إصدار كتاب “الأرمن 1917 – 1939، البحث عن ملجأ” بالنسخة العربية

أقامت الهيئة الوطنية الأرمنية – الشرق الاوسط حفلاً في قاعة المكتبة الشرقية في جامعة القديس يوسف في بيروت في 27 ايار 2010، بمناسبة تقديم ترجمة كتاب “الأرمن، البحث عن ملجأ 1917-1939”، من منشورات جامعة القديس يوسف، بإشراف ريمون كيفوركيان وليفون نورديغيان وفاهي طاشجيان، وترجمة جوزيف كالوسديان.

وقد جرى حفل تقديم الكتاب بمشاركة وزير العدل اللبناني البروفسور ابراهيم نجار، وحضور عدد كبير من النواب والشخصيات اللبنانية، وأساتذة الجامعات اللبنانية وشخصيات أرمنية وممثلين عن فعاليات ثقافية وسياسية في لبنان.

وفي نهاية الحفل، تم عرض فيلم وثائقي قصير عن عملية المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن.

ويسعدنا أن ننشر في ملحق “أزتاك” العربي كلمة وزير العدل البروفسور ابراهيم نجار وكلمة رئيسة قسم التاريخ في جامعة القديس يوسف الدكتورة كارلا إدة وكلمة رئيسة الهيئة الوطنية الأرمنية في الشرق الاوسط السيدة فيرا يعقوبيان.

عدد حزيران 2010

ملحق “أزتاك” العربي

كلمة وزير العدل البروفسور ابراهيم نجار

Ibrahim Najjar

Ibrahim Najjar

أصحاب المعالى والسعادة،

أيها الاصدقاء،

لقد شرّفني سعادة النائب أغوب بقرادونيان والسيدة فيرا يعقوبيان بدعوتي للمشاركة في هذا الحدث المتمثل بإطلاق نشر كتاب “الارمن، البحث عن ملجأ”، في هذا المكان المشرق التابع لجامعة القديس يوسف للآباء اليسوعيين،

وقد شرّفني فخامة رئيس الجمهورية بتكليفي أن انقل اليكم تحية “صادقة” وكامل تقديره للطائفة الأرمنية الكريمة والى حضراتكم بالتالي،

وغني عن القول ان هذا الحدث لا يتميز برقيه وحسب، بل ايضا لتجاوزه كل ما يتصل بالتنوع السياسي والانتخابي، والفروقات السياسية اللبنانية اللبنانية كما والأرمنية الأرمنية،

كما ان هذا الحدث ومشاركتي فيه ينطلق من سمو قضيتكم الأنسانية، التي تفوق كل الاعتبارات الاخرى، بما فيها المصالح الاستراتيجية والاقليمية التي تشد روابط المصالح المشتركة بين لبنان وتركيا اليوم،

ليست، ايها السادة، هذه المرة الاولى التي يتسنى فيها لي الكلام عن المشكلة الأرمنية، فقد كانت لي فرصةٌ لإبداء موقفي المتضامن مع الشعب الأرمني العزيز منذ الستينات، بمناسبة وضع كتاب “المشكلة الأرمنية” “Le problème arménien، تجاوباً مع دعوةٍ صادقةٍ من المرحومين العميدة الدكتورة ملينيه طوباقيان والمرحوم فوسكانباران آرزومانيان الذي كان يشغل منصب الامين العام لكلية الحقوق في الجامعة اليسوعية،

كما لا انسى ما قدمه المرهوم الزميل الدكتور موسى برنس من كتابات مؤثرة عن القضية،

أيها السادة،

أرسل لي صديقي فاهي منذ بضعة ايام بريداً الكترونيا يقول فيه: “عزيزي ابراهيم انا مرتبك فعلا. قرأت مقالا لروبرت فيسك عن المجازر الأرمنية التي أودت بحياة مليون ونصف مليون أرمني في الحقبة التي تلت عام 1915، ويؤكد فيه الكاتب ان هذه المجازر الجماعية سبقت محاولات شرسة لتتريك الأرمن ومن بقي من اولادهم وايداعهم في مؤسسات تربوية، بعد أسلمتهم، وإخضاعهم لعملية التطهير، واعطائهم أسماء جديدة يبتدىء كل منها بنفس الحرف الأرمني الذي كان يحمله الولد، وقد استرسل الكاتب في وصف أنواع التعذيب والضرب الذي كان يخضع له هؤلاء الاطفال الذين تراوحت اعمارهم بين ثلاثة وخمسة سنة.

أضاف فاهي: هل ترى انه يمكنني تعميم المقال المذكور على رفاقنا دون إحراج ادارة مدرسية عينطورة؟ إن ما فاجأني ليس فقط ما كان يختلقه جمال باشا السفاح من أعذار ويبتدعه من حجج للقول بأن هذا التتريك كان بالنتيجة لحماية الاطفال من الابادة، بل هو كون مدرسة مار يوسف عينطورة التي كنا معا، اي فاهية وأنا، على مقاعد دراستها، كانت أبرز المؤسسات التي ارغمتها السلطات العثمانية وجيش جمال باشا بعد طرد الآباء المسؤولين عنها، على إواية هؤلاء الاطفال، بإشراف السلطات التركية، قبل ان يحرر الجيش البريطاني هذه المدرسة، ويعيد اليها الآباء اللعازاريين الذين كانوا قد طردوا منها.

قرأت هذا المقال لروبرت فيسك، وهو بصياغة الصحافة الانكلوساكسونية، التي ترّكز على الواقعات الحسية وتنطلق من الشواهد والتصريحات اكثر من الافكار المجرّدة أو التأملات الثقافية.

وبالطبع لفتني ما يركز عليه روبرت فيسك في مقاربته النقدية لسياسة الرئيس اوباما وناظرة خارجيته هيلاري كلينتون إراء القضية الأرمنية والمجازر الجماعية.

غير ان ما حضرني هو ما إستذكرته من مشاهد كانت في الحقيقة تمر امام عينيّ في الفيلم الوثائقي عن مدرسة عينطورة، وهي التي تحتفظ بوثائق وأرشيف حول مآثر جمال باشا السفاح وزياراته للمدرسة وتركيزه على اعطاء الاطفال اسماءً تركية والى اخضاعهم للمراسيم الدينية التي لا علاقة لها بدينهم.

وفهمت لماذا الطربوش يعتمره الاولاد الصغار ولماذا الحرص على إلباس الاولاد الزيّ التركي.

وقد بقيت قضية وثائق تتريك اولاد الأرمن الصغار، بعد قتل ابائهم، او تشتتهم، طي النسيان في لبنان، حتي عندما أقيم النصب التذكاري للشهداء الارمن في أعالي المتن الشمالي.

سألني فاهي: هل تجد انه من اللائق ان ارسل نسخة عن هذا المقال لرفاقنا واصحابنا من غير الارمن الذين تابعوا دروسهم معنا في مدرسة عينطورة.

ألا يخشى ان يرى البعض في هذا نوعا من الاستفزاز؟

أجبت فاهي: يا صديقي، إن الواقعات التي تشير اليها هي صور في هذا الفيلم الوثائقي، وقد استعرضت مثلها او مشابهة لها في احدى المقالات التي يتالف منها كتاب “الأرمن، البحث عن ملجأ”، بقلم ليفون نورديغيان Levon Nordiguian، غير ان مدلولات المجازر التي استهدفت الشعب الأرمني تطرح  اشكالية تمس بحقوق الانسان وجرائم الابادة الجماعية، التي لا يمر عليها الزمن، ولا يشملها النسيان لما اتصفت به من فظاعة واستغراب.

الحقيقة إن ما ورد في هذا “الكتاب المخزن” Livre magazine، او الكتاب “المتحف”، يؤرخ لحقبة بقيت الى حد كبير طي التحفظ، طيلة عشرات السنين، وكنا نحتاج له، وباللغة العربية، او بعد تعريب، لانه لا يجوز للافعال الإبادية والاجرامية التي تؤدي او تنال من سلامة مجموعات انسانية، على اساس عرقي او ديني او وطني او لغوي او فئوي.

لاننا، يا أخي فاهي، كلنا أرمن.

أول ما يستوقف ايضا في هذا الكتاب ليس فقط كونه معرّبا في اجزاء كبيرة منه، وان صياغته الاصلية باللغة الفرنسية تقع في منشور طبعت مرتين من قبل Presses de l’Université St. Joseph، بل ايضا في المحافظة علي شكله وعنوانه وما حشده من وثائق وصور، والمقدّمين له الى جانب من أشرف على وضعه،

عنوانه (“الأرمن، البحث عن ملجأ، 1917 – 1939”) يشير بوضوح الى حقبة طويلة من التبعثر والضياع والهجرة القسرية والتوزع على دول متعددة ولا سيما سوريا ولبنان، وما رافق ذلك من ضياع وبؤس وشفاء ومشكلات وتفكك حتى في الروابط المنزلية والعائلية. وقد أحسن المشرفون الثلاثة على وضع الكتاب عندما نظموا محتوياته والمقالات التي كتبها فريق من المؤلفين ومعظمهم من الباحثين الأرمن حول عناوين ثلاثة.

– السياق التاريخي والتحركات السكانية.

– إعادة بناء العالم الأرمني.

– اللاجئون في حياتهم اليومية.

وقد ورد في عداد المقدمات الاربع الكتاب، مقدمة لصديقي الاستاذ برج ستراكيان، الذي مرة اخرى انه بقي وفيا ليس فقط للبنان ولأهله ولاصدقائه هنا، وللجامعة اليسوعية، بل ايضا للاهداف الانسانية والأرمنية في آن.

بالطبع ستطلعون على ميزات هذا الكتاب وعلى الدقة التي صيغت بها كل المقالات الموثقة التي يحملها بين دفتيه الانيقتين، وعلى صراحة المؤلفين وجرأتهم الفائقة في نقل الاحداث التاريخية، على خطورة ما ورد فيها من تفاصيل ورفض للسكوت المتواطىء موضوعيا مع الاجرام خوفا من المزيد منه.

لكن ما أن تقرأ مقدمة الاب سليم عبو حتى يتضح لك فورا لماذا تطور هذا الشتات الارمني، فقد تنازلت فرنسا الى تركيا عن كيليكيا في 24 تموز 1923، ثم اعادت فرنسا الى تركيا سنجق اسكندرونه عام 1939 بموجب معاهدة لوزان.

وتبرز بوضوح اسباب عودة الخوف من تجدد المجازر، ما أدى الى نقل جزء من الأرمن الى عنجر، والى منطقة نهر بيروت، حيث لم تكن العقارات “غالية الثمن”، فقد أدّى هذا كله الى تقوقع، بل الى رفض كل إندماج وتفضيل حالة تشبه الغيتو، لان التجمع والمحافظة على التقاليد والعادات والانتماء الديني والهوية اللغوية، كل هذا بدا من توابع المحافظة على الذات والهوية الجماعية.

ستطلعون على كمية من المعلومات والصور والارشيف والتفاصيل والخرائط التي ترسم خريطة جعرافية ومسارا تاريخيا وإنسانيا لما تكبده الشعب الأرمني من مصائب.

فبدت هجرته وكأنها إلتماس الأمان، فتحقق قدر لبنان مرة اخرى، وهو قدر لبنان الملجأ.

صحيح ان هذه الحالة تطوّرت تطوّرا بطيئاً، ولكن هذا السياق كان أكيداً، لدرجة ان تأصل الأرمن وتجذرهم في لبنان كان بالنتيجة اقوى من العودة، فلم يؤد قيام جمهورية ارمينيا الى تغيير كبير في هذا الواقع، لان ثمة جذوراً جديدة كانت قد أمعنت في احشاء الشعب الأرمني على هذه الارض الكريمة.

يقول البعض ان السعي الى الهوية، مهما كانت اوصافها، دينية، مذهبية، لغوية، الخ… هو مدخل للصراع والاستفزاز والتمييز.

أقول ان ثمة عبارات ترادفت مع الزمن، جمال باشا، السفاح، اللاجئون هم مثلا: الفلسطينيون، اليهود، شعوب يوغسلافيا السابقة، التعددبية؟ او الثنائية اللغوية والدينية والحضارية؟ هذه كلها، ايها السادة، محطات لا بد منها،

ففترة الحقد والغضب والتقوقع والغيتو تلازم حقبات المجازر والشتات والمطالبة بحق العودة.

لكن هذا كله مدخل لا بد منه لنجد انفسنا في انفسنا، فلا نشعر بغرابة عن نفسنا لاننا، متى إنوجدنا، إستطعنا ان ننفتح على الآخر، أن نتقبل الآخر، ان نتزواج مع الآخر، ان نكون الآخر، معه، في السرّاء والضراء،

كلنا أرمن يا أخي فاهي.

فهنيئا لنا جميعا بهذا الكتاب بحلته الجديدة.

وزير العدل البروفسور ابراهيم نجار

كلمة الدكتورة كارلا إدة،

رئيسة قسم التاريخ في جامعة القديس يوسف

بداية أود أهنيء القائمين على مشروع الكتاب الذي هو بمتناول أيدينا وخاصة الهيئة الوطنية الأرمنية في الشرق الأوسط

Carla Edde

Carla Edde

.

إن هذا الكتاب، بنسخته الفرنسية الصادرة في العام 2006 وبنسخته العربية التي تقدم اليوم، يسد فراغاً مؤكداً في مكتبتنا.

يعرف العديد منكم إني مؤرخة متخصصة بالتاريخ اللبناني المعاصر. لكني كنت غالباً، ومن خلال أبحاثي الخاصة، ومن خلال المحاضرات التي ألقيها في جامعة القديس يوسف، أواجه صعوبة الفهم والشرح، من الداخل، لعملية إحلال الأرمن في لبنان وسوريا. وحيث إني لا أجيد اللغة الأرمنية، شأني شأن معظم اللبنانيين، فانه يصعب علي الوصول الى ما كتب باللغة الأرمنية عن هذه المسألة، في حين تبقى المعلومات المتاحة باللغات العربية والفرنسية والانكليزية نادرة.

يأتي هذا الكتاب ليسد فراغاً  واضحا بشكل مناسب وموفق. أولاً نظراً للجدية العلمية التي تتحلى بها المساهمات الموجودة فيه، والمرتكزة أصلاً على الاستثمار الأمثل للمصادر الرئيسية المتاحة، مثل أرشيف السلطات العثمانية والفرنسية وأرشيف المؤسسات الأرمنية، وسير الحياة والسير الذاتية للناجين من المذابح الجماعية وللمسؤولين العثمانيين، وأرشيف اليسوعيين والصحافة الأرمنية والعربية دون أن ننسى المقابلات الشفهية والأبحاث الميدانية.

وكونها تتناول مواضيع مختلفة، فان المقالات الخمس عشرة تقريباً التي يتألف منها الكتاب، تتكامل بشكل يتيح للقارىء تتبع المراحل الكبرى التي مرَّ بها الأرمن منذ المذبحة الجماعية أي منذ التهجير القسرى الذي أقرته مصلحة إدارة إسكان العشائر والمهاجرين التابعة لوزارة الداخلية العثمانية سنة 1915، والذي رافقته وتلتة مجازر أفرزت لاجئيين ناجين من المذبحة. وكان من أمر هؤلاء أن تفرقوا في المقاطعات العربية للسلطنة العثمانية بشكل اساسي. وبعد إنتهاء الحرب العالمية الاولى، نزحوا الى كيليكيا التي كانت وضعت تحت إلادارة الفرنسية ثم ما لبثوا، بعد اقل من سنتين، أن عرفوا تهجيراً جديداً كانت آخر فصوله نزوحهم عن سنجق الاسكندرون من سنة 1939.

وهكذا يتيح لنا الكتاب متابعة مسيرة اللاجئين بشكل عام ومسيرة بعض المجموعات والافراد بشكل خاص.

كما يتطرق الى مسألة لطالما بقيت من المحظورات آلا وهي مسألة النسوة والفتيات اللواتي زوجن طوعاً وقسراً الى أتراك، أو اللواتي اغتصبن ثم تحولن الى الدعارة، بحيث بقي الجدل قائماً حول إمكانية إعادة قبولهن في الوجدان الأرمني.

ونكتشف في الكتاب أيضاً وصفاً للحياة بعد الحياة، أو بالأحرى للحياة بعد الموت، لهؤلاء اللاجئين الذين كدسوا في مخيمات بنيت كيفما اتفق في بيروت وحلب ودمشق، بينما توزع الفتيان على المياتم في لبنان وسوريا وفلسطين.

كما يبين الكتاب كيف عادت الحياة الى هذه المجموعات النازحة بمساعدة جمعيات الإعانة والإغاثة الأرمنية بشكل خاص، وكيف أعيد بناء المؤسسات الأرمنية – الكنيسة والأحزاب والجمعيات -، وكيف إستعيدت التقاليد المدرسية، كل ذلك بهدف إعادة إحياء الهوية الأرمنية بإقصى سرعة ممكنة.

كما يبين لنا الكتاب كيف تمت عملية الانخراط الأرمنية على الصعد الإسكانية والاقتصادية والسياسية، منذ أواخر العشرينات من القرن العشرين، في الأحياء الجديدة في المدن وفي بعض الارياف ومجتمعاتها برغم المعارضات والمصاعب الجمّة وعلى أكثر من صعيد.

ويتطرق الكتاب إلى هذه المسائل الجلية بإسلوب بسيط وواضح مرتكزاً على وثائق دامغة وبمقاربة علمية جدّية ورصينة بعيداً من الأهواء والتملق.

ولم يهمل الكتاب المساحات الانسانية. فافرد للصور الفوتوغرافية حيزاً كبيراً، مما أسبغ على العرض العلمي الجاف مسحة طراوة وبعداً بشرياً. لأن تاريخ اللاجئين إن هو إلا تاريخ ضحايا وظلم وتعذيب. وهذا ما نستشفه في نظرات الأطفال والنساء والرجال المتصاعدة من صفحات الكتاب والتي هي ربما ابلغ من الكلام واجدى.

لكل هذه الأسباب، ولأسباب أخرى ستظهر معكم كلما تعمقتم في القراءة، يطرح الكتاب نفسه كمرجع.

إننا إذن أمام كتاب تاريخ، كتاب تاريخ رائع. لكنه أيضا كتاب عن الذاكرة، أو بالأحرى وبشكل أدق، كتاب للذاكرة. إذ أنه، ومن خلال سرد الأحداث، يتيح للقارىء أن يفهم الذاكرة الأرمنية، ذاكرة الأمس واليوم، بشكل أفضل. وبالنظر الى البعدين: تاريخ للشهادة وذاكرة للفهم، بنظري، على كل لبناني أن يقرأه، خاصة إذا لم يكن من اصل أرمني.

ولحسن الحظ أضحى اليوم زمن المخيمات والمياتم بالنسبة للأرمن اللبنانيين من الماضي. لكن هل ولىََّ معه فعلاً سوء التفاهم؟ هذا لعمري ليس بأكيد. لقد سمعت لبنانيين، من سياسيين معروفين ومواطنيين عاديين، يسألون الأرمن عن أولوية إنتمائهم وما اذا كانوا لبنانيين أولاً أم أرمناً أو اذا كانوا لبنانيين أكثر منه أرمناً وبالعكس. ولا يقتصر ذلك على الأرمن فقط. اذ غالباً ما نرى اللبنانيين يسألون بعضهم البعض عن درجة لبنانيتهم.

إن الماضي موجود في الحاضر ومعرفة كيفية مواجهة الماضي سؤال يطرح نفسه بقوة وخاصة في لبنان. وهذا الكتاب يحمل أكثر من جواب على ذلك لكن على طريقته الخاصة.

فانه يبين لنا كم الأرمن هم ارمن. أو بعبارة أخرى يساعدنا على فهم كيفية وسببية وجود وتكوين وبقاء الثقافة الأرمنية في لبنان والمرتكزة أصلاً الى ماض خاص بالمقارنة مع باقي مكونات المجتمع، ماض مصنوع من الآلام وعليه يشكل العامود الفقري للهوية الأرمنية.

لكنه يبين أيضاً كيف يتلبنن الأرمن بسرعة ملحوظة ويتأقلمون مع السياق العام للمجتمع الكلي والثقافة الطاغية فيه.

وما يبينه الكتاب أيضا كيف أن الولاءين، أرمني – لبناني، لا يستطيعان الانفصال الواحد عن الآخر، حيث ان الواحد منهما ينبع من الآخر، وكلاهما يحملان الحقيقة كلها والتاريخ بشموليته: فاللاجئون الأرمن، ومنذ وصولهم الى لبنان، لا يعيشون في الماضي، وحيث أنهم مجبرين على التكيف من أجل البقاء، فأنهم يعيشون الحاضر. وفي هذا الحاضر اللبناني يحرصون أفراداً وجماعات، على الحفاظ علي هويتهم الأرمنية. ومن دون أن ينسوا ما حل بهم من الظلم والعنف، فانهم يوسعون آفاق تفكيرهم بغية الانخراط في حقائق العالم الذي يعيشون فيه بحيث لا يبقوا أسرى الماضي وسجناء الحقد.

وهذا ما يسمح لهم ركوب ثقافة السلام المبنية أصلاً على الماضي لكنها موجهة نحو المستقبل. ويسهّل لنا الكتاب فرصة إكتشاف وفهم هذا الامر والوقوف على خصوصيات اللبنانيين الأرمن بناء عليه.

كما انه يسمح أن نتحقق، وبالبرهان القاطع، انه من الممكن الخروج من ثقافة العنف والأحقاد دون فقدان الهوية، وانه بالتالي يمكن مواجهة الماضي من أجل تخطيه وتحمل تبعاته دون التعتيم عليه.

ومن حيث الشكل والمضمون، فان هذا الكتاب عن الأرمن، وباللغة العربية، هو أثر قيم. وهو يدلل على عدم صوابية فرضية البديل: لبنانيون أو أرمن.

ويشهد على ذلك هذا المشروع الجماعي مع الأهداف التي رسمها والتعاون الوثيق الدي كان في أساس تحقيقه، منذ الفكرة الأولى الى مرحلة الترجمة. انها النظرية المتناسقة التي لم تأت على حساب أي من الهويتين بل كانت نتيجة تفاعل حقيقي بينهما بحيث أتت جودة الترجمة لتعززها وتثني على الفردية. إنها نتاج شخصٍ لبناني-أرمني، أو قل أرمني– لبناني، يتقن اللغة العربية بكل تشعباتها الثقافية وبنفس السهولة التي يتقن فيها اللغة الأرمنية بكل ما تحمله من تشعبات وتفاصيل.

هذا بالاختصار بعض الملاحظات والأسئلة التي قادتني اليها هذه الترجمة. ولم يبق لي سوى أن أهنيء مرة أخرى القائمين على هذا المشروع وأن أشكرهم على عملية اشراكي به مع تمنياتي لكم جميعا بقراءة موفقة.

الدكتورة كارلا إدة

رئيسة قسم التاريخ في جامعة القديس يوسف


كلمة رئيسة الهيئة الوطنية الأرمنية في الشرق الأوسط السيدة فيرا يعقوبيان

تواكب الهيئة الوطنية الارمنية في الشرق الاوسط التطورات الاقليمية والعالمية وتأثيرها على مسار القضية الارمنية، وتحاول

Vera Yacoubian

Vera Yacoubian

من خلال انشطتها المتعددة القاء الضوء على الحضور الارمني في الشرق الاوسط وتفاعله الايجابي مع محيطه العربي والاسلامي، وشرح واقع القضية الارمنية بكل ابعادها التاريخية والقانونية والسياسية للرأي العام العربي.

وترجمة كتاب ” الارمن البحث عن ملجأ 1917 – 1939 ” الى اللغة العربية تأتي في اطار سعينا الدائم لتقديم مادة بحث تاريخي وعلمي الى القارىء العربي. وأهمية هذا الكتاب تكمن في انه يسلط الضوء على حقيقتين تاريخيتين: الاولى، انها توثق للذاكرة الجماعية الارمنية التي مازالت حية رغم مرور 95 عاما على جريمة الابادة، والثانية، انها تؤرخ لاحداث جرت في منطقة جغرافية لاتزال تعيش ازمات وخضات سياسية واقتصادية واجتماعية بسبب الارث الذي خلفته السلطنة العثمانية.

ايها الحضور الكريم،

لقد برهن الارمن في مرحلة ما بعد الابادة عن شجاعة ومسؤولية في لملمة بقايا شعبهم واعادة بناء امتهم. ففي فترة زمنية قصيرة انتقل الناجون من المجازر من حال يرثى لها، الى حضور سياسي واقتصادي واجتماعي فاعل في الدول التي تواجدوا فيها، انتقلوا من السكن في المخيمات الى المدن، فلم يعودوا عبئا ماديا او معنويا على الدول والحكومات التي احتضنتهم، بل اندمجوا في نسيج هذه الدول وساهموا في نهضتها الاقتصادية والعمرانية واغنوا ثقافتها وتراثها، وتجذروا بعمق في البلدان التي غدت اوطانهم الجديدة دون ان يفقدوا هويتهم وخصوصيتهم الثقافية الاصلية.

من هنا، لم يطالب الارمن البرلمانات والحكومات العربية بالاعتراف بالحقيقة التاريخية للابادة الجماعية، لأن هذه الدول وفي مقدمها لبنان وسوريا كانت شاهد اثبات على حصول جريمة الابادة، عندما استقبلت جموع الناجين واحتضنتهم رغم الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي كانت هذه الدول تعيشها في تلك الحقبة. الا ان لبنان شكل حالة فريدة من نوعها، عندما اعترف مجلس النواب اللبناني عام 2000 بالابادة الجماعية للارمن وطالب تركيا بالاعتراف بها، موقف شجاع، لكنه يضع لبنان امام مسؤوليات اضافية لحماية هذا الاعتراف من كل المحاولات التركية الدعائية والاعلامية وما اكثرها اليوم، لتشويه حقيقة الابادة، خصوصا وان منطقتنا تشهد هجمة تركية غير مسبوقة، تحت شعار الاستثمارات الاقتصادية والتبادل الفكري والثقافي.

السادة الكرام،

تشهد القضية الارمنية تطورات تاريخية متسارعة الخطى، وتضرب في عمق الدولة التركية الحديثة والفكر الطوراني القومي. فمن العلاقات الارمنية- التركية وتوقيع البروتوكول بين ارمينيا وتركيا ومن ثم تجميده، الى اعتراف برلمانات الدول الغربية بالابادة ، وآخرها السويد، وصولا الى مواقف بعض المثقفين والمفكرين الاتراك داخل تركيا المطالبة بالاعتراف بالابادة الارمنية، كل هذا يضع تركيا في مواجهة حتمية مع ماضيها الدموي ومسؤوليتها السياسية والقانونية ازاء الابادة. لكن مسؤوليتها هذه تتعدى البعد القانوني ، وتذهب الى قلب تشكل الدولة التركية الحديثة التي قامت على انقاض الابادة الارمنية، فتركيا تعي تماما ان اية خطوة باتجاه الاعتراف بهذه الحقيقة التاريخية سوف يهز من شرعيتها الهشة ويعرضها الى التفكك والانهيار.

ان اعتراف تركيا بارتكاب جريمة الابادة والاعتذار والتعويض على الشعب الارمني باعادة ممتلكاته وثرواته امر لابد منه آجلا ام عاجلا، فهو سوف يمنح تركيا فرصة جديدة لتصحيح مسارها التاريخي والتخلص من هذا العبء الثقيل ، كما وانه سوف يعيد الاعتبار الى ذكرى المليون ونصف مليون شهيد ارمني.

وفي ختام كلمتي اسمحوا لي ان اشكر كل من ساهم في انجاح هذا العمل ، واخص بالشكر جامعة القديس يوسف بشخص رئيسها البروفسور رينه شاموسي ، البروفسور سليم عبو الذي تكرم ومنحنا حقوق ترجمة الكتاب الى العربية، السيدة مي سينيوري مديرة المكتبة الشرقية، سعادة النائب ارتيور نظاريان والسيد سركيس جاباقجوريان الذين ساهما في طبع الكتاب الى اللغة العربية واتمام صدوره على هذه الصورة، السادة ريمون كيفوركيان، ليفون نورديكيان وفاهة طاشجيان رواد هذا البحث التاريخي الذين قدموا لنا كافة التسهيلات لطبع الكتاب، الاستاذ جوزف كالوستيان الذي اظهر تفانيا حقيقيا في ترجمة الكتاب، ومطبعة هامسكايين. وكلمة شكر كبيرة لمعالي وزير العدل الدكتور ابراهيم نجار الذي لب دعوتنا الى هذا الحفل والدكتورة كارلا ادة التي نتشرف بحضورها اليوم بيننا. نشكر ايضا ممثل فخامة رئيس الجمهورية امين الجميل وممثل دولة الرئيس العماد ميشال عون لحضورهم هذا الحفل.

رئيسة الهيئة الوطنية الأرمنية في الشرق الأوسط

السيدة فيرا يعقوبيان

Share This