كتاب مفتوح إلى السفير السويسري حول قضية بيرنجيك

كارو قيومجيان

الكويت

سعادة سفير سويسرا الموقر

تحية طيبة وبعد،

نشكر بلادكم لإصدارها الحكم القضائي الذي يعاقب كل من ينكر حدوث المجزرة الأرمنية بداية القرن العشرين علي يد الدولة العثمانية والتي راح ضحيتها 1٫5 مليون انسان بريء معظمهم من الاطفال والنساء والعجائز العزل. وانتم بذلك كنتم ثاني دولة في العالم بعد فرنسا تتبنى هذا القرار العادل رغبةً منكم في قطع دابر الاحداث المشابه والمحتمل حدوثها في المستقبل، وكذلك تكريماً للشهداء الأرمن أنفسهم وعزاء لذويهم الذين هم على قيد الحياة كدولة وشعب . لقد قمتم بتطبيق نص الحكم فعلاً على من تجرأ وأنكر حدوث المجزرة علناً فوق الأراضي السويسرية، وذلك على المسؤول التركي السيد /بيرنجيك وحكمتم عليه سنة 2007 بما جاء في القانون المذكور بكل حزم. ولكن يا سيدي السفير كما علمتم لجأ (السيد بيرنجيك) مدعوماً من جهات تركية رسمية إلى استئناف الحكم لدي محكمة المنظمة الأوربية لحقوق الإنسان في بروكسل واستطاع إبطال الحكم الصادر ضده من محكمتكم بذريعة حرية التعبير.

لا حياة مع اليأس (هكذا يقول المثل). نحن لن نيأس سعادة السفير، لا أظن انكم تيأسون أيضاً، أنتم المعروف عنكم قوة الشكيمة والإصرار والتحدي، سنحاول أن نكون لكم خير عون إذا طلبتم منا ذلك لإعادة القضية الى المحكمة الأوروبية واستئناف الحكم والعمل بكل جهد وحرفية لإسقاط الحكم الجائر.

شعوب العالم الحرة تنظر اليكم كدولة تقف على مفترق طريق ما بين تجاوز المبادئ التي تبنيتموها كحالة مبدئية من صميم قناعات الشعب السويسري وبين المضي قدماً بها بكل تصميم وإصرار الى ان يعاد الحق الى أصحابه.

انظر سعادة السفير ماذا سيحدث للأرمن كأفراد وكقضية اذا اهمل الموضوع، ولم تتقدموا بالاستئناف، أو اذا استأنفتم شاكرين، وتم تثبيت الحكم الاولي في بروكسل لا قدر الله (وهذا موجه أيضاً الى محكمة حقوق الانسان الأوروبية في بروكسل) وبعد صدور القرار سيتعرض هؤلاء لاضطهاد أكثر مما يتعرضون له الآن، خصوصاً في تركيا، وإنهم بذلك سيحرمون أكثر من حقوقهم القومية والمجتمعية والشخصية وعلى رأسها الحق الذي انتم حريصون عليه، أي حق حرية التعبير مدعوماً بالحكم أيضاً. وكذلك سيصبح التعدي على الارمن والقضية نفسها مباحا لكل من هب ودب. هذه القضية التي قدسها من ولد وتربى وشاخ عليها طوال التسعة وتسعين سنة الماضية وتعهد بكل جوارحه الحفاظ عليها لغاية استرداد الحق الذي في هذه الحالة قد يصبح في مهب الريح، وتضيع مجهودات وأمال وحقوق مادية ومعنوية هائلة بسبب هذا الحكم الذي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عاجلاً أم آجلاً سيكون له تأثير كبير مدمر وسيعرقل سير قضيتنا بسبب العقبات التي ستصيرها الدولة التركية القوية في المنابر الدولية باستمرار، والذي كان هذا الاستئناف آخرها .
أما في شأن الانتكاسة التي سيتعرض لها المجتمع العالمي من حيث انتصار الباطل على الحق، فإن ذلك يشجع الطغاة من الدول والأنظمة على القيام بمثلها مستقبلاً لعدم الخشية من عواقبها . إننا نستشهد هنا بالرسالة التي ارسلتها مؤسسة حقوق الانسان التركية اخيراً الى وزارة العدل السويسرية في هذا الخصوص، وهذه مختارات مختصرة منها:
“بصفتنا مؤسسة حقوق الانسان التركية نحن في هذا الكتاب نعبر عن احباطنا في ما يخص حكم محكمة حقوق الانسان الاوروبية في تاريخ 17 ديسمبر 2013 حيث يعلن بطلان الحكم الصادر ضد توغو بيرنجيك في شأن رفضه قبول القرار الخاص بمعاقبة من ينكر حدوث المجزرة الارمنية، ونحن بدون أي تحفظ وبإصرار تام نتقدم بتأييدنا لحق المحاكم السويسرية في استخدام حقها في معارضة الحكم واستئنافه أمام محكمة حقوق الانسان الأوروبية”.

سعادة السفير، نرجو منكم الأخذ بعين الاعتبار مستقبل شعب يعيش نصفه مشرداً حول العالم وهو يحيى بأمل استرداد كرامته وعزته التي فقدها قبل قرن من الزمن الى جانب الضحايا والممتلكات والحضارة الباهرة، وللعلم سعادة السفير فإننا نخشى أيضاً أن غالبية الذين يعلمون بحكم محكمة بروكسل سيرونه كأنه هزيمة لعدالة القضية الارمنية نفسها وليس ببساطة كمنح الحق لأي شخص أن يتكلم بما يشاء صدقاً كان أو باطلاً.

وفي الختام تقبلوا فائق تقديري واحترامي، وكلي أمل في أنكم ستوصلون رسالتي هذه إلى المعنيين في دولتكم الفخيمة المعروف عنها حبها للعدالة الإنسانية ومناصرة حقوق الشعوب والمضطهدين.

نقلاً عن صحيفة النهار اللبنانية

Share This