شهادة عبد السلام العجيلي في الإبادة الأرمنية

د. نورا أريسيان  

في إطار بحثي عن المصادر السورية حول الإبادة الأرمنية، قمت باستقصاء آراء خلال لقاءات أجريتها شخصياً مع عدد من الشخصيات الفكرية السورية البارزة التي لها خلفيات معينة عن القضية الأرمنية، إسهاماً في إنارة الرأي العام العربي في موضوع الإبادة الأرمنية.

وفي عام 2000 التقيت في الرقة السياسي والأديب والطبيب عبد السلام العجيلي (1916-2006م)، وبرصيده مؤلفات وروايات تناولت موضوع الأرمن، منها: “جيل الدربكة”، (لندن، 1990)، و”في كل واد عصا”، (اللاذقية، 1984)، و”أرض السياد”، (بيروت، 1998).

حيث وبتداعي ذكرياته عن مساعدة عائلة العجيلي للأرمن يذكرنا أن والده حداد العجيلي كان يشغل منصب مأمور السوقيات ورئيس البلدية في القرية حينها ولذلك سنحت له الفرصة لمساعدة الأرمن وإيوائهم في بيوته، وأكد أنه “هؤلاء الذين حكموا تركيا في آواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بصورة خاصة هم الذين جعلوا سياستهم سياسة حقد وانتقام فأنزلوا حقدهم على الكثيرين، والعرب كذلك تعرضوا بعد ذلك، أما الفظائع التي أنزلت بالأرمن تفوق كل ما أنزلوه بالباقي.. لا يمكن أن ننسى ما نزل بالأرمن. مآس حدثت منذ خمسة وثمانين سنة… “.

وأوضح العجيلي أن الأرمن عاشوا في الدولة العثمانية وبصورة خاصة في القرن التاسع عشر وفي ظل الحكم العثماني بمستوى جيد وشاركوا في جوانب كثيرة في الدولة كالاقتصاد والقانون والوظائف الكبيرة مما تعارض مع خطة الطورانية. ولم يكن الأرمن وحدهم فكل الشعوب تعرضت لنقمة الطورانيين الجدد الذين جاؤوا بالشوفينية العرقية والتي لا تتناسب مع نظرة المسلمين ومبادئ الإسـلام.

وبعد حديثه عما تعلمه من الراهب الأرمني في الرقة، تطرق عبد السلام العجيلي الى مسألة الاعتراف بالقضية الأرمني، فبرأيه أنه على أرمينيا كدولة رفع مسألة المطالبة بالقضية الأرمنية.

وحول الاعتراف بالإبادة الأرمنية قال: “لو أن الحكومة التركية عاقلة وإنسانية، لكانت اعترفت، لكن لا تزال فيها بقايا مصطفى كمال. والسوريون يشكون أيضاً من تركيا، لأنها أخذت أرضنا وماءنا، فما تزال بقايا تربية الدونما اليهود المتتركين، والحكام كلهم من بقاياهم، ولا تزال عندهم بقايا عقلية جمال وأنور وطلعت”.

وبرأيه أنه على أرمينيا كدولة رفع مسألة المطالبة بالقضية الأرمنية، أما عن أساليب التعذيب التي نفذت فقال “قبل كل شيء كانوا يأخذون كل ما يملكون، الرجال كانوا يرمون في الفرات، حتى أحياناً كان العسكر يرمون الأطفال الصغار في النهر. كانت قوافل السوقيات تأتي قافلة وراء قافلة من شمال الأناضول محاذية للفرات، كانت تأتي من جرابلس إلى منبج، مسكنة، الرقة، دير الزور والبوكمال، والمفروض أن تصل إلى أبعد من ذلك. لا يعرفون أين يذهبون، فكانوا يسوقونهم بقصد الإفناء. وقد كانوا يركبون البغال أو الحمير أو مشياً، كانوا يقفون بعد مسير يوم أو يومين في مكان ما. كانوا يقفون في الرقة بالجهة الثانية من الفرات حيث لا توجد الدكاكين ولا قرى، كي يعبر العسكر الفرات. لم تكن سوقية واحدة، كانت القوافل تأتي قافلة وراء قافلة.. المجازر الأرمنية واحدة من أبشع المآسي في التاريخ” [1].



[1] نورا أريسيان، غوائل الأرمن في الفكر السوري، موقف المفكرين السوريين من الإبادة الأرمنية، بيروت، 2002، ص 119.

Share This