لقاء مجلة “الكواليس” مع السيد يسايي هافاتيان في العدد الخاص عن الذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية


أهلنا نقلوا قراهم الست الساكنة في وجدانهم من جبل موسى إلى حوش موسى-عنجر

الوفاء صفة عظيمة لإنسان عصر يضج بالضوضاء والبغضاء والفوضى.. المهنية سمة مهمة لإنسان عصر يعشعش فيه الغش والخداع.. الصدق إسم شفاف لإنسان عصر ينام على وعد ويستيقظ على غدري..

هذا هو الإنسان الأرمني الذي لم يحمل صفاته وجداناً يقظاً وعرقاً طاهراً بل حمل الأماكن وسكنها بكل تفاصيلها.

هذه هي حوش موسى-عنجر، وقلة من المحيطين بها –غير أهلها- يعرفون قصة هذه البلدة، والتي كانت عبارة عن صحراء قاحلة يحكمها الموت الحاضر على جناح بعوضة تنقل الموت لكل من تلتقيه، لكن الأرمني المنسلخ من أرضه قسراً وقهراً وظلماً، حول الصحراء إلى واحة غناء، وسكن قراه التي هُجر منه، وتحولت عنجر التي سكنها أهالي “جبل موسى” في لواء الأسكندرون إلى ستة قرى، نفس العائلات والعادات وسحر الحب صانع المستحيل.
“كواليس” زارت عنجر كبلدة لبنانية يسكنها أرمن يستعدون لاحياء الذكرى الـ99 لمذابح تهجيرهم، فعادت بتاريخ مختلف وخلاصة مختصرة مفادها “إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر”.

وحتى لا نطيل أكثر ونعيد كلام هو الأجمل من صاحبه، نستمع إلى السيد يسايي هافاتيان يسرد لنا تاريخ عنجر المسكونة بالجهد والألم والوجع والحلم والجمال والروعة..

يقول السيد هافاتيان..

أصولنا من جبل موسى في لواء اسكندرون، على الساحل بجانب نهر العاصي، وكانت هناك ستة قرى أرمنية. من جهة البحر كانت “الكابوسية” ووراء الجبل خمس قرى هي “الوقف”، “خضربك”، “يوغون اولوك”، “حاجي حبيبلي”،”بتياس”، هم ستة ضيع قريبة من “كسب” على الحدود السورية، وبالتأكيد اللواء سوري وجميع سكان هذه القرى هم أرمن، جاؤوا بعد خسارة الدولة الأرمنية بمنطقة كليكيا عام 1375، فقد كان لدينا دولة مستقلة في أيام الصليبيين، هذه الدولة عمرها ثلاثمائة عام، من سنة 1085 ولغاية 1375م، ولكن بعد انهيارها، توزع الأرمن وذهب جزءً منهم إلى أنطاكيا، والبعض إلى جبال أمانوس،الذي يضم “جبل موسى”، أو جبل “الموسى” الذي يعني الروح التي يستلهم منها الأديب أو الكاتب إبداعاته، الأسم يوناني “موسميلريور”.

الأرمن سكنوا هذه الضيع التي تجاوز عمرها الألف عام، وكل ضيعة كانت تضم مدرسة وكنيسة. في هذه الضيع كانت ثلاث طوائف أرمنية، الشكل الذي نراه اليوم في عنجر، (ارمن كاثوليك وإنجيليين وارتوذكس)، و85% من سكان جبل موسى هم من الطائفة الأرثوذكسية، والكاثوليك يليهم الإنجيليين.

أول مقال كتب عن جبل موسى بعد عام 1850م، حيث زار المكان أحدهم وقال: “وجدت أناس من الأرمن يسكونون ضيع جبل موسى، حيث لا توجد طرقات ووسائل النقل كانت الأحصنة والبغال، والإتصالات صعبة، تعتمد على الرسائل، عبر مدينة انطاكيا التي تسمى بلغتنا “الكغك”، وكانوا يذهبون في الصباح الباكر إليها، لمسافة ست ساعات على الحصان، لبيع منتوجاتهم من الفحم الذي كانوا متخصصين به وزيت شجر الغار، الذي يتم استخراجه بعد غليه وهو ما يتم استخدامه اليوم بأدوات التجميل والشامبو، وهو باهظ الثمن، ثم يعودون بإحتياجاتهم الضرورية ومنها القمح، لأن أرضهم كانت غير صالحة لزراعة الحبوب، ومليئة بأشجار الفاكهة. بعد عام 1850 بدأو بتطوير مهاراتهم عبر تربية دودة القز وهي دودة الحرير وكانوا يتميزون بمهارة عالية، نشروها في العديد من المحافظات التركية. ورغم ذلك كانت القرى الأرمنية تعيش حياة مغلقة. فبعد عام 1890م، جاء أول حزب قومي أرمني إلى المنطقة وهو “حزب الهنشاك”، لكي يدعو الناس إلى الدفاع عن الحقوق والقومية الأرمنية، فتعاون معهم الكثير من أهل جبل موسى، لكن الدولة التركية شعرت بهذه الخلايا فقامت بمحاصرتهم، في كنيسة “حاجي حبيبلي” (1895)، لكنهم سلموا أنفسهم مما جعل الشعب الأرمني يأخذ موقفاً منهم، ولم يبق من يؤيدهم في جبل موسى، وفي عام 1908م ظهرت خلية جديدة وهي “حزب الطاشناق”، أسسها استاذ قومي، ذكي، عاد إلى قريته، ودعى الناس إلى رفع الظلم عنهم والمطالبة بحقوقهم، لأن الدولة العثمانية لم تكن عادلة، من منطلق إعتبار المواطن التركي مهما كان منصبه درجة أولى، والآخرون من أرمن أو أشوريين أو عرب هم مواطنون درجة ثانية، وأسس حزب الطاشناق في ذلك الوقت “أنانيا فيرافور” الذي تطور شيئاً فشيئاً، وأصبح هناك العديد من مؤيدي في جميع القرى الست.
أول مجزرة تعرض شعبنا لها كانت عام 1909م هي مجزرة “أضانا”، وتلاها العديد من المجازر التي نفذها حكام تركيا، وخسر الأرمن في جبل موسى 150 شهيداً، لم يموتوا بالحرب، بل أجهزوا عليهم أثناء ذهابهم للعمل في المدن والقرى التركية، فقرر زعماء ومخاتير القرى الستة حماية أنفسهم، لأنهم شعروا بأن هناك عاصفة قادمة على الأرمن . فقاموا بتسليح الشباب ووضعوا حراساً على الحدود مع انطاكيا. ويذكر المؤرخون حادثة عندما قام أحد موظفي الدولة التركية الذين كانوا يقومون بعمل استخباراتي بزيارة مختار احد قرى جبل موسى حيث استضافه تحت شجرة “صوصي” وهي شجرة كان يعبدها الأرمن قبل دخولهم وإيمانهم بالديانة المسيحية، فقام المختار بإقامة وليمة له، وأثناء الغذاء سأل موظف الدولة المختار: “إنني أرى السلاح بأيدي الشباب”، فأجابه المختار: “لدينا معلومات تفيد بأن عاصفة قادمة على الأرمن، ونحن لدينا الشباب والذخيرة، ولا يستطيع أحد اختراق جبل موسى”، وأثناء رجوع الموظف وجد مجموعة تركية بقيادة شيخ تتهيأ للهجوم على القرى، فقال لهم: “أرجعوا أنهم مدججين بالسلاح وسوف تموتون” صدقه البعض والبعض الآخر لم يصدقه، وعندما اقتربوا من حدود ” حاجي حبيبلي” حيث يوجد نهر أسمه “النهر الأسود” أي بالتركية “قارا تشاي” قاموا بإطلاق النار عليهم فهربوا وتركوا كل ما يحملونه من مؤن وذخيرة وحيوانات ، ولم يتكبد أهل جبل موسى أية خسائر، وكان زعماء الضيع قد طلبوا من الأهالي الذهاب إلى الجبل عند أي طاريء لإنه الأكثر أماناً.
بعد مجازر أضانا شعر أهل جبل موسى بأن الحكومة التركية ستستغل أي ظرف للهجوم عليهم، فبدأ المسؤولون الاحزاب بشراء الأسلحة عن طريق اليونان ـ قبرص حتى كسب، وتوزيعها على الناس وبالتقسيط لأنهم لم يكونوا يملكون المال الكافي، وكان المال يأتي عن طريق التبرعات من اهالي القرية. حتى عام 1915م ،كان هناك مائة سلاح حربي يوناني يسمى “جرا” مثل سلاح “مارتين”، الذي ساعد كثيراً في حرب جبل موسى، إضافة لـ 600 إلى 700 قطعة سلاح صيد، حيث كان أهل جبل موسى يملكونها بسبب هوايتهم للصيد من الصغير إلى الكبير. قام الجيش التركي عام 1914م بمحاصرة وتطويق القرى الأرمنية في جبل موسى وقام بالتفتيش بحثاُ عن أسلحة، لكنهم لم يجدوا شيئاً لأن مسؤولين الاحزاب كانوا يقومون بشراء الأسلحة وتخبئتها بالجبل.
في خريف عام 1914م قام الجيش التركي بمعاينة جميع الحيوانات ووضع إشارة عليها بحيث إذا اضطروا أخذها بدون مقابل، وقاموا بفتح الخنادق على السواحل لتأمين أنفسهم من إنزال قد يقوم به الحلفاء.

عندما فرض الأتراك التجنيد الإجباري للشباب ما بين 25ـ50 عاماً، إنضم الجميع إلى الجيش التركي، ومن بقي في الضيع كان من الشيوخ والأطفال والنساء.

كان يتم توظيف المجندين الأرمن في أشغال الطرقات بعيداً من الجبهات ، والبعض الآخركان يختفي ولا يسمع عنه شيئاً. توافدت معلومات أن الجيش التركي يقوم بتصفيتهم مما ادى إلى هربهم من الجيش التركي، والصعود إلى الجبل حيث كانت الأسلحة مخبأة، وبلغ عددهم حوالي خمسون شاباً. وكان أهل القرى يقومون بتأمين الطعام ووضعه بمغارة الجبل، لأن القرى كانت مراقبة من قبل الجيش التركي، وكان لهذا الفريق من الشباب التأثير الكبير في قرار شعب جبل موسى بعدم رحيله إلى الصحراء والصعود إلى الجبل، لأنهم كانوا رموز الأبطال الذين حاربوا لمدة 46 يوماً. إلى جانب ذلك نظم مجموعة من أهل كسب وأهل جبل موسى في انطاكيا إجتماعاً لكي يعرفوا ما عليهم القيام به، ولكن الحكومة التركية استطاعت القبض عليهم وحبسهم. وحصل اجتماع عند الأب آبراهام دير كالوسديان(نائب البطريركية في منطقة جبل موسى) في يوغون اولوك. وفي الإجتماع انقسمت الآراء حول الذهاب إلى انطاكيا لإلغاء القرار والبعض الآخر قال إن هذا القرار هو من الباب العالي للسلطنة العثمانية ولن يلغى. فتم تأليف لجنة للذهاب إلى انطاكيا، ولكن الأكثرية قررت الصعود إلى الجبل لأن فضل الموت على ارضه بدلاً الذهاب الى المجهول.
في 30 تموز 1915 م صعد أهالي جبل موسى إلى الجبل، ما عدا قسم من أهل كابوسية الذين قرروا تطبيق قرار الحكومة العثمانية، وقسم من آهالي حاجي حبيبلي وبتياس لأنهم لم يجدوا الوقت الكافي للصعود إلى الجبل، بسبب قدوم الجيش التركي. وعندما علم مدير الناحية التركي عن الواقع، قال: “سأرسل عليهم بعض العسكر حتى يتم إنزالهم كالخرفان”.
في الجبل تم تأسيس لجنة شعبية برئاسة القس ديكران انطريسيان الذي كان قساً في الكنيسة الأنجيلية في منطقة زيتون. خلال رجوعه الى مسقط رأسه رأى كيف يتم تهجير الأرمن من كيليكيا، وكيف يقتل الجيش التركي الشباب الأرمني على الطرقات. المسؤول العسكري في الجبل كان موسيس ديركالوسديان الذي لاحقا أصبح نائباً في البرلمان السوري وثم اللبناني. وكان هناك أعضاء باللجنة الذين يهتمون بإحتياجات الشعب علي الجبل، و600 شخص من أهل جبل موسى مدججين بمائة سلاح حربي، وحوالي خمسمائة سلاح صيد، جهزوا أنفسهم لمقاومة الجيش التركي، وقد ارسل مدير الناحية عسكريين عدة مرات لانزالهم من الجبل، لكنهم فشلوا، أمام صمود أهل جبل موسى، الذين كانوا يعرفون أسرار الجبل من الطرقات والمغارات بعكس الجيش التركي.

رفع يافطة عبارة عن “علم صليب احمر” بإتجاه النهر ويافطة ثانية مكتوب عليها: “مسيحيون تحت الضيق ساعدوهم”. كانوا يأملون من اسطول الحلفاء في البحر الأبيض المتوسط أن يراهم ويساعدهم. في ذات الوقت أرسلوا رسائل إلى الأسكندرية طلباً المساعدة. وقد قام الجيش التركي بمهاجمة جبل موسى بشراسة، وقع ثمانية عشر شهيدا من أهل جبل موسى، مقابل مئات القتلى من الجيش العثماني. كان الهجوم الأول في 8 أب عام 1915 والثاني في 10 آب والثالث كان في 22 آب.

في 5 ايلول 1915، لاحظوا مرور لأسطول فرنسي الذي اقترب الى الشاطى بعد أن راى إشارات تصدر من الجبل. إن المسؤولين على الجبل سبق أن جهزوا رسائل بالإنجليزية والفرنسية تم وضعها في علب معدنية مقفلة بإتقان خوفاً من تبللها بالمياه. فقام شبان يجيدون السباحة بإيصال الرسائل إلى الأسطول، حيث إستلم القبطان الفرنسي “كوشين”، وأرسلها إلى وزارة الدفاع الفرنسية، ذاكراً أن هناك حوالي ستة آلاف شخص محاصرون في جبل موسى وهم يحاربون الجيش التركي، ووضعهم دقيق للغاية بعد أن نفذ الطعام والذخيرة منهم، ويحاولون الدفاع عن أنفسهم. لكن وزارة الدفاع الفرنسية لم يرد بسرعة ، فقرر مساعدة اهل جبل موسى على مسؤوليته، وقام بقصف مراكز للجيش التركي، ومن ثم قام بوضع الناس في البواخر وطلب من قبرص ومن مصر إستقبالهم. رفضت قبرص، ورحبت مصر، فتم نقل اهل جبل موسى إلى “بورسعيد” بتاريخ 11،12،13، من أيلول لعام 1915، وانتهت المقاومة البطولية التي دامت 46 يوماً. وجاء جواب البرقية التي ارسلها القبطان من وزارة الدفاع الفرنسية بعد شهر من مغادرة اهل جبل موسى من الجبل.
عاش اهلنا في بورسعيد أربع سنوات تحت الخيم. وفي جبهة “عرعر” في فلسطين تلك المعركة الشهيرة بين الجيش الفرنسي حيث الفيلق الشرقي الذي كان به 600 عنصر من الأرمن من جبل موسى وبين الجيش التركي، خسر الأتراك المعركة، وقام الجيش الفرنسي بإحتلال لبنان وسوريا. وفي عام 1919 عاد أهل جبل موسى إلى قراهم في لواء اسكندرون، وبادروا بإعادة إعمار بيوتهم المسروقة والمهدمة. فبدأ التطور في المنطقة خاصة بعد أن عين موسيس دير كالوسديان مدير ناحية. وبعد أن إنتخب نائبا في المجلس الوطني السوري كممثل لمنطقة اللواء عين سيروب شيربتجيان مديرا للناحية.
من سنة 1919-1939 أصبح منطقة جبل موسى منطقة أمنة ومتطورة وأصبحت مصيفا مهما خاصة لأرمن حلب.

بعد سنة 1938 وبعد الإستفتاء المزيف الذي قام به الأتراك، إستعملوا الأتراك كل الوسائل المتاحة للسيطرة على اللواء. للأسف الفرنسيين تنازلوا لواء الأسكندرون للأتراك قبيل الحرب العالمية الثانية.

أهلنا رفضوا العيش تحت سيطرة الأتراك، فتركوا املاكهم وارزاقهم بدون مقابل وهاجروا إلى سوريا ولبنان.لتوفير مسكن جديد للمهاجرين كانت تجري مفاوضات مع السلطات الفرنسية برئاسة موسيس دير كالوسديان. تم شراء مساحة في منطقة البقاع، “عنجر” وهي خريطة رقم 1 و 2، وساهم بشرائها الى جانب الدولة الفرنسية مؤسسة “كالوسد كلبنكيان”.
تاريخ عنجر يبدأ في أيلول عام 1939، حيث أتى أهلنا بالبواخر إلى طرابلس ومن ثم بالخط الحديدي إلى رياق ومنه إلى قلعة عنجر، التي كانت مطمورة تحت الأرض، ووضعوا الخيم. كان الجو وقارصا جدا ، فتم توزيع الصغار والشيوخ على القرى المجاورة مثل مجدل عنجر، برالياس، الروضة، قب الياس، زحلة، تربل، كفرزبد. نظرا للظروف المعيشية الصعبة انضم الرجال إلى الجيش الفرنسي لإعالة عائلتهم. كان العدد السكاني 5125 نسمة، وقام الفرنسيون ببناء 1065 بيتاً. . قسموا عنجر الى ستة نواحي تحمل نفس أسماء القرى في “جبل موسى”. كانت عنجر في وقتها عبارة عن صحراء قاحلة. عانى أهلنا الكثير، خلال أول سنتين مات حوالي تسعمائة شخص من المهاجرين بسبب الصقيع والجوع والأمراض مثل الملاريا. في السنوات الأولى لم يبنوا شيئاً على أمل الرجوع إلى قراهم ووطنهم، ولكنهم عندما فقدوا الأمل بدأوا بزراعة بساتين التفاح.

خلال عامين 1946ـ 1947 رحل أكثر من نصف أهالي عنجر إلى أرمينيا، عندما بدأت أرمينيا باستقبال من هم خارج البلاد إبان الإتحاد السوفياتي، وبقي في عنجر 1500 شخصاً تمركزوا في نصف القرية، وبدأو بالبناء. تم مساعداتهم من مطرانية الأرمن الأرذودكس في لبنان، و”كاتليكوسية” الأرمن في انطلياس، بإعطاءهم الأدوية، لتجفيف المستنقعات التي كانت مصدراً للأمراض.

عاش أهلنا فوق القلعة الأثرية لـ “عنجر”، التي كانت مطمورة تحت الأرض، وكانت بيوتهم من خيم القماش، وفي خريف 1939 بدأوا ببناء البيوت عبارة عن غرفة واحدة 4X4.50 متر المعروف “بالبيت الفرنسي”، من هنا يبدأ تاريخ عنجر المعاصر. فتطورت القرية الفقيرة خلال عقود وتحولت الى قرية نموذجية، وتحولت عنجر من صحراء الى منطقة خضراء، ممتلئة بالبساتين والاشجار، تكسوها الخضار من كل جوانبها. فكل طائفة بنت مدارستها وكنيستها وتطورت الحياة التربوية في عنجر حيث تدرج المدارس من االحضانة الى الابتدائية فالمتوسط والثانوي. كما تطورت البلدية مع مرور الزمن حيث تحولت الى مركز إداري خدماتي. استطاع الشعب الأرمني بعزيمته وإرادته أن يحول عنجر الممتلئة بالمستنقعات إلى جنة خضراء ، ومن نبع عنجر فتحوا قناة كبيرة للسقي، وأسسوا بساتين واصبحوا معروفين بإنتاج التفاح والانجاص والخوخ والدراق. فتطورت الزراعة مع الوقت وأصبحت الاراضي الزراعية خصبة.

أصبحت حياة أهل عنجر عصري. كما تطورت الحياة الاجتماعي والثقافي والرياضي في عنجر من قبل المؤسسات والجمعيات المختلفة. تحولت عنجر الى منطقة سياحية بإمتياز حيث أصبح مشهورا بالمطاعم والفنادق والقلعة الاموي الاثري حيث يزورونهم الآف السواح كل سنة.

سنة 2015 هي العيد المئوي للمقاومة البطولية لأهل جبل موسى حيث تنظم احتفالات شعبية في أنحاء مختلفة من العالم، وخاصة في عنجر. سيتم دعوة الجميع لحضور الإحتفال الكبير الذي سيقام في شهر ايلول. جميع ارمن جبل موسى ينتظرون بفارغ الصبر إحياء الذكرى المئوية.

تاريخ عنجر “جبل موسى” لمحة عن تاريخ، من حيث موقعها، وسكانها

عنجر أو حوش موسى هي بلدة لبنانية تقع في محافظة البقاع شرقي لبنان. تمتد البلدة على مساحة 20 كم2 وعدد سكانها 2400 نسمة أغلبيتهم الساحقة من الأرمن. في موسم الصيف يزور البلدة الأرمن من الشتات حيث يزداد عدد سكانها بالثلث تقريبا.
يرجع اسم البلدة الحالي إلى كناية “عين جره” التي أطلق على الأراضي المجاورة لقلعة “جره”. وكان الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك قد بنى هذه القلعة في القرن الثامن للميلاد. بالرغم من هجرانها في فترة لاحقة، ما زالت بقايا القلعة تعتبر منظرا رائعا حتى أعلنتها منظمة يونسكو في 1984 موقع تراث عالمي.

في 1939 جاء إلى المنطقة المجاورة لبقايا القلعة 5000 لاجئ أرمني من تركيا وأقاموا فيها البلدة العصرية. وما زالت أسماء حارات البلدة تشير إلى أسماء القرى التي نزح عنها السكان.
أقيمت مدينة عنجر الأثرية على مقربة من أحد أهم منابع أو عيون نهر الليطاني في موقع مميز على خارطة الطرقات التي كانت تشق البقاع في الأزمنة القديمة والوسيطة لتشكل عقدة رئيسية تلتقي عندها الطرق التي كانت تصل مناطق سوريا الشمالية بشمال فلسطين وتلك التي كانت تصل الساحل بغوطة دمشق. وقد أسهم في ازدهارها العين تتفجر عند سفوح جبال لبنان الشرقية، وهي العين التي أعطت المدينة اسمها الحالي.
أمر الخليفة الوليد بن عبد الملك (705-715م) بإنشاء مدينة عنجر المحصنة على بعد نحو كيلومتر واحد إلى الجنوب الغربي من نبعها المعروف بـ “عين جرا”. ولتنفيذ مشروعه، استعان الخليفة بعدد من المهندسين والحرفيين والصناع البيزنطيين والسوريين العارفين بتقاليد العمارة والزخرف القديمة الموروثة من أيام الرومان والإغريق. وقد استخرج هؤلاء الحجارة اللازمة للمشروع من عدد من المقالع المجاورة، كمقالع بلدة كامد اللوز، كما نقلوا أعداداً من العناصر البنائية الأخرى، كالأعمدة وقواعدها وتيجانها وتعتيباتها، من بقايا الأبنية الرومانية والبيزنطية التي عثروا عليها في الجوار.

وعام 744، دمرها الخليفة مروان الثاني على أثر انتصاره على منازعه إبراهيم بن الوليد في معركة دارت رحاها على مقربة منها. وما لبثت البلدة أن أخذت تتداعى حتى تحولت في القرن الرابع عشر إلى تلال من الأطلال والتراب وسط مساحات شاسعة من المستنقعات.
وظلت على هذه الحال حتى سنة 1943، عندما بدأت المديرية العامة للآثار اللبنانية أعمال استكشافها. وعلى الرغم من أن الحفريات الأثرية وأعمال الترميم فإن الموقع ما زال يحتفظ ببعض أسراره.

فريال دبوق

مجلة “كواليس” اللبنانية، عدد خاص عن الذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

Share This