لقاء مجلة “الكواليس” مع رئيس بلدية حوش موسى عنجر الأستاذ كربيت بانبوكيان في العدد الخاص عن الذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

وضعنا مختلف عن باقي البلديات الذين يخوضون معارك إنتخابية ولديهم برامج يتم إنتخابهم على أساسها رئيس بلدية حوش موسى عنجر الأستاذ كربيت بانبوكيان:

تم شراء أراضي عنجر من أموال بعض الأثرياء الأرمن والبالغ آنذاك 410000 فرنك فرنسي التكليف يعني أمر واقع وهو إستمرار لعمل سابق قلعة عنجر الأثرية تم إكتشافها عن طريقة الصدفة على يد الأرمن اللاجئين من لواء الأسكندرون.

وكأن ما حصل كان النار التي صقلت الجوهرة الأصفي في روح هذه الشعب الذي ذبح وشرد وذاق كافة أنواع العذابات وخسر الأهل وفقد الأرض، لكنه لم يفقد الأمل ولا الصبر ولا الحلم ولا الهمة والجهد ومصداقية العطاء في أي أرض سكنها، إذ حول الصحراء إلى واحة غناء، وهذا ما حصل في عنجر التي سكنها الشعب الأرمني رغم رفض العديد من اللبنانيين نتيجة الأوبئة والتصحر، فإذا بها اليوم حديقة تجمع الجمال والروعة والسكينة الساكنة روح هذا الإنسان القادم من المذابح والأهوال، ليزرع ما بروحه من طمأنينة في أرض تشبهه وما زال يبذل كل الجهد للوصول إلى الأفضل للبشر والحجر معاً..

حوارنا مع رئيس بلدية حوش موسى عنجر الأستاذ كربيت بانبوكيان كان حول دور البلدية وأهل البلدة…

*نرحب برئيس بلدية “حوش موسى عنجر”، من هو، ماذا يفعل في الحياة، ماذا عن برنامجه الإنتخابي الذي بموجبه تم الأختيار؟ أرحب بكم في البداية وأرحب بالإعلام الذي له دوره المميز في كل برامج التنمية وله دور أساسي في التعريف عن أعمال ونشاطات البلديات ودورهم في القطاعات الإنمائية والإجتماعية والثقافية.

ـ بلدية “حوش موسى عنجر” معروفة بهذا الإسم بناءً على لجوئنا إلى البلدة من جبل موسى، وعنجر هو الإسم الجغرافي للموقع.

لقد تم التركيز على إنماء عنجر منذ اليوم الأول لإنشائها، ففي العام 1942 تم تأسيس بلدية عنجر وتعيين أول رئيس ومجلس بلدي لها، أي قبل نيل لبنان إستقلاله في العام 1943م، وفي العام 1972 وطوال فترة الحرب الأهلية في لبنان ولخمسة دورات بلدية حتى العام 1998 وكانت هذه المجالس تقوم بكل واجباتها الإنمائية والإجتماعية والأساسية التي إحتاجها المواطن العنجري، والتي سمحت بها الظروف في حينه.

بعد ذلك، وعندما سمحت الظروف اللبنانية بإقامة إنتخابات بلدية، تميزت بلدة عنجر بتوافقها ولمدة ثلاثة دورات، حيث لم يكن هناك إنتخاب بل توافق وتزكية، هذا الأمر يضع مسؤولية أكبر على الشخص المنتخب لأنه أصبح مكلفاً وعليه أن يعمل بالجدية وبالمسؤولية المزدوجتين اللتين وقعتا على عاتقه وهو يستحقها، وعلى هذا الأساس كانت الدورتين السابقتين برئاسة الأستاذ سيبوه سقايان، وفي هذه الدورة الثالثة كان هناك إجتماع لفعاليات البلدة وكان تكليف هذا المجلس الحالي ليقوم بواجبه، أخذين في عين الإعتبار ومنطلقين من النشاطات السابقة والخدمات الإجتماعية التي تؤهله لرئاسة البلدية، لذا كان لي الشرف برئاسة هذا المجلس وعلى هذا الأساس لا يوجد برنامج إنتخابي لأن وضعنا مختلف عن باقي البلديات الذين يخوضون معارك إنتخابية ولديهم برامج وعلى أساسها يتم إنتخابهم.

*بما أنه لا يوجد برنامج إنتخابي، برأيكم يأتي عملكم مكمل لما سبق من مشاريع للمجلس المنصرم؟

التكليف يعني أمر واقع وهو إستمرار لعمل سابق، برأي لا يكفي ولاية ست سنوات لإستكمال المشاريع القائمة وليس منطق ان يأتي مجلس بلدي جديد ويلغي ما سبق، ويبدأ من جديد ويناقض المشاريع السابقة، نؤمن ان المشاريع الموجودة لديها دراسات وبرامج حيوية وتخدم الشأن العام في البلدة، يأتي دورنا ونكمل ما بدأ منها القصر البلدي الذي هو قيد الإنشاء وأيضاً لدينا الساعة المركزية الموجودة وسط ساحة عنجر التي نعتبرها نصب تذكاري تعيدنا إلى تراثنا.

*هل لنا ان نتحدث قليلاً عن تاريخ مدينة عنجر وعن شعبها الذي ينتمي إلى الطائفة الأرمنية الكريمة؟

مدينة عنجر لها تاريخ مميز، ففي العام 1939م تم شراء أراضي عنجر من أموال بعض الأثرياء الأرمن والبالغ آنذاك 410000 فرنك فرنسي، وتم تسجيل كامل العقارات على إسم المفوضية العليا الفرنسية، والتي بدورها في العام 1940م، أصدرت القرار 355ل.ر حيث منحت وتنازلت بموجبه المفوضية العليا عن كامل أراضي عنجر لصالح اللاجئين الأرمن من لواء الأسكندرون وللبلدية الناشئة فيها ولرؤساء العائلات العنجرية. كل هذه العملية تمت لإيواء أرمن لواء الإسكندرون الذين رفضوا أن يكونوا مواطنين أتراك، فتركوا أرضهم وبيوتهم في جبل موسى في اللواء بعد صدور نتائج الإستفتاء المشكوك في نتائجه والذي أجرته القيادة الفرنسية آنذاك بصفتها سلطة إنتداب حيث تم سلخ لواء الإسكندرون عن سوريا وضمه إلى تركيا.

قسم كبير من الأرمن عادوا إلى أرمينيا السوفياتية آنذاك وعددهم حوالي خمسمائة عائلة من أصل خمسة ألاف وخمسمائة عائلة الذين أتوا إلى عنجر وعلى أساسه تم إعمار 1250 وحدة سكنية موزعين على الأهالي.

في المرحلة الأولى: من الهجرة كانت عام 1946م، قرروا الرجوع الى أرض الوطن أرمينيا لأنهم مؤمنين بالعودة إلى بلادهم الموجودة في أرمينيا التاريخية وليس أرمينيا الحالية، إنما بعد فترة أصبح لديهم قناعة أن هناك تسويات اقليمية وأصبح من المستحيلات العودة وكان الخيار للبعض بعد ترك الوطن، وكان الخيار للبعض الذين أخذوا قرار العودة هاجروا إلى أرمينيا السوفياتية.

الأرمن أسسوا عنجر الحديثة في العام 1939م والتي كانت في حينه عبارة عن مستنقعات تسودها الأمراض والأوبئة كالمالاريا والتيفوئيد وغيرها، ولم تكن المنطقة مأهولة بالسكان بسبب تلك الطبيعة، وأمضى أجدادنا السنوات الأولى تحت الخيم لحين إستكمال بناء البيوت وإستصلاح الأراضي، وفي هذه الفترة توفي ما يزيد عن تسعماية شخص أكثرهم من الأطفال والمسنين نتيجة الأمراض وسوء التغذية. وهنا لا بد أن أشكر أهالي القرى المجاورة لعنجر حيث قدموا الغالي والنفيس، وفتحوا بيوتهم لإيواء أجدادنا وتقديم المساعدة المطلوبة لهم في السنوات الأولى والأصعب في تاريخ مدينتنا، وما كانت عنجر لتصبح على ما هي عليه اليوم لولا تلك المساعدات.

أما قلعة عنجر الأثرية فلقد تم إكتشافها عن طريقة الصدفة على يد الأرمن اللاجئين من لواء الأسكندرون، حيث تم بناء أول مخيم للاجئين على هضبة في مستنقعات عنجر آنذاك كونها مرتفعة بعض الشيء عن المياه الراكدة والموبؤة، وقد تميزت تلك الهضبة بترابها الأسود اللون وحرارتها المرتفعة، وسرعان ما تم إكتشاف بعض الأثار على الهضبة نتيجة الحفريات، فتم إخبار السلطات وأحضر المهندسين الفرنسيين كون لبنان كان لا يزال يعيش تحت الإنتداب الفرنسي آنذاك، فتم التنقيب عن الأثار وأكتشفت القلعة الأثرية والتي تمتد تحت كامل الهضبة داكنة اللون وتمت الإستعانة باليد العاملة الأرمنية تحت إشراف المهندس اللبناني كلايان في أعمال التنقيب والترميم، وكانت الأعمال جميعها تتم يدوياً دون الإستعانة بالآلات.

وفي المرحلة الثانية: بكل أسف الهجرة كانت ضمن فترة الحرب الأهلية في لبنان.
الأن عدد المقيميين في عنجر شتاءً ثلاثة ألاف نسمة، وصيفاً خمسة ألاف نسمة.

تتميز عنجر بغناها بالمياه والينابيع الطبيعية، ويقع ضمن نطاقها نبعي عنجر وشمسين، الذين يشكلان نواة نهر الغزيل الذي يعتبر أهم رافد لنهر الليطاني، فثروة المياه هذه تستفيد منها عنجر للشرب وللري وللسياحة والزراعة وتستفيد منها جميع القرى والبلدات المجاورة، حيث نبع شمسين فقط يؤمن مياه الشفة لحوالي ستون قرية وبلدة مجاورة. لعبت قلعة عنجر الأثرية بالإضافة إلى موقع عنجر الجغرافي وإنفتاح أهلها إلى إزدياد عدد المنتجعات والمراكز السياحية فيها من مطاعم ومقاهي ومسابح وفنادق حيث تؤمن مدينتنا خدمة سياحية متكاملة بمواصفات عالية، كما إنعكس هذا الدور على مجمل اقتصاد البلدة من أعمال حرفية لإنتاج التذكارات السياحية التي تباع أمام القلعة، أو المنتوجات الزراعية عالية الجودة لتأمين حاجات المطاعم والأوتيلات التي تتميز بريها بمياه نظيفة ومن النبع مباشرة، بالإضافة إلى تأمين فرص عمل لشباب عنجر والبلدات المجاورة.

فريال دبوق

مجلة “كواليس” اللبنانية، عدد خاص عن الذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

 

Share This