إبادة الأرمن هي أكثر جرائم الإبادة إبادة

د. نورا أريسيان

يعدّ موسى برنس (1925-1998م) رجل القانون الدولي والحقوقي اللبناني من أهم رجال القانون الدولي في الوطن العربي الذين تعمقوا في قضية الإبادة الأرمنية.

وتأتي شهادة المفكر الحقوقي في بحثه “إبادة منسية: إبادة الجنس الأرمني Armenocide”، (صدرت الطبعة الأولى في بيروت عام 1967 والطبعة الثانية عام 1975 (بالفرنسية)، وصدرت النسخة الأرمنية في بيروت عام 1987، أما الترجمة العربية فصدرت في حلب عام 1996 ضمن منشورات جمعية كيليكيا الثقافية تحت عنوان “مجازر الأرمن جرائم ضد الإنسانية”)، ويعود الفضل إليه بإطلاق مصطلح  Armenocideعام 1960م وتأكيده أن إبادة الأرمن هي أكثر جرائم الإبادة إبادة.

وكتب برنس في هذا البحث: “إن الاستمرارية والإجرام (مع سبق الإصرار والتخطيط) في سياسة المجزرة هما عاملان يبينان الفرق بين الجريمة العادية والمجزرة، وكذلك بين جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ومجازر الأرمن هي أكثر المجازر سفكاً وظلماً واضطهاداً وأكثر تعبيراً عن الغدر السياسي –غدر الحلفاء- وأبشع صورة دموية بقيت دون عقاب. وهكذا توضع أمام الجزارين الأتراك وأمام العالم قضايا وجدانية فردية وجماعية، لن يتسامح التاريخ فيها ولن يتجاهل أو يتناسى مآسيها أبداً… الغريب في تاريخ المجازر أننا أمام جريمة إبادة شعب، كما هي الحال في المجازر الأرمنية، ومع هذا فإنها لم تنل العقاب كما نال المجرمون في محاكمات نورنبرغ… هدفنا من الحديث عن المجازر الأرمنية ضمن نطاق الجرائم ضد الإنسانية إنما هو إلقاء صنارة لالتقاء جملة من النقاط المترابطة تخدمان دراستنا، وهو في الوقت نفسه تقديم مخطط ليكون في المستقبل مادة أولية لتطويرها وإغنائها بالتفاصيل.. لأننا نهدف الاقتراب أكثر من جوانب المسألة المطروحة لنرى كيف تبدأ المجازر الإنسانية بالمذابح الجماعية، تلك التي تجسدت في المجازر الأرمنية، إذ إنها تمثل بحق “الجريمة المتميزة” على قائمة الجرائم، وهي فريدة وخطيرة جداً، لأنها تقتل الإنسان وتقضي على “هوية شعب بكامله”. إن مضاعفات المجازر الأرمنية وآثارها قد أوصلت، من قريب أو بعيد، إلى المجازر اللاحقة بعد ربع قرن من الزمان. لقد أوصلنا إلى تلك النتيجة أمران هما: اللامبالاة تجاه المجازر، وعدم معاقبة مجرميها. إن آثام الأتراك والألمان ذات مسؤولية مضاعفة حين تقارنها مع مسؤولية الشعوب الأخرى، لأن ما ارتكبوه من مجازر كان يهدف إلى إبادة شعوب، وكان في الوقت نفسه جريمة ضد الإنسانية جمعاء”.

ولاحقاً أوضح موسى برنس في استفتاء أجري في نيسان عام 1985م (نشرة الهيئة العليا لإحياء الذكرى الثمانين للمجازر الأرمنية، (الإبادة: 1915-1995)، بيروت، 1995) أن الفظائع التي دبّرتها الحكومة التركية ونفذتها انطلاقاً من عام 1894م وانتهاءً بعام 1922م، بلغت دورة العنف ذروتها عام 1915م وقد ارتكبها الأتراك من صاصون إلى أضنة على مدى ثلاثة عقود، وهي تشكل بكل تأكيد حالة إبادة نموذجية، ذهب ضحيتها ما يقارب مليوني أرمني، وعدّ برنس أن هذه الإبادة الجماعية هي جريمة بموجب القانون الدولي، ووفقاً لما سبق إثباته، ويترتب على ذلك نعت الإبادة بجريمة ضد الإنسانية، خاضعة للعقاب حسب التشريع الدولي[1].



[1] من كتاب د. نورا أريسيان، (100 عام من الإبادة الأرمن، 100 شهادة عربية) (قيد الطبع).

Share This