الجرح الحزين

شاب عربي له جدّة أرمنية الأصل يدخل عليها في يومٍ من أيام نيسان فيجدها تبكي ويحدث بينهما الحوار التالي:

يا جدتي في كلِّ  عامْ

تخفين دمعك في الظلامْ

apr242010

تبكينَ مثل يتيمةٍ في غربةٍ

قد هدّها ألمٌ قديمْ

ما زال محفوراً في الذكرياتْ

يا جدتي لو تخبريني عن تفاصيل الألمْ

ذاك الذي أجلاك من بلدٍ يقال له أرمينيا

مشياً على الأقدامِ جئتِ بلادنا

طفلاً تغطّى بالغرابةِ والفزعْ

وكأنّ للتو غادر من جهنّمْ

يا جدّتي لو تخبريني عن تفاصيلِ الألمْ

قالت وزادَ الدّمع في عينيها

والرأسُ أُسند للوراءْ

والعينُ تبحر في السماءْ

وكأنها عادت بها الأيامْ

لليومِ ذاكْ

آهٍ بنيَّ لما جرى في يومِ ذاكْ

إني شهدتُ الحربَ لكن ليستْ كالحروبْ

في وقتها كنتُ الفتاة بخصلةٍ

من شعرها تلهو، وتركض بالمروج

ما كان يشغلها سوى قطفُ الورودْ

لتحيكَ منها عقدها ، وتطرّزَ الأعناق بالأزهارْ

لكن كما تأتي الصواعقُ بغتةً

في لحظةٍ شبتْ بنا ريحٌ ونارْ

في لحظةٍ غرقتْ بلادي في الدمارْ

العدلُ غاب وأمسى القتلُ قانونَ الحوارْ

هل يا بنيَّ  سمعت عن قتلِ الجنينْ

أو قتل  جدِّ ناهزَ السبعينْ

أو قتلِ أمٍّ همّها تحمي البنينْ

أو هل سمعتَ بقتلِ عائلةٍ على السكّينْ

ليس السماعُ كمن رأى ذاك الأنينْ

والآن يا ولدي صراخي ليس يُطفئني

ولا مرَّ السنينْ

في كلِّ عامٍ أذكرُ الجرح الحزينْ

أروي بدمعي ذكرياتٍ نقشَها فوق الجبينْ

في كلِّ عامٍ أكتوي نار الحنينْ

عمري تساقطَ وردُهُ والجرح يبقى نازفاً

إنَّ الأسى صعبٌ على النسيان

أكبتُ ساعتها أقبّلُ كفَّها المجبول بالدمعاتْ

ومسحتُ رأساً مثقلاً بالذكرياتْ

يا جدّتي لكأنكِ تروينَ قصةَ أهلنا بالقدسْ

أو أهل بغدادٍ وما يجري بكابولْ

هي ذاتها قصص الضحايا والطغاهْ

دوماً نعيش مثيلها لكنما غير الجناه

في كلّ دهرٍ ماردٌ يقضي علينا بالهلاكْ

يسعى لنشر الموتِ في الأفلاكْ

يقسو ويمسحُ من وجوهنا معنى الملاكْ

ويزجُّنا في غابةٍ مثل الوحوشْ

بمخالبٍ ويزفُّنا نحو العراكْ

في كلِّ دهرٍ ماردٌ متستِّرٌ في ثوب دينْ

قد يدَّعي حبَّ الإلهِ وعيناه كما الأطهارْ

وعلى يديهِ دماءٌ ليسَ تمحوها البحارْ

لا تُخدعوا فيهم ففيهم كل عارْ

قد استباحونا باسم الرّبِّ في وَضَحِ النهارْ

كذبوا وخُيّب زعمهمْ

فالربُّ لا يرمي العبيد إلى البوارْ

يا جدتي قدرٌ علينا

أن نصونَ الأرضَ من أشرارها

قدرٌ علينا أن نبثَّ الورد في أرجائها

حتى ولو صارتْ دمانا ماءها

إن يسلبونا أهلنا أو أرضنا

لن نستكين لهم كي يسلبونا قلبنا

قومي لنجمع وردنا

ونحيكَ منها عقدنا

وليعلمِ الطاغونَ أنهمُ

وإن سادوا بما هتكوا

يوماً ستبلعهم أرضي بما ملكوا

كي تنبتَ الأزهارُ فوقهمُ

لا تحسبي ربي سينسى إنما

يُملي لهم والوردُ يبقى بأمر اللهِ ينتصبُ.

د.مروان الموسى

دكتور في طب الأسنان وجراحتها – جامعة حلب

نيسان 2010

Share This