خمسة عشر عاماً أو أكثر. قتلة ومدمني مخدرات.. هنا، ثمة آلاف الأرواح تزهق وآلاف الأهوال تحدث يومياً. إن ذلك كله يذكرني برسومات بوخ. أمر فظيع… ماذا سأفعل بعد إطلاق سراحي؟ لن أستطع العودة إلى السينما ثانية. لقد دمروني.”.

وفي رسالة أخرى لها كتب يقول: “العزلة قاسية بل ومخيفة، لكنها ضرورية وذات أثر فعال في تشكل الشخصية. لست بحاجة إلى شيء. شيء واحد فقط، أن تدعو تاركوفسكي لزيارتكم واسمحوا له في البقاء لفترة من الوقت. هل شاهدت فيلم (المرآة)”.

وفي رسالة ثالثة كتب: “عزيزتي سفيتا. قلت لروما بالايان (٣) أن لا يتسرع ليصبح مخرجاً، وإن الشيء الأكثر أهمية هو أن يصبح مخرجاً مرة واحدة وإلى الأبد”.

المصور الأرمني الكبير ألبرت ياﭬوريان (١٩٣٥ـ ٢٠٠٧) يتذكر مشورة باراجانوف بشأن أن يصبح مخرجاً سينمائياً، في رسالة بعثها له من السجن، يقول فيها: “ينبغي عليك أن تسرع وتتخطى حاجز الخوف!. ليس مهماً أن يبيّض شعر رأسك قبل الأوان”.

ثمة رسائل متبادلة أخرى بينه وبين صديق عمره المخرج السينمائي ميخائيل فارتانوف (٤) وفارتانوف كان قد كرس حياته لدعم باراجانوف والدفاع عنه وهو في السجن، وقد توج كل ذلك بفيلمه المميز والمؤثر (باراجانوف: الربيع الأخير) عام ١٩٩٢ الذي أخرجه بعد وفاته بعامين، والمهدى لذكراه والذي أثار جدلاً كبيراً عند عرضه لأول مرة في روسيا وأرمينيا.

لقد أثار باراجانوف انتباه فارتانوف واهتمامه في العام ١٩٦٤ حين شاهد فيلمه (ظلال أجدادنا المنسيين) الذي عرض حينها في معهد السينما في موسكو. وقد أثار دهشته أيضاً عند رؤيته المادة الفيلمية المصورة لفيلمه الوثائقي “جداريات كييف” والذي قام بتصويره زميله في معهد السينما الكساندر أنتيبينكو. التقى الإثنان في أرمينيا عام ١٩٦٧ وشارك فارتانوف باراجانوف في معالجة سيناريو فيلم “سايات نوفا، أو لون الرمان”. وقد أعجب به باراجانوف في المقابل وأصبحا صديقين مقربين حتى النهاية. حين شاهد فارتانوف فيلم “دم الرمان” عام ١٩٦٨ كتب يقول: “بالنسبة لي… السينما العالمية، باستثناء جريفيث وإيزنشتين، لم تكتشف أي شيء جديد وثوري لغاية فيلم باراجانوف (لون الرمان)”.

وهذه رسالة بعثها باراجانوف إلى فارتانوف من السجن: “عزيزي ميشا. إن التفكير برؤيتك ومعانقتك لي يمنحاني القوة لمواصلة العيش هنا وسط هذا الجحيم.. واجبك كصديق وأخ لفترة طويلة قد أوفيا لي بالكثير.”

رّد فارتانوف برسالة إلى السجن: “سيريوجا. حين أفكر بغيابك وأنت هناك، لا أحس بطعم الحياة، فهنا لا أرى حولي سوى اللا معنى”.

كتب باراجانوف في رسالة أخرى له، يقول: “أنت ونقاوتك تصادمتما مع الوقائع والضواري.. هذه هي الحياة”.

وفي رسالة أخرى ربما هي الأخيرة إلى باراجانوف في السجن كتب فارتانوف مقتبساً مقطعاً من شاعره المفضل بوريس باسترناك يقول: “سيأتي الوقت الذي تهزم فيه الخساسة والحقد أمام روح الشفقة والرحمة”.

وهذه رسالة من باراجانوف إلى فارتانوف عام ١٩٧٤: “ميشا… أنت تمتلك كل ما يحتاجه فنان، العقل، العطف، المبادىء الحرية…. القدرة على الخلق… ربما أنت الصديق الوحيد الذي يرغمني على العيش”.

وفي وقت لاحق وفي مقابلة تزامنت وعرض فيلمه عن باراجانوف تحدث فارتانوف قائلاً أنه شعر بأنه أوفى بواجب الصداقة فقط حين انتهى من إنجاز فيلمه “باراجانوف: الربيع الأخير”.

وهذه رسالة مؤرخة في ١٨أكتوبر ١٩٧٤ من أندريه تاركوفسكي إلى باراجانوف.

عزيزي سيريوجا…

أنت على حق ـ إن وفاة فاسيا (٥) هي بمثابة حلقة في سلسلة تربطنا جميعاً معاً. إننا نفتقدك هنا ونحبك كثيراً حقاً،  ونحن في انتظارك بطبيعة الحال. كيف هو وضعك الصحي؟ وهل بمقدورك أن تستلم كتباً؟ أكتب لي “حين تكون لديك فرصة” إذا ما كان بإمكاني أن أفعل أي شيء لك الآن.هنا في موسكو، الأشياء القديمة هي نفسها: فيلمي “المرآة” لم يُقبل وهو ينتظر منذ نصف عام. لكنني آمل الآن أنهم سيوافقون عليه، سواء اليوم أو في الغد.

متعب أنا إلى أبعد الحدود من هذه البيروقراطية التافهة التي تتعامل معنا بمثل هذه القسوة. سأغادر موسكو لأمضي هذا الشتاء في الريف قرب نهر أوكا. ينبغي أن تعرف ياسيرغي أن الجميع هنا في موسكو قد صعق بتجربتك الملحمية في السجن. إنه لشيء غريب كيف سمحنا لأنفسنا من قبل أن لا نهتم ونحب أحدنا الآخر. إجمالاً، نحن ننتظر المصائب التي لا تحصى أن تحدث أولاً. وهنا، في الواقع، “لايُقبل نبّي في وطنه”. إن الشيء الوحيد الذي أنا واثق منه تماماً هو استبسالك الذي هو بمثابة خلاصك.

أنت، قبل كل شيء، إنسان موهوب جداً “وهذا الوصف غير كاف!” والناس الموهوبون يكونوا أقوياء عادة. دع كل ما هو أفضل أن يبقى في داخل روحك ليمنحك القوة الآن. أعانقك ايها الصديق العزيز!. لاريسا تبعث بتحياتها (٦) وكذلك غاله شيبانوفا.

صديقك أندريه تاركوفسكي

 ***

بفضل حملات الإحتجاج العالمية (٧)، لا سيما جهود الشاعر الفرنسي لويس أراغون وزوجته الشاعرة الروسية إلزا تريوليت تم الإفراج أخيراً عن باراجانوف بأمر من الرئيس السوفييتي ليونيد بريجنيف نفسه على إثر اللقاء الذي تم بينه وبين أراغون وزوجته إلزا في مسرح بولشوي في موسكو وكان ذلك بمناسبة تسلم الشاعر وسام الصداقة مع الشعوب. حينها سئل بريجنيف أراغون إذا كان لديه أية طلبات، فالتمس أراغون منه إطلاق سراح باراجانوف، وقد تم ذلك بالفعل بحلول شهر ديسمبر (كانون الأول) عام ١٩٧٧ قبل أن ينهي مدة عقوبته الخمس سنوات بأحد عشر شهراً وثمانية عشر يوماً. وحول سنوات السجن علّق باراجانوف في وقت لاحق قائلاً: “الزمن في السجن كان أمراً قاسياً. لكن، بدلاً من أن أتشظى وأنهار، غادرت السجن وأنا أكثر ثراء. فني هو الذي أنقذني. خرجت من السجن ومعي الكثير من النتاجات الفنية المثيرة للاهتمام حقاً. تحفاً فنية تم خلقها في تلك العزلة. يعتقد أصدقائي أنني في خضم كل تلك القذارة استطعت أن أنجز ما يسمى بالنقاء المذهل في عملي وروحي. لقد خرجت بحصيلة أكثر من ستمائة كولاج وكتابة مائة قصة قصيرة وستة سيناريوهات… أربعة منها سيتم تصويرها في المستقبل القريب، أما البقية فستظل واحدة من أسراري الخاصة. من الممكن أن تنشر يوماً من الأيام ومن الممكن أن تظهر على الشاشة، أو ربما ستدفن معي إلى الأبد”.

(هوامش)

(١ باراجانوف يستخدم عبارة “المنطقة المعزولة” كناية لسجنه، ملمحاً بذلك إلى “المنطقة المعزولة” في فيلم صديقه أندريه تاركوفسكي “الدليل”.

(٢ليليا بريك (١٨٩١ – ١٩٧٨) كاتبة، مهندسة معمارية، ومخرجة سينمائية روسية كانت تقيم في فرنسا وهي المرأة التي أطلق عليها بابلو نيرودا بأنها “ملهمة الأفانغارد الروسية” وليليا هي شقيقة إلزا زوجة الشاعر الفرنسي لويس أراغون. وقد كانت ليليا على علاقة حب عنيف مع الشاعر الروسي ماياكوفسكي رغم زواجها من الكاتب أوسيب بريك.

(٣سيناريست ومخرج أرمني صاحب فيلم “الذئب الوحيد” ١٩٧٧ وفيلم “طيور الجنة” ١٩٨٨

(٤ ميخائيل فارتونوف (١٩٣٧ – ٢٠٠٩) مخرج سينمائي وضع منهج إخراج الأفلام الوثائقية المسمى Direction of Undirected Action، وعمله كمخرج موثق ومصور سينمائي وكاتب مقالات أصبح بارزاً من خلال أفلامه الرائعة (لون الأرض) ١٩٦٩، الفصول ١٩٧٥، الربيع الأخير ١٩٩٢ وسلسلة من المقالات بضمنها (الرسائل غير المرسلة.

(٥المقصود فاسيلي شوكشين الممثل والسيناريست والمخرج الروسي. توفي عام ١٩٧٤.

( ٦لاريسا هي زوجة تاركوفسكي.

(٧احتج مجموعة منتقاة من الفنانين والمخرجين والناشطين العالمين ونظموا حملات تضامن واسعة من أجل إطلاق سراح باراجانوف من السجن ومعسكرات الأعمال الشاقة. ومن بين تلك الأسماء إيف سان لوران، فرانسواز ساغان، جان لوك غودار، فرانسوا تروفو، لويس بونويل، فيديريكو فيليني، تونينو غوييرا، مايكل انجلو انطونيوني، فرانشيسكو روزي، البرتومورافيا، جوليتا ماسينا، مارسيللو ماسترياني، بيرتولوتشي، فيسكونتي، ليليا بريك، تشارليس أزنافور، فاسيلي كاتانيان، بيللا أحمدولينا، اندريه تاركوفسكي، ميخائيل فارتانوف وآخرين.

علي كامل

ايلاف

Share This