الأرمن وعهدهم الذهبي فى مصر

عن الأرمن ودورهم فى التاريخ السياسى بمصر، نظمت مكتبة الإسكندرية وتحديدًا مركز دراسات الكتابات والخطوط بالتعاون مع بطريركية الأرمن الأرثوذكسى وسفارة أرمينيا بالقاهرة ندوة كبرى للاحتفال بمرور 170 عامًا على وفاة من كان بمثابة أول وزير خارجية لمصر فى عصر محمد على وصديقه الشخصى الذى كان أقرب الناس إليه وأمر بإعدامه، ثم ندم كثيرًا على ذلك وفرح عندما علم بأن الإعدام لم ينفذ فيه..

أسرار وخبايا كثيرة عن الأرض التجار والمترجمين والفنانين والمصورين والأطباء فى مصر.

بدأت الاحتفالية بكلمة د. أرمن مظلوميان المستشار الإعلامى والثقافي لسفارة أرمينيا بالقاهرة على أن الأرمن وهم على أعتاب مئوية الإبادة الأرمينية لن ينسوا وقوف مصر حكومة وشعبًا لإنقاذ الآلاف من الأرمن الناجين من الإبادة التى اقترفتها حكومة تركيا العثمانية ضد الشعب الأرمنى من ما يقارب القرن.

وقد قام د. محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ بجامعة الإسكندرية والمتخصص فى تاريخ الأرمن بعرض لحياة بوغوص بك بوسفيان أول وزير خارجية لمصر من خلال الكتابات التاريخية والذى عمل مستشارًا مترجما لمحمد على ووزيرا للتجارة وهو أول مسيحى يحصل على لقب بك فى مصر ولقب بفخر الملة العيسوية، والذى قام بدور حيوى فى تفريخ المواهب من الأرمن لصالح الدولة المصرية ولخدمة مشروع محمد على، فشكل جماعة من الأرمن الذين خدموا فى الإدارة المصرية مترجمين وسكرتارية وكبار موظفى الدولة خلال عصر محمد على وفى المقابل حصل بوغوص على رعاية خاصة من قبل محمد على فكان يرسل له أطباءه فى حال مرضه ويهتم به بشكل شخصى وكان لبوغوص عقلية دبلوماسية إذا احتفظ بعلاقات ودية مع جميع الدول الأوروبية والشرقية التى تعامل معها محمد على بسبب ذكائه وخبرته بالأمور التجارية والسياسية إذ عمل أبناء أسرة بوسفيان بالتجارة خاصة مع بريطانيا كما عمل بوسفيان مترجم أول بالقنصلية الإنجليزية.

وأضاف ليست مبالغة أن يعد بوغوص هو أهم موظف فى الإدارة المصرية إذ خدم الدولة المصرية بكل إخلاص وكانت له أياد بيضاء فى نهضتها وثروتها، ومن جهة أخرى استعان محمد على بشكل كبير بالأرمن فى إدارة شئون دولته نظرًا لموجة الهجرة والنزوح الأرمينى إلى مصر فى تلك الفترة وقد كان الأرمن أول من ساند محمد على فى تنفيذ مشروعاته التنموية فقد أسهموا فى مجال التجارة والزراعة وفى الحقيقة أن الأرمن تميزوا بكفاءة وخبرة لتنفيذ المشروعات الاقصادية، وعلى صعيد آخر تعد وظيفة الترجمان الخاص هى أهم وأخطر وظيفة مارسها الأرمن فى بلاط محمد على وخلفائه وبذلك احتكر الأرمن معظم أسرار الدولة وقد وصفهم الجبرتى بأنهم أخصّاء الدولة وجلساء الحضرة وندماء الصحبة ناهيك عن كونهم أصحاب الرأى والمشورة.

الأرمن والخارجية

فى عام 1837م أعاد محمد على تنظيم الإدارة المصرية واندمجت الأمور التجارية والخارجية فى «ديوان التجارة المصرية والأمور الأفرنجية» والذى تولاه عدد من الأرمن على رأسهم بوغوص بوسفيان وتشراكيان وإسطفان دميرجيان وغيرهم وقد شغل الأرمن مساحة 64.21% وتقلد خمسة من الأرمن من مجموع 23 شخصًا تعاقبوا على منصب وزير الخارجية بنسبة 21.73% وجدير بالذكر أن الأرمن أسهموا فى وضع أسس السياسة الخارجية المصرية باستئثارهم بمنصب المسئول الأول عن جهاز التجارة والخارجية خلال القرن التاسع عشر.

وقدم علي ثابت الباحث فى مجال الأرمن ورقة بحثية بعنوان «بوغوص بك بوسفيان فى مذكرات نوبار باشا» والذى تحدث فيه نوبار باشا عن نشأته فى بيت خاله بوغوص بك فى الإسكندرية منذ أن جاء إلى الإسكندرية وأقام فى بيت خاله إذ يروى الأحداث التى مر بها ومنها علاقته الوطيدة بمحمد على وبوالى الإسكندرية ومن بين ما يروى أن محمد على غضب على بوغوص وقام بإعدامه إلا أن القواس وكانت له علاقة طيبة ببوغوص تركه وتظاهر بتنفيذ حكم الإعدام وبعد فترة تعرض محمد على لضائقة وصاح قائلاً لو كان بوغوص هنا لأنقذنى وهنا اعترف القواس بأنه تظاهر بإعدام بوغوص فقال له اذهب واحضره حالًا إلا دفنت رأسك مع رأسه فتم استدعاء بوغوص ومن وقتها وقد ازدادت العلاقات بين محمد على وبوغوص.

وأضاف كان بوغوص صديقًا مقربا لمحمد على فكان لا يذهب إلى أى مكان إلا بصحبة بوغوص لذلك اعتقد الكثيرون أن بوغوص جنى من ذلك مبالغ طائلة إلا أن الحقيقة عكس ذلك نظرًا لأنه لم يكن له أسرة إلا أنه حظى بتقدير عميق من محمد على الذى ثار عندما علم بأن بوغوص توفى دون أن تقام له جنازة عسكرية وأصر على إقامة جنازة عسكرية تقديرًا لجهوده بل وأصدر أمرًا إلى ابنه إبراهيم باشا بالإفراج عن جميع السجناء بالإسكندرية.

نسرين مصطفى

مجلة أكتوبر المصرية

Share This