إفعلوا بالأرمن ماتشاؤون!

بقلم علاء مهدي

تعتبر المجازر التي ارتكبها العثمانيون ضد الأرمن في الفترة مابين 1894 – 1915 والتي راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف مليون إنسان أرمني برئ عدا تشريد الآلاف من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال من أبشع الجرائم التي أقترفت في تاريخ البشرية باسم الدين.

بدأت عمليات التهجير والقتل عندما أطلق السلطان عبد الحميد شعاره المشهور: أفعلوا بالأرمن ماتشاؤون! وبذلك يكون قد منح قوات جيشه وخاصة (القوات الحميدية) تفويضاً إلاهياً بالقضاء على الأرمن وتصفيتهم دون توجيه تهمة، أو إجراء محاكمة، أو السماح لأي منهم بالدفاع عن نفسه.

تقول زوجتي الأرمنية بأن جدها لأمها كان قساً تم حرقه امام زوجته وأبنتيهما بعدها تم قتل إحدى الفتاتين. وتسترسل في الحديث: أما الفتاة الأخرى (أم زوجتي) وأمها (جدة زوجتي) فقد مثلتا بأنهما ميتتان طوال ساعات طويلة كانت حوافر خيول جندرمة العثمانيين تتنقل بين الجثث بحثاً عن أحيان لكي يطلقوا عليهم رصاصات الرحمة! . ونقلاً عن “كتاب المصادر العربية حول جريمة إبادة الأرمن” فإن فرقة – القوات الحميدية – التي شكلها السلطان عبد الحميد لهذا الغرض وبشهادة وزير خارجية ألمانيا في تلك الفترة آرنست جاغ فان .. هذه الفرقة قامت بقتل ربع مليون أرمني ، ودمرت ألفي قرية، وحطمت 659 كنيسة وديراً، وحولت 330 كنيسة إلى مساجد. وبشهادة مراسل أمريكي من مدينة الرها يقول: خلال ستة أسابيع شاهدنا أبشع الفظائع تقترف بحق الآلاف من الأرمن الذين جاؤوا من المدن الشمالية ليعبروا من مدينتنا حيث قتل جميل رجالهم وتم الإعتداء على النسوة والفتيات. ويسترسل واصفاً – القوات الحميدية – بأنها كانت تتألف من أسوأ العناصر حيث سمحت لسكان القرى بإختطاف النسوة والإعتداء عليهن.

في العام 1909 قام العثمانيون بمذبحة جديدة في مدينة أدنة حيث تم تصفية 30 الف أرمني برئ خلال أسبوع واحد. وقد شهدت الفترة من 1915 والسنوات التي تلتها جرائم أتصفت بالفظاعة مقارنة بكل المذابح التي حدثت منذ 1894. ففي أنقرة قامت السلطات العثمانية بالقاء القبض على رجال الأرمن الذين تتراوح أعمارهم مابين 15 – 70 سنة حيث تم ربط كل أربعة رجال ببعضهم البعض وساروا بهم لمدة ست ساعات وعند وصولهم إلى وادي منعزل حيث هاجمتهم مجموعات غوغائية من الفلاحين الأتراك الذين استخدموا في هجومهم الوحشي الهراوات والفؤوس والمناجل والمجاريف والمناشير بدلاً من الأسلحة التقليدية والمسدسات.

ونقلاً عن الفقيدة والدة زوجتي، فإنها كانت قد أكدت بأنها ووالدتها والمئات من المهاجرين الأرمن الهاربين من مجازر ومذابح الأتراك أتجهوا جنوبا مشياً على الأقدام حيث كانوا يتعرضون خلال سفرهم للكثير من الإعتداءات من سكان القرى التركية التي يمرون بها.

أما المذابح التي قام بها الأتراك في مدينة موش فقد فاقت في فظاعتها كل التصورات حيث أستأجرت الحكومة قصابين مقابل ليرة عثمانية واحدة لكل قصاب في اليوم الواحد. وفي شهادة لطبيب تركي يدعى عزيز بك ذكر إنه شاهد أربعة قصابين بيد كل واحد منه مدية طويلة، كان أفراد الدرك يرسلون لهم الأرمن بصورة انفرادية، فيأمر أي قصاب منهم كل أرمني ان يمد رقبته ليذبحه ذبح الغنم!.

لقد كتب على الأرمن الذي فلتوا من تلك العمليات الإجرامية أن يرحلوا ويهجروا من ديارهم ومناطق سكناهم إلى خارج الحدود التركية حيث وصلت قوافل منهم إلى إيران والعراق وسوريا. ولكن تلك الرحلات لم تكن خالية من المخاطر حيث كانوا يتعرضون في مناطق عديدة لهجمات من قطاع الطرق وغزوات القبائل والبدو والغجر. كما أن اعدادا كبيرة منهم ماتت بسبب من الجوع والعطش والإرهاق.

وتذكر المصادر أن أكثر من مليون أرمني قضى في تلك المجاوز خلال الفترة المشار لها منهم أكثر من مائة الف في صحارى دير الزور السورية. ويكاد أن يكون هذا مشابهاً لماحدث للكرد الفيلية وبعض الشيعة في زمن النظام الديكتاتوري البائد، حيث قام النظام بتصفية الآلاف من شبابهم ورجالهم بتهمة التبعية الإيرانية وتسفير الآلاف إلى إيران، وتشير الأحداث والوثائق إلى أن كثيرا منهم قد تعرضوا لهجمات من غوغائيين وسراق وهم في طريقهم مشياً على ألأقدام بين الجبال والوديان وعبر الحدود في وقت كانت فيه الحرب العراقية – الإيرانية على أشدها. ومما يذكر أن الكثير من الذين تم تسفيرهم إلى إيران لم يكونوا من التبعية الإيرانية إنما كانوا من التبعية العثمانية – وهي غير عربية إيضا – لكنهم صنفوا بـ – غير المرغوب بهم – في العراق لأسباب سياسية أو عدائية أو شخصية أو غير ذلك من الأسباب غير الإنسانية.

ماحدث للأرمن ومن بعدهم للعراقيين من الأكراد الفيلية والعراقيين من التبعية الإيرانية يحدث اليوم على أيدي الإرهابيين من مجرمي القاعدة وداعش وبعض الحكومات العربية المستبدة. وكلنا شاهد عبر الأخبار المصورة كيف تتم تصفية المعارضين السوريين أو الجنود السوريين أو الأبرياء من المواطنين على أيدي الإرهابيين بعيداً عن كل المبادئ الإنسانية التي أقرتها كل الأديان السماوية. وقد تجاوزت قباحة وفظاعة هذه الممارسات حدود التصور أو التوقع حين قام أحد المجرمين بفتح صدر جندي واستخراج قلبه أو كبده ومن ثم تناوله امام عدسات التصوير! السؤال الذي لم أجد جوابا عليه هو: ترى ماهو الدافع لكل هذه الجرائم اللاإنسانية؟

الحوار المتمدن        

 

Share This