حوار وزير الصناعة اللبناني فريج صابونجيان مع “اللواء”

القطاع الصناعي في لبنان من القطاعات الرئيسية المكوِّنة للاقتصاد، ويعتمد القطاع الصناعي في لبنان على القطاع الخاص، وعلى المبادرات الفردية، ولذلك حقّق نجاحات بارزة على صعيد تأمين إنتاج محلي جيّد، يتمتّع بمواصفات عالية الجودة، استطاع من خلالها تأكيد حضوره في الأسواق العربية وغيرها، ولديه القدرة على المنافسة بسبب هذه الجودة العالية.

فلبنان لم يسلك نهج القطاع العام الشامل، ومن ثم منح هذا القطاع صفة «الاحتكار» في كل شيء، فالقطاع الخاص في لبنان أكد نجاحه في أكثر من مجال، فإلى جانب الصناعة هناك القطاع المصرفي، والقطاع السياحي، والتجاري وغيرها من القطاعات.
“اللواء” التقت وزير الصناعة فريج صابونجيان، الذي حاول أنْ يوظِّف نجاحه كرجل أعمال في قطاع الصناعة، وخبرته لخدمة قطاع الصناعة، منذ أنْ تولّى مهمة وزارة الصناعة في الحكومة الحالية، والوزير صابونجيان الذي يتعاطى مع المسؤولية بشفافية مُطلقة، لم تُتَحْ له الفرصة ليُعطي القطاع الصناعي اللبناني كل ما خطّط له، فعندما تُخصَّص لوزارة الصناعة موازنة سنوية لا تزيد عن ثلاثة ملايين دولار يعني هذا إهمال لهذا القطاع الحيوي، وبالتالي «تكبيل» أي دور يتولّى هذه المسؤولية.

يرفض الوزير «الآدمي» صابونجيان أنْ يذكر في حوار إعلامي إنجازاته في وزارة الصناعة، بل يرغب بأنْ يُسلَّط الضوء على أوضاع الصناعة وأهلها وسُبُل تنميتها. وأكد في الحوار أهمية أنْ يكون الاقتصاد متوازناً، فلبنان فيه خدمات وسياحة وكذلك صناعة وزراعة. وأعلن عن أنّ موازنة وزارة الصناعة محدودة جداً (3 ملايين دولار سنوياً)، وهذا ما دفع إلى تقليص عدد موظّفي الوزارة.

ولدعم الصناعة ونهوضها كشف عن أنّه يعمل على إنجاز اتفاق مع الأمم المتحدة (اليونيفل) ليشتروا لوازمهم من الصناعة اللبنانية، كما يعمل على تطوير قانون البورصة لتفعيلها، ومن ثم استيعاب قطاعات أخرى.

الحوار مع وزير الصناعة فريج صابونجيان تمحور حول أهم القطاعات الإنتاجية، ولامس جوانب عديدة من قطاع الصناعة، وجاءت وقائعه على الشكل التالي:

حوار: حسن شلحة

تصوير: طلال سلمان

سوريا تستورد كميات كبيرة من الصناعات اللبنانية

موازنة الوزارة 3 ملايين دولار

-المسار الاقتصادي والسياحي تأثّر سلباً بضرب الاستقرار، برأيك الآثار كبيرة؟
-الآثار السلبية كبيرة، وبداية يجب إعادة مهرجانات بعلبك، فهي كانت عنواناً للاستقرار، ولتنمية السياحة والمدينة يجب إقامة فنادق صغيرة في بعلبك، فهذه المهرجانات تُعتبر الأولى عربياً، وهي مهرجانات دولية.

-كيف تقيِّم تجربتك في الحكومة، ومع وزارة الصناعة؟

-هذه التجربة لها شقّان: الأوّل: في المرحلة الأولى من مشاركتي في الحكومة لم أكن على دراية بعمل القطاع العام، وبعد عدّة أشهر أخذت أستوعب طريقة العمل في القطاع العام.
أما الشق الثاني: تعلّمتُ في هذه المرحلة، وأستطيع أنْ أقول تجربتي كانت مهمّة وصغيرة، حيث استطعت ان أُفيد بلدي، وكما حلمت دائماً، واستفدت من هذا الوطن واصبحت رجل اعمال ناجح عملت من اجل بلدي وأنا وزير، وثقافتنا في الطائفة (الارمنية) انه ليس على الانسان ان يأخذ فقط، بل عليه ان يُعطي، احلى شعور شعور العطاء وألا تعرف لمَنْ أعطيت.

-ماذا استطعتَ أنْ تُحقِّق لقطاع الصناعة ممّا كُنتَ تحلم به؟

-طبعاً لم أحقّق كل ما كنتُ أرغب تحقيقه، فهناك عامل الزمن الضاغط، وهناك امور لا يمكن تحقيقها فلها علاقة بوزارات اخرى.  لكن هناك الكثير من الانجازات التي حققناها، وأنا ليس من عادتي التغنّي بإنجازاتي، والحوار مع «اللواء» ليس لذكر إنجازاتي، رغم أنّني حقّقتُ نسبة عالية من الإنجازات.

-هل تعاونت معك الحكومة؟

-الحكومة كانت منسجمة ولمست التعاون بين الوزراء، ولذلك اقول الحكومة نجحت، وهناك الكثير من المراسيم صدرت.

-كم هي موازنة وزارة الصناعة؟ وهل ساعدتك لتُنجِز ما خطّطت له؟

-الموازنة في وزارة الصناعة متواضعة جداً، ولديَّ ملاحظات حولها، وموازنة وزارة الصناعة هي أقل موازنة في الحكومة، فموازنة وزارة الصناعة بحدود 3 ملايين دولار، فحاجة الوزارة لـ127 موظفاً، والموجود حالياً 96 موظفاً، وسط هذه الظروف اعتقد كل وزير صناعة يجب ان يدفع مالاً من رصده الخاص.

حماية الصناعة اللبنانية

-لديك موازنة 3 ملايين دولار، كيف استطعت أنْ تُساعِد الصناعات البسيطة بهذه الموازنة المحدودة؟
-تعاني الصناعة اللبنانية من مشكلة التكلفة، وأوّلها تكاليف الطاقة وهي عالية، وقد استطعنا تخفيض التسعيرة للمصانع التي لم يكن سابقاً معترف بها كصناعة مثل صناعة البزورات، والشوكولا والحلويات، وحالياً يمكن أن تكون لديهم ساعة (عدّاد) صناعية كلفتها أقل، والطاقة على الصناعات الكبيرة في لبنان كلفتها عالية بالنسبة للبلاد التي توجد مضاربة معها مثل مصر وسوريا وتركيا والسعودية، وهذه قضية مزمنة تعيشها الطاقة منذ العام 1991، فمشكلة الكهرباء لم تحل. استطعنا ان نعمل حماية لبعض الصناعات كصناعة الألمنيوم والورق ونعمل لحماية بعض الصناعات الاخرى عبر اصدار قوانين ثابتة.

-ما هو وضع الصناعات الصغيرة؟ ألا تحتاج إلى دعم وحماية؟

-عقدنا عدّة اتفاقات مع بعض المصارف ونظّمنا مؤتمرات، من اجل إعطاء المصارف قروض للمؤسسات الصغيرة بفوائد قليلة جداً مع فترات سماح بعدم الدفع لعدة اشهر، وانشأنا في الوزارة صالة عرض لجميع انتاجات الحرفيين ليعرضوها مجاناً، وهم يعرضون انتاجهاتم بصورة دائمة والامم المتحدة نشكرها على مساعدتها لنا في اقامة هذا المعرض الدائم.
-كصناعي ناجح بعد وجودك على رأس وزارة الصناعة لمدة ثلاث سنوات، كيف تقيِّم الوضع الصناعي وسط الأزمة التي يعيشها البلد؟

-أنا نصحتُ الصناعيين بأنْ يقيّموا مؤسّساتهم كل ثلاثة اشهر، للوقوف على الصعوبات لإيجاد حلول لها، ففي المنطقة توجد حركة تغيير ايضاً تطال الصناعة، وليس السياسة فقط، فالتقييم ضروري للانتاج والتسويق والمضاربة وكيفية مواجهتها؟
وأنا الآن راضٍ جداً على القطاع الصناعي، ففي عام 2013 هناك الكثير من الصناعات والقطاعات تأثّرت سلباً كالقطاع السياحي والكماليات، لكن كل انتاج وسطي وصغير وبأسعار مخفضة وضعه جيد، والكثير من المؤسّسات الصناعية اللبنانية نجحت لأنّها طوّرت إنتاجها باستخدام التكنولوجيا المتطوّرة، وأنا على تواصل يومي مع الصناعيين، والصناعة يمكن ان يكون وضعها افضل لو اعطت الحكومات السابقة فرصاً افضل للصناعة كما اعطتها الحكومة الحالية.

إهمال الصناعة

-ماذا قدّمتم كحكومة للصناعة أفضل من غيركم؟

-قبل هذه الحكومة لم يكن احد من المسؤولين يهتم بالصناعة، وكان التوجه ان يتحوّل لبنان الى بلد خدمات، وهذا خطأ، فلبنان بلد فيه خدمات وسياحة، وكذلك فيه صناعة وزراعة، وأرى انه يجب ان يكون اقتصادنا اقتصاداً متوازناً، اي من كل شيء، وليس فقط خدمات او عقارات، فأكبر مشكلة في لبنان تُعيق تقدُّم الاقتصاد هي الوضع العقاري، اولاً العقارات التي بُنِيَتْ كسكن كانت لأصحابها توقّعات عالية جداً وهذه الاسعار عالية جداً يصعب اقتناؤها من نسبة كبيرة من اللبنانيين. وثانيها عندما يخطّط الصناعي لبناء معمل يجد كلفة العقار تفوق خمس مرّات كلفة تجهيز المصنع، وهذا اثّر سلباً على القطاع الصناعي، ولديَّ معلومات اكثر من مائة من الصناعيين يسعون إلى نقل وتكبير مصانعهم فيعجزون عن ذلك بسبب كلفة العقار المرتفعة جداً، فكلفة العقار والإيجار في لبنان تُعتبر اكبر مشكلة امام النمو والاقتصاد.

-ما هو الحل بتقديرك لهذه المشكلة؟

-نحاول عبر «اللواء» تسليط الضوء على المعوّقات، فالقضية ليست فقط في عجز المشتري، بل المشكلة في التكلفة العالية في اسعار الطاقة والعقار.

-هل هذه كل السلبيات؟

-أوّل مرّة القطاع الصناعي يشتكي من غلاء العقار وأثره السلبي على الجميع، خاصة أنّ غالبية اللبنانيين ليست من الفئات المرتاحة مادياً، المهم مراعاة الاكثرية وليس الاقلية، فيجب مراعاة الطبقة الوسطى وتقديم المساعدة للطبقة الفقيرة وليس مساعدة الاغنياء فهذه لا تحتاج الى مساعدة.

أين المجمّعات الصناعية؟

-هل القطاع الصناعي يعيش حالة أزمة؟

-لا اقول ذلك، ويجب ان نعمل كي لا يعيش الازمة، فهناك اوضاع في بعض بلدان اوروبا أسوأ من لبنان اقتصادياً والوضع الامني أثّر سلباً على جميع القطاعات ومنها الصناعي، لكن غياب الاستثمارات اثّر سلباً على القطاع السياحي، والاقتصاد كله مرتبط ببعضه.
وألاحظ ان بعض المؤسّسات الاستثمارية تذهب الى الاستثمار في بناء فلل وأبنية فخمة، وأتساءل لماذا لا يستثمرون في أبنية صناعية أي معامل.

-لماذا وزارة الصناعة لم تنشئ مجمّعات، أي أماكن مُخصَّصة للصناعيين؟

-سياستي التي اتبعتها تمحورت حول مساعدة الصناعات التي لم تكن مصّنفة، فعملتُ على تسهيل الامور لجميع الصناعيين، وعندما تتوافر التسهيلات المستثمر يطمئن، وبذلك يتم تأمين فرص العمل للشباب وأنا نجحتُ في هذا الاطار. وأكرّر الطلب من المستثمرين بالعقارات أنْ يبنوا مناطق صناعية ويُديرونها وهي مُربِحة بدل بناء الشاليهات الفخمة في فقرا وغيرها، ودورنا كدولة ان نسهّل للمستثمرين والصناعيين، وليس دورنا ان نحل مكانهم، فدور الحكومة توفير فرص العمل وتسهيل عمل المستثمرين وليس دورها بناء مساكن او معامل.

المنافسة
-هناك كلام كثير عن الفوضى في المرفأ وبقية المعابر ودخول الإنتاج الأجنبي برسوم رمزية، فهل هذه أثّرت على الصناعة اللبنانية؟

-إذا كان ذلك موجوداً فمن الأكيد سيؤثر سلباً على الإنتاج اللبناني بسبب انخفاض تكلفتها، وأنا لم يشتكِ عندي أحد من الصناعيين وأسمع ما يتردّد عبر وسائل الإعلام كغيري من اللبنانيين.

-هل الصناعة اللبنانية وسط هذه الظروف ما زالت لديها القدرة على المنافسة في الأسواق العربية والعالمية؟

-يجب أنْ تُحدّد أي أسواق عربية، ففي الخليج العربي لدينا علاقات مميّزة اقتصادياً مع المملكة العربية السعودية وقطر، وفي الامارات لا توجد سوق للانتاج اللبناني، فهم يستوردون كل شيء من الدول الاخرى إلا لبنان، ولا يعطون افضلية للصناعة اللبنانية، بل دبي تقوم بالمضاربة مع بيروت ويعلنون علناً عن أنّ بيروت «لا تعجبهم»، واقول للمنتجين اللبنانيين بأنّ سوقهم ليس في الامارات العربية المتحدة، بل في السعودية وقطر والعراق وأنصح الصناعيين بالتركيز على المشرق العربي، وفي المستقبل ستكون لدينا سوق كبير في سوريا وحالياً سوريا بعدما توقّفت مصانعها عن العمل تستورد الكثير من الانتاج اللبناني.
-هل الصناعة اللبنانية تملك من المواصفات ما يمكّنها من المنافسة عربياً وعالمياً؟
-الصناعة اللبنانية لها أسواق جيّدة في الخارج وهي تنافس غيرها، لكن يجب دائماً العمل على تحسين الجودة، وعلينا أنْ نواكب التطوّرات العلمية.

-هل الأوضاع في لبنان دفعت مؤسّسات صناعية للتدهور والإفلاس؟

-لا اعتقد وخلال عامين ونصف العام في الوزارة لم اتبلّغ عن مؤسّسات صناعية أعلنت إفلاسها، وإفلاس بعض المؤسّسات في لبنان لا يعود للعامل الامني او عدم الاستقرار في لبنان، بل يعود الى سوء ادارة المؤسسة او عدم وضع دراسة جيدة منذ بداية إنشاء المؤسسة.
خطّة نهوض الصناعة اللبنانية

-ما هي رؤيتك للنهوض بالقطاع الصناعي؟

-أولاً نعمل على ان تكون مشتريات الامم المتحدة كلها من الصناعة اللبنانية، وخاصة المؤسسات الدولية المتواجدة في لبنان، ونعمل على التفاوض وخلال اسابيع سنصل الى نتائج جيدة. ثانياً: من اجل زيادة الاستثمارات في لبنان، لا بد من تفعيل دور بورصة بيروت، فيجب ان نعطي الفرصة والمجال لعدد من المؤسسات الصناعية والتجارية لتدخل الى عضوية البورصة بشروط معقولة ومقبولة، وبذلك تتوسّع الاستثمارات، واعمل على تطوير نظام عملها، وجميع المسؤولين في البورصة تجاوبوا مع افكاري وانا اشكرهم على ذلك.
ثالثا: كذلك عملنا على خفض الضرائب بكل ما يتعلق بالصحة، وانجزنا اتفاقات مع وزارة المالية لخفض الضرائب الى خمسين بالمائة على بعض الانتاج، ونعمل على فتح اسواق جديدة هامة امام الانتاج اللبناني، كالعراق والبلاد الافريقية.

-هل لجأت المؤسّسات الصناعية إلى استبدال العمالة اللبنانية بعمالة أخرى غير لبنانية أرخص؟
-حماية العمّال اللبنانيين موجودة في الــقانون، فيجب على كل مؤسسة ان تكون نـسبة محدّدة من عمالها لبنانيين، والحاصل ان بعض الاعمال يرفض اللبنانيون القيام بها وهذه موجودة منذ سنوات، ومع وجود العمّال السوريين بصورة كثيفة وانا افضّل ان يعملوا بدل ان يشكّلوا ظاهرة بطالة، وهذا العامل السوري اذا لم يعمل كيف يعيش؟ ويجب ان نوفرّ لهم العمل لغاية عودتهم الى بلدهم.

-وزراء الحكومة الحالية فرحون لاستمرارهم تسعة أشهر إضافية في ظل حكومة تصريف أعمال، خاصة أنّهم يعملون دون رقابة؟

-الرئيس ميقاتي عندما اعلن عن استقالة الحكومة لم يخطّط للبقاء تسعة اشهر اضافية، من الممكن ان يكون هناك وزراء مسرورين وآخرون غير مسرورين، ونحن مُلزمون بخدمة اللبنانيين وليس صحيحاً أنّنا نعمل بدون رقابة. نحن استمررنا في حكومة تصريف الاعمال 180 يوماً، وفي بلجيكا استمرّوا من غير حكومة 517 يوماً، وهذا ما اخبرني به رئيس وزراء بلجيكا الاسبوع الماضي عندما استقبلته في مطار رفيق الحريري.

-كل شيء معطّل، مجلس النوّاب، حكومة تصريف الأعمال، وغيرهما، فهل تخشى أنْ يطال هذا الفراغ موقع رئاسة الجمهورية؟

-نعم اخشى ذلك، ومن الممكن ان يحدث ذلك في موقع رئاسة الجمهورية، وعلينا العمل على عدم حدوث ذلك. انا من المؤمنين بالدولة وضرورة تقوية مؤسّساتها، والعمل على الالتزام بالقانون، والمحافظة على التعددية التي تميّز لبنان.

Share This