بعد 99 عاما على مذابح الأرمن.. تركيا ما تزال تغض الطرف

يصادف اليوم الرابع والعشرون من إبريل الجاري الذكرى التاسعة والتسعين لمجازر الإبادة بحق الشعب الأرميني. ورغم أن ذكرى المذبحة باتت على بعد خطوة واحدة لتكمل عامها المائة، فإن قضية الأرمن لا تزال رهن التجاذبات السياسية والعلاقات المصلحية، التي تقف حجر عثرة أمام إنهاء الأزمة والاعتذار عن جرائم الإبادة التي ارتكبها الأتراك.

ووقعت المذبحة الأرمينية التى ارتكبتها تركيا “الدولة العثمانية” في 24 إبريل 1915، بعد أن أبرمت معاهدة سرية مع ألمانيا، تنص على تغيير الحدود الشرقية للإمبراطورية لضمان ممر آمن للوصول إلى القوميات المسلمة في روسيا، وهو الأمر الذي تطلب بالأساس ضرورة تسريع اقتلاع وجود أبناء الشعب الأرميني من المنطقة المعنية.

والأرجح أن العنف الذى ارتكبه الأتراك بحق الأرمن خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقته سلسلة طويلة من الممارسات القمعية، ففى عهد السلطان عبدالحميد الثاني قتل مئات الآلاف من “اليونانيين” والآشوريين لأسباب اقتصادية ودينية متعددة فيما عرف بالمجازر الحميدية.

وتعتبر محرقة الأرمن المعترف بها على نطاق واسع من جرائم الإبادة الجماعية الأولى فى التاريخ الحديث، وثاني أكبر قضية عن المذابح بعد الهولوكست، إذ تم قتل وتصفية الآلاف، إضافة إلى عمليات الترحيل والتهجير القسري لعدد آخر من السكان.

ويتفق معظم المؤرخين على أن عدد القتلى من الأرمن تجاوز المليون، غير أن الحكومة التركية وبعض المؤرخين الأتراك يشيرون إلى مقتل 300 ألف أرميني فقط، بينما تشير مصادر أرمينية إلى سقوط أكثر من مليون ونصف المليون أرميني، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الآشوريين والسريان وطوائف أخرى.

لذلك فإن شبح المذبحة الأرمينية لا يزال يقلق مضاجع تركيا التي ترفض الاعتراف بالمذبحة، وتنفي وقوع المجازر التي ارتكبها الأجداد، غير أن العديد من الناشطين في مجتمعات الشتات الأرميني ومن خلفهم المجتمع الدولي نجحوا في إعادة الزخم للأزمة الأرمينية، وبدا ذلك في اعتراف عشرين دولة رسميا بمذابح الأرمن بأنها إبادة جماعية  آخرها القاهرة في  سبتمبر 2013، إضافة إلى الأمم المتحدة، والبرلمان الأوروبي، ومجلس الكنائس العالمي، وغيرها من المنظمات الحقوقية الدولية.

والأرجح أن المذبحة، ناهيك عن عمليات التهجير الواسعة، خلخلت التركيبة السكانية للأرمن، فبسبب هذه المذابح هاجر الأرمن إلى العديد من دول العالم من ضمنهم سوريا، لبنان، العراق، ولا يزال الأرمن يحيون تلك الذكرى في 24 إبريل من كل عام.

ورغم أن تركيا وأرمينيا نجحتا في إقامة علاقات دبلوماسية فى العام 2009 وفتح الحدود المشتركة بين البلدين، لكن ذلك لم يسهم بدرجة كبيرة فى نسيان مرارات الماضي، ودأبت الدولتان منذ ذلك التاريخ على تبادل الاتهامات بخرق المفاوضات، مما ألقى بظلال كثيفة من الشك على احتمالات تسوية قضية المذابح.

صحيح أن حكومة العدالة والتنمية التي يقودها رجب أروغان ليست طرفا في الجريمة التي ارتكبها الأجداد، إلا أن رفضها الاعتراف بها رفع من درجة حرارة الأزمة، فإنكار الجريمة ربما يبدو أكثر قسوة من الجريمة، خصوصا أن حكومة أنقرة تعاقب اليوم الصحفيين والكتاب الذين يذكرونها بجرائم الإبادة، وتحيلهم إلى محاكم خاصة.

لذلك سيظل شبح المذابح الأرمينية يقض مضاجع الأتراك، بل ربما تعيق أنقرة عن حلم اللحاق بالقطار الأوروبي، خصوصا أن الاتحاد يرى أن حكومة أنقرة لا تزال تعاني تأخراً واضحا في سجل حقوق الإنسان، كشفته مناخات التراجع عن الاعتذار للأرمن، فضلا عن سلسلة القوانين الاستفزازية التي مررها أردوغان مؤخراً سواء بشأن الرقابة على الإنترنت أو منح الاستخبارات صلاحيات غير مسبوقة.

كرم سعيد

التحرير المصرية

Share This