الذكرى الـ 99 لجريمة الإبادة الأرمنية

بقلم المهندس أبراهام دده يان، وزير الصناعة اللبناني سابقاً

                                                                                 

في الرابع والعشرين من نيسان 2014، تمر الذكرى التاسعة والتسعين على جريمة الإبادة الأرمنية على يد قادة الإتحاديين المجرمين. ورغم “المئوية” (ناقص واحد) على هذه الجريمة، لا يزال “ورثة” العثمانيين والإتحاديين ينكرون مجازر الإبادة ولا يعترفون بها ..

نقول نحن الأرمن، ان مليوناً ونصف المليون من شعبنا قتلوا في هذه الجريمة عام 1915. ومن هنا نتساءل: كم كان سيصبح عدد المليون ونصف المليون هذا بعد مائة عام على المجزرة ؟

بأعتقادنا ان المائة عام هي بمثابة أجيال خمسة على الاقل ، وإذا كان كل جيل منها سينجب مليوناً على أقل تقدير، أليس رقم الخمسة ملايين هو أصغر الارقام المحتملة التي يجب ان تؤخذ بالحسبان؟ ومع ذلك ليست “إبادة” بنظرهم، بل هي “حقل مختبر” فقط .. لا اكثر ولا أقل !!!

إنها مسألة حسابية بسيطة في “علم الأرقام”، لكنها مسألة كبيرة الخطورة ولا شك في “علم الإنسان” وفي علم التاريخ الإنساني …

فأيّ مجتمع دولي هو هذا، والذي يدّعي الديموقراطية والدفاع عن حقوق الانسان ، ينتظر مائة عام على جريمة من هذا النوع دون محاسبة المجرم والورثة الشرعيين له ؟ ولا يزالون ينكرون حتى اليوم حصول هذه الجريمة، رغم صدور مذكرات مهندس المجازر طلعت باشا نفسه ، كأول وثيقة إعتراف رسمي عثماني و تركي فيها … وحتى اليوم ، فهم لا يعترفون بكلمة “الإبادة” ، مع العلم ان الكثير من برلمانات العالم ومجالس شيوخها أصدرت قراراتها الإعترافية بذلك …

لقد راهن الإتحاديون وورثتهم على “ذاكرة الشعب الأرمني” وعملوا المستحيل لنسيان هذه القضية ، ومحوها من الوجود. كما راهنوا على الزمن والتاريخ في نسيانها، لكنهم فشلوا..ألَم يقل الرئيس جورج بوش الأب في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 : “يجب الا يكون التاريخ سيّد الانسان” ؟ وهذا دليل حيّ على ان الشعوب الحيّة لا مكان لها في قواميس الطغاة والدكتاتوريين إلا كأرقام فقط، لا قيمة إنسانية لها . وهنا تكمن الجريمة الكبرى، حيث يتحّول البشر في نظرهم الى “قطيع” لا يسمح له ان يأكل او يشرب او يتنفس إلا عندما يريدون له هم ذلك ..إنها ذاتها عقلية الإجرام الممنهج والاستبداد المنظّم، الذي لا يخلو منه عصر ولا زمان، ولكن ليس بهذه البشاعة الإتحادية ومجزرتها الإبادية بحق الشعب الارمني.

يبدو ان الاتراك يرفضون الاعتراف بالجريمة الإبادية الأرمنية حتى لا ينافسهم أحد على احتلال موقعهم الإجرامي في “موسوعة غينيس” للأرقام القياسية في هذا العصر عن تلك الفترة ، وفي الأنكار الدائم والمستمر منذ تلك الايام، رغم بعض “التسرّبات” غير الرسمية أحياناً من شخصيات تتعرض للملاحقة والإضطهاد بسببها (كما هو الحال مع الكاتب التركي الحائز جائزة نوبل للآداب أورهان باموك)..او بعض “التنسيمات الرسمية” احياناً اخرى التي لا تسمن ولا تغني عن جوع (مثلما هو حال أحمد داوود أوغلو ، وزير الخارجية التركية ، الذي قال اخيراً ان ” ترحيل الارمن في الحقبة العثمانية هو عمل غير إنساني”) ..

في ضوء ذلك، يبدو ان الأتحاديين العثمانيين والاتراك يتباهون (حتى اليوم) بأنهم سبقوا هتلر وموسوليني ومناحيم بيغن وأرييل شارون وغيرهم من مجرمي الصهيونيين في حيازة قصب السبق في الاجرام والإبادة، وأنهم اساتذة بإمتياز في مضمار الجريمة المنظمة والإبادة الممنهجة .. واذا كانت محكمة نورمبورغ استطاعت محاكمة النازية والفاشية وزعمائها إلا ان أية محكمة دولية لم تقم حتى الآن لمحاكمة المجرمين الصهيونيين ومعلميهم الاتحاديين والأتراك .. ولو حوكم الإتحاديون على جريمة الإبادة من قبل ، لما كان قد تجرّأ هتلر وموسوليني وبيغن و شارون ورفاقهم على ارتكاب الجرائم والمجازر بحق الجنس البشري كله… وهذه هي المهزلة بعينها..

لقد كان الأديب الكبير أديب إسحق على حق عندما قال:

          قتل امرئ في غابة    جريمة لا تغتفر

          وقتل شعب آمن        مسألة فيها نظر

من هنا نتساءل: هل كان يتوجّب على الشعب الارمني ان يكون من “أهل الغابة” و”شريعة الغاب” حتى تصبح الجريمة بحقه ” لا تغتفر ” ؟ .. وانه كان هو المجرم والمذنب ليحاكم بجريمة “الإبادة” لانه كان إبن قرى و مدن وصاحب حضارة عريقة في التاريخ، ليصبخ قتله “مسألة فيها نظر” ؟. إنها بالفعل مأساة الإنسانية كلها بمن يدعّي انهم حماتها والمدافعون عنها اينما كانوا و حيثما وجدوا ..

لكن الحق في النهاية ستكون له الكلمة الفصل في هذه القضية ، التي لم تمت، ولن تموت، طالما هناك شعب له “ذاكرة” وله “تاريخ” وله “حضارة” وله “أصالة” فضلاً عن “دم الوفاء” الذي يجري في عروقه منذ الأزل الى الابد ..

هذا هو شعبنا الأرمني الذي ننتمي اليه، ولنا شرف الإنتساب الى مجده التاريخي العريق وعراقته التاريخية والمستقبلية.

وليبقَ الناكرون على نكرانهم طالما هناك سياسة دولية تنكر “إنسانية” بعض شعوبهم، ولا تريد الاعتراف بأنهم بشر يستحقون الحياة الكريمة و كرامة الحياة..

وهم في هذه الايام يتباهون بأنهم استقبلوا 18 ارمنياً فرّوا من مدينة كسب الى تركيا، نتيجة مهاجمتها من قبل الإرهابيين والتكفريين، وهم يعلمون انهم بضيافة اقرباء لهم هناك .. وكأنهم يريدون إفهام العالم اليوم انهم إنسانيون بإمتياز في القرن الحادي والعشرين، وكأنهم يكفّرون عن إبادة المليون ونصف مليون أرمني (في القرن الماضي) بهؤلاء الثمانية عشر أرمنياً الذين لجأوا الى هناك إبان محنة كسب ..

ويبقى السؤال الكبير: إلى متى ؟ .. تلك هي المسألة ..

الواقع في 22/04/2014

Share This