كتاب مفتوح الى الشعب والمسؤولين اللبنانيين

يفتح ملحق “أزتاك” العربي هذه النافذة أمام القراء لنشر كتاباتهم الشخصية للتعبير عن آرائهم والتواصل مع محيطهم.

قبل أيام عدة كانت ذكرى الخامسة والتسعين للابادة الارمنية بأيادي الامبراطورية العثمانية. آنذاك بين الأعوام 1915 و1923 Armenians Lebanon1رحب الشعب اللبناني بالارمن الناجين من تلك الابادة, والذين كانوا قادمين قسرا سيرا على اقدامهم من اراضيهم وبيوتهم في أرمينيا التاريخية من خلال صحراء دير زور في سورية الى لبنان تحت أسوأ الأحوال المعيشية التي يمكن للمرأ ان يتصورها من الجوع والقتل والتعذيب الجسدي والنفسي والإذلال والإغتصابات وغيرها من المعاملات الوحشية, كلها مباركة ومخططة ومنظمة ومنفذة من قبل الامبراطورية العثمانية.

بمناسبة هذه الذكرى الخامسة والتسعين لشهدائها المليون والنصف نظم الشعب اللبناني الارمني مسيرة شعبية من انطلياس الى ملعب برج حمود تليها كلمات في المناسبة. وجهت الدعوات الى المسؤولين اللبنانيين من رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة الى رئيس الدولة لمشاركة الشعب اللبناني الارمني في هذه الذكرى والمسيرة. لكن الرؤساء الثلاث لم يرسلوا احدا لتمثيلهم. وكان السبب واضح ومفهوم من دون تعليق وحتى مقبول من الشعب الارمني. وهو التعاون اللبناني-التركي و”ضرورة” عدم ازعاج تركية باي تلميحات عن اي ابادة مرتكبة من قبلها. لكن المتجاهل هنا ان في الحقيقة ليست هناك اي صلة اساسية تربط بين حقوق الانسان والشعوب والتحالفات بين الدول. والمتجاهل ايضا عدم صحة المعادلة التي تساوي بين حقوق الشعوب والتحالفات بين الدول, معتبرا ان تناسي حقوق شعبنا هو الثمن المناسب لاكتساب وحفظ صداقة وحلف المعتدي على هذه الحقوق وان حقوق الشعوب والتحالفات بين الدول لا يمكنهما التواجد معا. ان هكذا منطق خاطئ يؤدي ايضا الى المعادلة المخفية التي تقول ان التحالف بين الشعوب ثمنها الطبيعي والمقبول التعدي على حقوق الشعوب الضعيفة من قبل الشعوب القوية. فاذا كان ثمن التحالف الحاضر تناسي الابادات الماضية المرتكبة من قبل القوي على الضعيف (في هذه التحالفات الغير متكافئة), فوفقا لهذا المنطق الخاطئ قد يأتي  ثمن التحالف الحاضر بشكل مجازر وابادات في المستقبل من قبل القوي الذي “يبارك” الضعيف بتحالفه معه. فإذا ليس هناك اي منطق في اعتبار الرؤساء الثلاث صداقة وتعاون لبنان مع تركيا كسبب وجيه لرفض دعوة الشعب اللبناني الارمني بمشاركته في ذكرى الابادة الارمنية واحترام شهدائها المليون والنصف. انما وكما راينا في ما سبق هكذا اعتبار لامنطقي ايضا قد يشكل خطر كبير على سلامة لبنان في المستقبل.

كيف يمكن للدولة اللبنانية ان يقبل هكذا جريمة والتي هي ابادة سعت الى محو شعب بأكمله, والحمد لله نجح في قتل “فقط” 1,500,000 من اعضائه؟ كيف يمكن للمسؤولين اللبنانيين ان يرفضوا دعوة الشعب اللبناني الارمني بمشاركته في هذه المسيرة التارخية بذكرى المليون والنصف الارمن الذين قتلوا والذي ارمن لبنان يمثلون الناجين من تلك الابادة؟ فهل الم وقضية جزء من شعبه لا تعنيان شيئا للدولة اللبنانية ومسؤولينها؟ ان هكذا رفض لا يمثل الا تجاهل هذه الجريمة والتعاطف مع المجرم اكثر من الضحية وتجاهل الشعب اللبناني الارمني. ان هكذا رفض يؤسس لابادات مستقبلية (للرافض او للمتجاهل من خلال هذا الرفض).

ان الشعب اللبناني شعب ينسى مأساته سريعا في طريق تحالفه كضعيف مع الاقوياء. لكن النسيان هكذا يؤسس لجرائم مستقبلية مماثلة لان النسيان يمثل عرض العفو المجاني لمرتكب الجريمة. النسيان لا يؤسس لتحالف صحي بل لتحالف مرضي لمصلحة القوي على حساب الضعيف. ان الاصرار على تذكر الجرائم وعلى طلب العفو هو الذي يؤسس لامكانية تحالف متعادل وصحي بين شعبين, بين الشعب الضعيف والشعب القوي, ليس لمصلحة القوي على حساب حقوق الضعيف وعلى حساب العدالة والحق والحقيقة.

بما اننا في لبنان لسنا الآن جزء من الامبراطورية العثمانية او تحت سيطرة تركيا الحالي, اعتقد انني املك الحق كما كل ارمني لبناني بان اطالب المسؤولين اللبنانيين بعدم الرضوخ لشرط تركيا بمشاركتها باخفاء وتضليل حقيقة الابادة الارمنية المرتكبة من قبلها. فالحقيقة ليس لها ثمن. وبالتالي لا يمكن استبدالها باي شيئ آخر. ما من شيئ اهم من الحقيقة وما من شيئ لها قيمة اكثر. يفترض ان نكون قد تعلمنا هذه الحقيقة بعد 30 عاما من الحروب والاحتلالات على ارضنا. بالاضافة الى كل  هذه الاعتبارات السابقة, اننا كلبنانيين ارمن يفترض ان نحترم وتحترم حقوقنا كبقية الطوائف اللبنانية. اننا جزء لا يتجزا من هوية لبنان المتعددة الثقافات وذلك بسبب الابادة الارمنية بالذات التي اتت بنا الى لبنان. فنكران هذه الابادة تعادل نكران وجود الارمن في لبنان وسبب هذا الوجود وبالتالي  فهي تعادل ليس فقط نكران تاريخ الارمن بل ايضا تاريخ لبنان باذات.

لودير ارتينيان

مواطن لبناني أرمني

Share This