حوار مع مخرجة فيلم “الشاب فرويد في غزة” سوزان خارداليان

الفيلم الوثائقي “فرويد الشاب في غزة” يوميات نفساني في قطاع غزة للمخرجة سوزان خارداليان

إنه فيلم وثائقي للثنائي السويدي بيو هولمكوست وسوزان خاردليان. وكما اعتاد المخرج بيو هولمكويست، في أفلامه السابقة، مثل «معركة في القدس» 1980، و«غيتو غزة» 1984، و«أسد من غزة» 1996، التطرق إلى موضوعات لافتة الانتباه في ذكائها وحذاقتها، والذاهبة إلى جوهر القضية الفلسطينية بمستوياتها السياسية والنفسية الاجتماعية، يذهب هاهنا في الفيلم التسجيلي الطويل (90 دقيقة)، بعنوان “فرويد الشاب في غزة”، عبر حالة فريدة، إلى الكشف عن الكثير من الحالات غير الفريدة، تلك التي لا تراها نشرات الأخبار، ولا تكتبها التقارير الصحفية..

والجدير ذكره أن المخرجان بيو هولمكوست وسوزان خارداليان اختصا بتصوير معاناة الفلسطينيين ولاسيما في القدس وغزة، ليصبحا من أشهر مخرجي الأفلام الوثائقية، وهولمكوست متزوج من سوزان خارداليان الأرمنية اللبنانية. وقد عرض الفيلم في العديد من المهرجانات، منها مهرجان سينما الواقع بدمشق وغيره.

بطاقة الفيلم:

إخراج: بيو هولمكويست وسوزان خارداليان، 2009. تصوير: بيو هولمكويست، وعايد الحمداني، وماريتا هلفورس.  مونتاج: ليزا اكبرغ. موسيقا: نيكلاس شاك، وتين سهيلي. إنتاج: بيو هولمكويست، وميكيل أوبستروب.

وفي حوار أجرته جريدة “أزتاك” مع سوزان خارداليان مخرجة فيلم “الشاب فرويد في غزة”، تقول سوزان “كنت دائماً أرغب بأن أسلط الضوء على فكرة معاقبة شعب”.

أزتاك – لقد تم عرض فيلم “الشاب فرويد في غزة” في العديد من المدن والمهرجانات. لنتحدث عن ولادة الفيلم، الأسباب ومدة العمل والهدف.

سوزان – صحيح أنني أعمل في صناعة الأفلام الوثائقية، لكن هذا الفيلم مختلف، فهو تسجيلي-وثائقي. فقد قضيت معظم وقتي خلال الثلاث سنوات الأخيرة من أجل الفيلم الذي أخرجه معي بيو هولمكيست. في الحقيقة ولدت فكرة هذا الفيلم عندما قررت أوروبا معاقبة ومحاصرة غزة في ضوء انتخابات حماس والتطورات التي تلت ذلك. كان الأمر مريباً بالنسبة لي. كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يقر معاقبة دولة صغيرة في هذا القرن؟ وعندما تعيش في اوروبا تشعر بأنه موضوع الإعلام الشاغل. فرغبت في تسليط الضوء على هذا الموضوع. وواجهت الكثير من الرفض لأنني أعيش في مكان تسود فيه المواقف المضادة لفلسطين. وأخذت موجة ضد انتاج الفيلم. ففكرت بأنه ينبغي أن أقدم الموضوع باسلوب وشكل يختلف عن غيره . وولدت فكرة تقديم المجتمع الفلسطيني دون خوض في المسائل السياسية وتسليط الضوء عليها، رغم أن المواضيع السياسية موجودة دائماً. انتهيت من الفيلم بداية عام 2009 وتم عرضه في مختلف الدول. كما تم بث الفيلم في اسرائيل ومحطة الجزيرة وغيرها.

أزتاك – كم مرة قمت بزيارة غزة من أجل التصوير. من اللافت البساطة في التعبير من قبل الذين يعانون مشاكل نفسية. هل واجهت صعوبات في الوصول الى هذه المرحلة؟

سوزان – استمر التصوير مدة عامين، وفي تلك المرحلة زرت المكان عدة مرات لفترة شهر أو ستة أسابيع. وبما أننا نبين حالة المرضى في الفيلم فهذا يتطلب وقتاً طويلاً لإظهاره. وكان علي أن أتابع كل حالة وتطوراتها.

أزتاك – إن زيارة طبيب نفسي هو من المحرمات في العالم العربي. كيف تقيّمين غزة وهذه الظاهرة كونك شاهدة عيان ؟

سوزان – خلال السنوات 25 الماضية زرت غزة العديد من المرات. أهم ما في الأمر هو أن الأقاويل عن حماس جعلت شعباً بأكمله يرفض السياسة. وهو أمر مرفوض بالنسبة لي. فالعالم الغربي والأمريكي واسرائيل يقدمون الشعب الفلسطيني على أنه يترعرع ضمن فكرة التغني بالموت. وهذا أمر مهم بالنسبة لي وأثار حفيظتي. ترون مثلاً ميسا وشقيقها، والدها يرغمها للذهاب الى الجامعة وهي ترفض. أليس الغرب هو المسؤول عن كل تلك المفارقات. وهناك مسألة اعتقادهم بأنه ليس لديهم أي شيء يفقدونه. فعندما كنت أختار المرضى، كنت آخذ هذا الأمر بعين الاعتبار. فكان عليّ أن أظهر للمشاهد في أوروبا بأنه هل يختلف المجتمع الذي يسمى المتطرف عن المجتمع في أوروبا؟ ولذلك، فكرت بالشابة التي تعاني من الأنوراكسيا. أليس من المفروض أنه لا يتواجد هناك أناس مهتمون بالمظهر واللباس. فكانت تلك المشاهد مثيرة للاهتمام لدى المجتمع الغربي. بأن الشباب في غزة يواجهون نفس مشاكل وهموم شبابهم وأبناءهم. ومن جهة أخرى، هناك مسائل الزواج الخاطئ وكره الحياة. فمن المثير أن نجد سيدة تتحدث خلال علاجها عن حبها وعن فرحها بحلمها بحبيبها الذي يأتي نحوها. كان مثيراً جداً أن تتجرأ وتتحدث هكذا وهي تعلم أننا نصورها.

أزتاك – هناك في غزة الكفاح من أجل الموت، والخوف من الموت، وكذلك هزات نفسية متعددة. كل هذا يتوضح في الفيلم. يبدو أنك تقصدين ألا تتحدثين عنها.

سوزان – إنه العالم النفسي لبلد تحت الحرب. هناك الشابة التي فقدت خطيبها أثناء تجوالها، فالوجع قائم. إلا أن التطور الايجابي هو أنها تخطت ذلك وتزوجت من غيره. قضية الموت موجودة.

أذكر جيداً أنه خلال سنوات الحرب في أرتساخ كان الموت يخيم علينا وعلى أرمينيا. عندما تفقد كل عائلة شخصاً منها لا يمكن الهروب منه. أن نقول بأن المجتمع كله يعاني من عقدة الموت، ستكون هذه ورقة لعب سياسية. هناك العديد من المقالات في أمريكا تتناول فكرة أن الأطفال في غزة يتعلمون ويتربون على الدفاع عن الموت .

هناك ازدواجية، فهم لا يؤمنون بالأدوية الآتية من الغرب لكنهم يذهبون للعلاج لأنهم يعون ذلك. أنا أرفض أن يتم تقديم هؤلاء الناس من قبل الغرب بصورة سوداء .

أزتاك – لنتحدث عن بطل الفيلم “عايد” الذي يعمل في ظروف بدائية ليريح المرضى.

سوزان – عايد شاب متفائل. كان مهماً بالنسبة لي أن أختاره كبطل لكي أظهر أن هؤلاء الناس لا يختلفون عنا. فعمله جزء من الدفاع عن القضية الفلسطينية.

فهو لا يستطيع فعل شيء آخر ليساعد الناس. ومن المعلوم أن الناس يتعلقون بالطبيب النفسي. فهو يفسر للناس أن الذهاب الى الطبيب النفسي لا يعني أن المريض مجنون. فهو الطبيب الوحيد بين 300 ألف من السكان من حوله.

أزتاك – ما هي ردود الأفعال بعد عرض الفيلم. وخاصة في الغرب حيث يوجد موقف نفور من الفلسطينيين؟

سوزان – في نيويورك، الذين عرضوا الفيلم هم اليهود. حتى أنهم عرضوا الفيلم على قناة اسرائيلية. وصرحوا أنها المرة الأولى حيث يقدم الفلسطيني على أنه انسان. هذا أمر مثير للاهتمام أن تعرضه قناة اسرائيلية. هل لتبيان أن الفلسطينيون يعانون من مشاكل نفسية؟ أعتقد أنه هناك حركات داخلية تريد ايصال صوتها أيضاً. وهناك مواقف أخرى، فقد طلبوا مني أن أتحدث عن مشاكل الاسرائيليين بدلاً من الأطفال الفلسطينيين.

أزتاك – من لواضح أنك في الفيلم لم تقومي بأي محاولة لغسل الدماغ أو تحريك مجريات الأحداث؟

سوزان – أنا لم أقم حتى بالتعليق. إنه عرض لأحداث تعلق على نفسها. كنت أرغب أن ترى أوروبا وتدرك ماهية المجريات. ونجحت في ذلك. فقد تجمع أطباء نفسيون في فرنسا لحضور الفيلم ودراسة الأحداث. من المهم جداً ألا نقوم بالدعاية السياسية ولا البيانات.

كان هناك محاولات لعرض غزة على أنها عش للشياطين. فكان من الضروري إبراز الصورة الحقيقية، وبذلك نجح فيلم “الشاب فرويد في غزة” في هذا الدور الكبير.

أزتاك – هل ترين مقاربات بين القضية الأرمنية والقضية الفلسطينية؟

سوزان – أنا ولدت وترعرعت في الشرق الأوسط. فتلك القضايا تجري في عروقي. أعتقد أن حقيقة كوني ابنة أحد الناجين موجودة في كياني، والتي خلقت موضوع العدالة في أعمالي. القضيتان مختلفتان، لكن هناك نقطة التقاء. فهناك مسألة الحصار ضد أرمينيا والشعب الأرمني، وبهذا الموقف يكمن التشابه مع القضية الفلسطينية. نرى اسرائيل تستغل كافة وسائلها، فاللوبي الاسرائيلي يؤثر في المصادر الاعلامية ويضغط على العالم العربي أيضاً…

أجرت الحوار ن. ب.

Share This