“بوغوص” المصري الأرمني رجل “محمد علي باشا” المناسب

كتب أحمد عادل في “الرأي” المصرية عن الاحتفالية التي أقيمت بمكتبة الاسكندرية للاحتفال بذكرى “بوغوص بك” أول وزير خارجية لمصر بمناسبة مرور 170 عاماً على وفاته والتي نظمتها المكتبة بالتعاون مع السفارة الارمنية بالقاهرة وبحضور الجالية الارمنية بالقاهرة والاسكندرية وأساتذة وطلاب أقسام التاريخ بجامعات القاهرة و دمنهور والاسكندرية وعددا كبيرا من الصحفيين ورجال الاعلام.

وتحدث الدكتور محمد رفعت الامام استاذ التاريخ بأداب دمنهور عن بوغوص بك أول وزير خارجية لمصر والذي استدعاه محمد على باشا من أزمير لمعاونته فى ادارة شؤون البلاد وخاصة مشروعه لتحديث مصر قائلا:  “بوغوص بك يوسفيان عاش بين عامي 1769- 1844 يعتبر مستشار محمد علي وفيلسوفه وهو أرمني من أزمير وكبير مترجمي محمد علي باشا 1810-1826 وناظر (وزير) التجارة والأمور الإفرنجية 1826-1844 وأول مسيحي يحصل على لقب بك فى مصر.

وقد توثقت العلاقات بشدة بين محمد على باشا وبوغوص بك حتى أصبح الأخير المرآة الشخصية للباشا والمخلص الوحيد له بين حاشيته. وقد أدرك الوالي المصري قدرات بوغوص التجارية والإدارية والدبلوماسية غير العادية فأراد الاستفادة منه، ومن ولائه، قدر الإمكان.

وفى نفس الوقت، أدرك بوغوص حاجات محمد علي وسياسته، فقرر أن يقوم بدور مُفرخ المواهب من بني جنسه لخدمة مشروعات محمد علي. وبذا، يُمهد الطريق أمام الأرمن للقيام بدور سياسي اجتماعي فى مصر زيادةً على دورهم العام كتجار وأصحاب امتيازات ونظراً لأن بوغوص كان وحيداً بلا زوجة أو ولد، ومن ثم، ليس بحاجة إلى اقتناء المال وتكديسه، فقد انصرف عن متابعة مصالحه الذاتية وصب رعايته الأبوية على مجموعة من أقاربه ليحميهم ويُوجههم.

وأخيراً يؤكد جميع ماكتبوا عن فترة حكم محمد علي أن بوغوص كان أهم موظف فى الإدارة المصرية وأنه الشخص الوحيد الذى شغل مكانة قوية عند محمد على لأنه لم يخن الثقة التى وضعها فيه. وأنه خدم مصر بكل جهده وله أياد بيضاء فى نهضتها وثروتها. وكان آلة ذكاء على غاية الاستعداد فى يدى محمد علي.

ويرى الدكتور علي ثابت صبري استاذ مساعد التاريخ بقسم التاريخ بكلية اداب دمنهور “بوغوص” من زاوية مذكرات “نوبار باشا” أول رئيس وزراء فى مصر وابن شقيقة “بوغوص” حيث يقول نوبار فى مذكراتة حول خاله “بوغوص”: لايذهب إلى الوالي قبل أن يُصلى صلاة قصيرة وكأنه يدخل إلى قفص الأسد، وذلك بسبب تأثير الأحداث التى مر بها بل إنه كاد أن يُصبح ضحية غضب الوالي فى يوم من الأيام فقد كان بوغوص رئيساً لخزانة جمارك دمياط، وعلى أثر مناقشة بينه وبين محمد علي استشاط الأخير غضباً.

وصاح قائلاً : “فليُسق من قدميه”. وكانت هذه عبارة تُعنى اعتقال شخص لإعدامه، فتقدم أحد القواسة بسرعة لتنفيذ الأوامر، وسيق بوغوص إلى خارج الغرفة ولكن القواس كان مديناً بمعروف لبوغوص فتظاهر بتنفيذ حكم الإعدام وبعد فترة قصيرة مر محمد علي بضائقة مالية فى رشيد واحتاج بشدة إلى النصيحة، فلم يستطع أن يمنع نفسه من الصياح قائلاً “لو كان بوغوص هنا لأنقذني من هذه المحنة” وكان القواس الذى أمر بقتله حاضراً فارتمى تحت قدميه طالباً الرحمة فسأله لما الرحمة؟ فأقر أنه لم يُنفذ الأوامر فصاح محمد علي “بوغوص حي؟ اذهب وأحضره حالاً وإلا دفعت رأسك ثمناً على رأسه”، فتم استدعاء بوغوص ومن وقتها لم يحدث شيء يُعكر صفو العلاقات بين بوغوص والباشا”.

ويصف نوبار أيام  بوغوص الاخيرة فى مذكراتة قائلا: وقد ارتبطت مكانة بوغوص فى مصر بشخصية محمد علي. لذا، عندما داهمت الباشا الشيخوخة ولم يعد قادراً على الإدارة، تعرض للمضايقات خاصةً من عباس الأول فاستاء بوغوص كثيراً من هذا السلوك وأضرب عن الطعام والشراب حتى مات من الهزال فى يناير 1844 بالإسكندرية عن عمر يُناهز الاثنين والسبعين عاماً.

وعندما علم محمد علي أن دفن بوغوص تم بدون مراسم عسكرية، هاج وأرسل خطاباً إلى حاكم الإسكندرية يُوبخه ويُهدده لتغاضيه عن إقامة جنازة عسكرية لبوغوص، وأمره باستخراج الجثة وإعادة دفنها بمراسم عسكرية كاملة بأقصى سرعة.

ويضيف نوبار واصفاً إعادة الدفن “لم يتم إعادة دفن الرفات  لكن أقيم قداس مهيب بالفعل حضره كل قوات الضباط واصطف عسكر حامية الإسكندرية فى حديقة الكنيسة بكامل أسحلتهم، وبينما كان اللواء وضباطه كلهم داخل الكنيسة.

فعلاً تحققت رغبات محمد علي في عمل جنازة مهيبة تليق بما قدمه بوغوص بك لمشروع محمد علي في النهوض بمصر لمصاف الخريطة العالمية، إذ تعامل الباشا من منطلق “وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب”.

Share This