محمد نور الدين: خسارة تركيا تاريخية في مصر

نشرت السفير مقالاً بقلم الكاتب محمد نور الدين بعنوان “بطاقة حمراء من السيسي لأردوغان”، يوضح فيه الكاتب تحليله بشأن التطورات الأخيرة فيما يخص العلاقات التركية المصرية، ويقول أن خطوة مصر تخفيض العلاقات الديبلوماسية مع تركيا الى مرتبة القائم بالأعمال تعني عملياً اعلان القطيعة مع سلطة «حزب العدالة والتنمية» بزعامة رجب طيب اردوغان.
ولعلّ الخطوة المصرية جاءت متأخرة، فمنذ قيام «ثورة 30 يونيو»، لم يتوقف اردوغان، ومعه وزير الخارجية احمد داود اوغلو، عن توجيه الانتقادات اللاذعة للنظام الجديد في مصر، لا سيما للفريق اول عبد الفتاح السيسي.

ويشير الى أن حد التورط التركي في الداخل المصري بلغ كما لو ان ما يحدث في مصر هو شأن داخلي تركي. وقد اعتبرت ردة الفعل التركية حينها انها تهدف الى توظيف الحدث لحسابات سياسية داخلية ومنها توجيه رسالة الى الجيش التركي باستحالة ان يفكر في أي خطوة عسكرية مشابهة في الداخل التركي. لكن المسألة كانت تتجاوز ذلك، وبدت اكبر من حسابات داخلية ضيقة، ذلك ان الغضب التركي على التغيير الذي جرى في مصر كان ردة فعل طبيعية على الضربة القاصمة التي وجهها الشعب المصري الى المشروع التركي في المنطقة بانهيار ركيزته الاستراتيجية الثانية، وهي سلطة «الإخوان المسلمين» في مصر، على اعتبار ان الركيزة الاستراتيجية الأولى التي انهارت، كانت الفشل في اسقاط النظام في سوريا. وكما خسرت اسرائيل برحيل نظام حسني مبارك «كنزاً استراتيجياً» فقد خسرت تركيا أيضا برحيل نظام «الإخوان المسلمين» في مصر كنزا استراتيجيا.

وبلغ التدخل التركي في الشأن الداخلي المصري مستوى غير مسبوق وغير لائق في العلاقات الدولية بين دولتين مستقلتين. فقد عملت تركيا على عدم الاعتراف بالنظام الجديد في مصر، واعتبرت ما جرى انقلابا عسكريا لا ثورة شعبية. كما دعت الى اطلاق سراح الرئيس محمد مرسي وإعادته الى الرئاسة.

وفي الوقت ذاته، مارست انقرة سياسة التحريض على مقاومة النظام الجديد بدعوة علنية من اردوغان الى المصريين إلى عدم مغادرة الشارع، حتى أن اشارة رابعة العدوية، التي باتت تعرف بـ«تحية رابعة»، وهي إلقاء التحية برفع الكف بأصابعه الأربعة، هي من بنات أفكار اردوغان نفسه… حتى أنه دعا إلى سحب جائزة نوبل للسلام من محمد البرادعي!
وتجاوز اردوغان الخطوط الحمر عندما شن حملة غير مسبوقة، لم تشهدها العلاقات بين البلدين عبر تاريخهما، على شيخ الأزهر احمد الطيب قائلا انه ليس رجل دين مستقيماً من يدعم الانقلاب على الشرعية.

ويبدو أن العلاقة بين مصر وتركيا وصلت إلى مرحلة ارتابت فيها السلطات الجديدة في مصر بوجود «تحالف ثلاثي» بين فلول «الإخوان المسلمين» وحركة حماس و«حزب العدالة والتنمية». وذهبت الظنون، وربما المعطيات، الى ان تركيا تفعل في مصر ما كانت تفعله في سوريا ولا تزال، وهو الوقوف مع حركة حماس وراء العمليات العسكرية التي تشنها جماعات مسلحة في سيناء ضد الجيش المصري. وفي ظل اعتقال كل قيادات «الإخوان المسلمين»، بات شائعا ان الذي يقود حراك أنصار مرسي في مصر هو «حزب العدالة والتنمية» التركي، الذي بات الطرف الآخر في المواجهة مع النظام الجديد، فهو يرسم لـ«الإخوان» طريقة عملهم وأساليب تحركهم، بعدما كان منسقا ومدبرا لكل حملاتهم الانتخابية. وليست الاجتماعات المتتالية للتنظيم الدولي لـ«الإخوان» في اسطنبول بعد عزل مرسي سوى أحد مظاهر «الأبوة» التركية لهذا التنظيم.
في ظل هذه الأجواء فاض كأس عبد الفتاح السيسي غضباً، فقرر رفع البطاقة الحمراء في وجه اردوغان، وهو ما لم يجرؤ اي زعيم عربي على القيام به قبل الآن.

ومن شأن الخطوة المصرية أن توجه ضربة اضافية لتركيا، عبر تلطيخ صورتها في العالم، وإظهارها بمظهر البلد المشتبك مع جيرانه والفاقد إلى من تبقى من حلفاء له في المنطقة.
ويؤكد نور الدين أن عزلة تركيا ومأزق قادتها تزداد في ظل غياب بدائل اقليمية لممارسة النفوذ والتأثير، في ظل توتر العلاقات ايضا مع السعودية ودول الخليج، باستثناء قطر التي كانت، مع ذلك، أكثر واقعية وحكمة من تركيا عندما اعترفت بالنظام الجديد في مصر في اليوم التالي لقيامه. ويمكن للخسارة التركية التاريخية في مصر ان تبدو اكبر مما عليه حين تظهر في العالم صورة المنافس الآخر لتركيا: إيران، وهي تزهو بانتصارها في الملف النووي وتتقدم في لحظة تراجع الدور التركي.

Share This