شهامة السوريين في احتضات الأرمن في شهادة عثمان الترك

د. نورا أريسيان

في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي تناول عدد من المؤرخين العرب موضوع وجود الأرمن في البلاد العربية ضمن مواضيع بحثهم، وكان الباحث والمؤرخ السوري عثمان الترك (وهو صاحب كتاب “صفحات من تاريخ الأمة الأرمنية”، صدر في حلب عام 1960) من أوائل الذين كتبوا في هذا الصدد، حيث أصدر كتاباً عنوانه “صفحات من تاريخ الأمة الأرمنية”، أكد فيه أنه لا بد من كلمة حق تساق في معرض الشهادة عن سلوك الأرمني في الوطن العربي.

وأوضح أنه منذ أن وطئت أقدام الأرمن أرض هذه البلاد، لم يكونوا عالة على غيرهم ولم يستجدوا الأكف، بل انصرفوا إلى البحث عن قوتهم بكدّهم وعرق جبينهم، ورغم ما قاسوه من حرمان وشظف عيش فقد ظلوا في صراع مع الزمن إلى أن تبوؤوا مكانة محترمة في المجتمع، وساهموا مساهمة فعّالة في تطوير صناعة البلاد ورفع مستواها الاقتصادي، كما هو شأنهم في جميع البلدان التي هاجروا إليها. فكانوا مثال المواطنين الشرفاء الذين يرعون حرمة هذا الوطن.

وقال :”أي أرمني تلقاه في قارعة الطريق، بوسعك أن توجّه له هذا السؤال: ما هو شعورك نحو أخوانك العرب؟ فسيجيبك على الفور أنه شعور يفيض بالولاء والوفاء والعرفان بالجميل”.

ومن هذا المنطلق يرى الترك أن المروءة تقضي بأن نسجل للعرب عامة، وللسوريين خاصة ما أظهروه من شهامة وعطف أيام محنتنا لن ينساها لهم الأرمن مدى الحياة، فقد آووا في بيوتهم الكثير من اليتامى والمشردين الأرمن إلى أن انقشعت الغمة، وقد أقدم العرب على هذا العمل الإنساني بدافع من وجدانهم وضمائرهم رغم فداحة المسؤولية التي عرّضوا أنفسهم لها فيها لو شعرت بهم السلطات التركية، لكن أصالة العنصر العربي جعل أخواننا العرب يضربون عرض الحائط بكل الاعتبارات فمدوا أيديهم، وفتحوا قلوبهم وبيوتهم لكل أرمني لاذ بهم، أو استجار بحماهم [1].



[1] نعيم اليافي، مجازر الأرمن وموقف الرأي العام العربي منها، اللاذقية، 1992، ص 76.

Share This