كتاب “الأرمن البحث عن ملجأ”

توثيق لذاكرة جماعية ارمنية ماتزال حية بعد 95 عاماً على الإبادة

بيروت – حسن عبّاس – أقامت الهيئة التنفيذية الوطنية الارمنية في الشرق الاوسط، حفلاً في قاعة المكتبة الشرقية في جامعة القديس يوسف في بيروت، لمناسبة تقديم ترجمة كتاب “الأرمن البحث عن ملجأ 1917- 1939” ، بقلم ليفون نورديغيان بمشاركة حشد من الشخصيات الفكرية السياسية والاجتماعية.

وفي كلمة ألقتها، أكدت المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الارمنية في الشرق الاوسط فيرا يعقوبيان “ان ترجمة كتاب “الارمن البحث عن ملجأ 1917- 1939” الى اللغة العربية تأتي في اطار سعينا الدائم لتقديم مادة بحث تاريخي وعلمي الى القارىء العربي”، مشيرة الى ان “اهمية هذا الكتاب تكمن في انه يسلط الضوء على حقيقتين تاريخيتين: الاولى، انها توثق للذاكرة الجماعية الارمنية التي ما زالت حية رغم مرور 95 عاماً على جريمة الابادة، والثانية انها تؤرخ لاحداث جرت في منطقة جغرافية لا تزال تعيش ازمات وخضات سياسية واقتصادية بسبب الارث الذي خلفته السلطنة العثمانية”.

وأشارت الى أن مسؤولية الدولة التركية “تتعدى البعد القانوني، وتذهب الى قلب تشكيل الدولة التركية الحديثة التي قامت على انقاض الابادة الارمنية، فتركيا تعي تماما ان اي خطوة باتجاه الاعتراف بهذه الحقيقة التاريخة سوف يهز من شرعيتها الهشة ويعرضها الى التفكك والانهيار.”

وأضافت “ان اعتراف تركيا بارتكاب جريمة الابادة والاعتذار والتعويض على الشعب الارمني باعادة ممتلكاته وثرواته أمر لا بد منه آجلاً ام عاجلاً، فهو سوف يمنح تركيا فرصة جديدة لتصحيح مسارها التاريخي والتخلص من هذا العبء الثقيل، كما وانه سوف يعيد الاعتبار الى ذكرى المليون ونصف مليون شهيد ارمني”.

وفي كلمة أخرى، أشار وزير العدل اللبناني ابراهيم نجار الى مقالة كتبها روبرت فيسك عن المجازر الارمنية التي أودت بحياة مليون ونصف مليون أرمني في الحقبة التي تلت عام 1915، “ويؤكد فيها الكاتب ان هذه المجازر الجماعية سبقت محاولات شرسة لتتريك الارمن ومن بقي من اولادهم وايداعهم في مؤسسات تربوية، بعد أسلمتهم، وإخضاعهم لعملية التطهير، واعطائهم أسماء جديدة يبتدىء كل منها بنفس الحرف الارمني الذي كان يحمله الولد، وقد استرسل الكاتب في وصف أنواع التعذيب والضرب الذي كان يخضع له هؤلاء الاطفال الذين تراوحت اعمارهم بين ثلاثة وخمسة عشر سنة.”

واستذكر مدرسة عينطورة التي تعلّم على مقاعدها والتي “كانت أبرز المؤسسات التي ارغمتها السلطات العثمانية وجيش جمال باشا بعد طرد الآباء المسؤولين عنها، على إيواء هؤلاء الاطفال، بإشراف السلطات التركية، قبل ان يحرر الجيش البريطاني هذه المدرسة، ويعيد اليها الآباء اللعازاريين الذين كانوا قد طردوا منها”.

وقال الوزير نجار تعليقاً على قراءته مقالة الصحافي البريطاني: “ان ما حضرني هو ما إستذكرته من مشاهد كانت في الحقيقة تمر امام عيني في الفيلم الوثائقي عن مدرسة عينطورة، وهي التي تحتفظ بوثائق وأرشيف عن مآثر جمال باشا السفاح وزياراته للمدرسة وتركيزه على اعطاء الاطفال اسماء تركية والى اخضاعهم للمراسيم الدينية التي لا علاقة لها بدينهم. وفهمت لماذا الطربوش يعتمره الاولاد الصغار ولماذا الحرص على إلباس الاولاد الزي التركي.”

واعتبر الوزير نجار “ان مدلولات المجازر التي استهدفت الشعب الارمني تطرح اشكالية تمس بحقوق الانسان وجرائم الابادة الجماعية، التي لا يمر عليها الزمن، ولا يشملها النسيان لما اتصفت به من فظاعة واستغراب”.

وأكد وزير العدل “أن ما ورد في هذا “الكتاب المخزن” او الكتاب “المتحف”، يؤرخ لحقبة بقيت الى حد كبير طي التحفظ، طيلة عشرات السنين، وكنا نحتاج له، وباللغة العربية، او بعد تعريب، لانه لا يجوز للافعال الإبادية والاجرامية التي تؤدي او تنال من سلامة مجموعات انسانية، على اساس عرقي او ديني او وطني او لغوي او فئوي، لاننا، يا أخي فاهي، كلنا أرمن”.

وشرح أن عنوانه “الارمن ـ البحث عن ملجأ1917-1939 ” يشير بوضوح الى حقبة طويلة من التبعثر والضياع والهجرة القسرية والتوزع على دول متعددة ولا سيما سوريا ولبنان، وما رافق ذلك من ضياع وبؤس وشقاء ومشكلات وتفكك حتى في الروابط المنزلية والعائلية.”

ولفت الى أن من يطلع على الكتاب سيتعرف “على خطورة ما ورد في المقالات من تفاصيل ورفض للسكوت المتواطئ موضوعيا مع الاجرام خوفا من المزيد منه. لكن ما أن تقرأ مقدمة الاب سليم عبو حتى يتضح لك فورا لماذا تطور هذا الشتات الارمني، فقد تنازلت فرنسا الى تركيا عن كيليكيا في 24 تموز 1923، ثم اعادت فرنسا الى تركيا سنجق اسكندرونه عام 1939 بموجب معاهدة لوزان”.

وأشار الى “ان اسباب عودة الخوف من تجدد المجازر تبرز بوضوح، ما أدى الى نقل جزء من الارمن الى عنجر، والى منطقة نهر بيروت، حيث لم تكن العقارات “غالية الثمن”، فقد أدى هذا كله الى تقوقع، بل الى رفض كل إندماج وتفضيل حالة تشبه الغيتو، لان التجمع والمحافظة على التقاليد والعادات والانتماء الديني والهوية اللغوية، كل هذا بدأ من توابع المحافظة على الذات والهوية الجماعية”.

وأضاف نجار أن هجرة الشعب الارمني بدت “وكأنها إلتماس للأمان، فتحقق قدر لبنان مرة اخرى، وهو قدر لبنان الملجأ. صحيح ان هذه الحالة تطورت تطورا بطيئا، ولكن هذا السياق كان أكيدا، لدرجة ان تأصل الارمن وتجذرهم في لبنان كان بالنتيجة اقوى من العودة، فلم يؤد قيام جمهورية ارمينيا الى تغيير كبير في هذا الواقع، لان ثمة جذورا جديدة كانت قد أمعنت في احشاء الشعب الارمني على هذه الارض الكريمة”.

وختم الوزير نجار: “يقول البعض ان السعي الى الهوية، مهما كانت اوصافها، دينية، مذهبية، لغوية، الخ… هو مدخل للصراع والاستفزاز والتمييز، أقول ان ثمة عبارات ترادفت مع الزمن، جمال باشا، السفاح، اللاجئون هم مثلا: الفلسطينيون، اليهود، شعوب يوغسلافيا السابقة، التعددية؟ او الثنائية اللغوية والدينية والحضارية؟ هذه كلها، ايها السادة، محطات لا بد منها، ففترة الحقد والغضب والتقوقع والغيتو تلازم حقبات المجازر والشتات والمطالبة بحق العودة، لكن هذا كله مدخل لا بد منه لنجد انفسنا في انفسنا، فلا نشعر بغرابة عن أنفسنا لاننا متى وجدنا، إستطعنا ان ننفتح على الآخر، أن نتقبل الآخر، ان نتزواج مع الآخر، ان نكون الآخر معه في السراء والضراء، كلنا أرمن، فهنيئا لنا جميعا بهذا الكتاب بحلته الجديدة.

السبت 29 مايو 2010

حسن عباس   Your browser may not support display of this image.

الهدهد

Share This