الكاثوليكوس آرام الأول يشارك في مؤتمر “حوار الحضارات والثقافات” في المنامة

انطلق في البحرين فعاليات مؤتمر “حوار الحضارات والثقافات” بمشاركة نخبة من نحو 150 من المفكرين ورجالات الفكر والثقافة يمثلون أكثر من 15 دولة إلى جانب 350 شخصية دينية وأكاديمية وفكرية وأدبية، تحت عنوان “الحضارات في خدمة الانسانية”.

وفي الجلسة الثالثة من المؤتمر التي ترأسها رئيس اللجنة العليا للمؤتمر الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة رحب آرام الأول كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا في لبنان بمبادرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بإقامة المؤتمر، لافتاً إلى أن هذه المبادرة تهدف إلى دفع الأديان والثقافات والحضارات في حوار صريح وتفكير جاد وعمل مشترك نحو عالم يسوده السلام.

وأشار آرام الأول في ورقته التي قدمها في المؤتمر بعنوان “الديانة والثقافة والحضارة من أجل الانسانية” إلى أن الناس تعيش حالة يأس، آسفًا للواقع الذي يعيشه العالم، مضيفا: “في كل مكان هناك حرب بدل السلام، المواجهة بدل الوفاق، والإقصاء بدل الاندماج”. وأكد أن “هذا الوضع يُظهر اختلالاً في علاقتنا مع الله ومع خلقه من خلال تدميرنا للبيئة، وكذلك في علاقاتنا مع بعضنا البعض”.

وتساءل: هل يؤدي التنوع إلى العزلة والفرقة أم إلى الوحدة و التكامل؟ ليجيب بأن “الكتاب المقدس يؤكد أنه عندما خلق الله العالم من لا شيء بجميع تنوعاته واختلافاته، فقد أرسى مبدأ التفاعل والترابط فيما بينها”. مضيفًا: “هذا التنوع، الذي هو جزء لا يتجزأ من الحياة بجميع أشكاله وهيئاته ومظاهره، هو هبة من الله”. داعيًا إلى أن يكون التنوع سببًا في التكامل والاندماج والتماسك والوحدة.

وحذر آرام الأول من إساءة استخدام الاختلافات التي وهبنا الله اياها عن طريق الاهتمام بمصالحنا البشرية الوقتية، لافتًا إلى أن “سوء توظيف التنوع والاختلاف يتجلى في عالمنا اليوم من خلال الاختلافات الدينية والطائفية والعرقية و السياسية”، داعيًا إلى معرفة كيفية جعل هذا التنوع مصدرًا للتكامل، مشددًا على أن ذلك “هو جوهر التحدي”.

ونبه إلى أن “التنوع ليس فقط واقعًا وهبة من الله؛ بل هو أيضًا دعوة إلهية يجب علينا تقبلها وجعلها مصدرًا للإبداع والإثراء، وأساسًا للتعايش بسلام”. مضيفًا: “لا ينبغي أبدًا أن نعتبر التنوع عدوًّا للاندماج، بل يجب أن يكون بمثابة مذكر وميسر للتفاعل والاندماج”.

ودعا إلى “خلق الرغبة في معرفة وفهم كل منا للآخر”. مؤكدًا أن “هذه الرغبة في خلق اتصال وثيق هي حاجة إنسانية أساسية”، وأسف آرام الأول واقع العلاقات الإنسانية، واصفًا إياها بالجزئية والسطحية ويشوبها الإجحاف.

وقال: “قبل أن نسعى إلى معرفة الآخر، يجب أن نستجيب أولاً لتحدي سقراط لمعرفة النفس”. مردفًا: “يجب علينا أن نفهم الأفكار المسبقة والمتعصبة التي نقوم بتطويرها عن الآخر والتي لا تستند على المنطق أو التجربة الفعلية”. منبهًا إلى ضرورة معرفة الله لمعرفة النفس، مؤكدًا أنه من دون ذلك يكون فهم الذات أمرًا مشوهًا ومحرفًا وقد يؤدي إلى طريق الخطأ والعنف.

وأكد أن “معرفة الآخرين حقّاً تجعلنا ننفتح نحوهم” مما يولد المسؤولية تجاه الآخر، داعيًا إلى الاستماع بقلب وعقل مفتوحين دون تحيز، محذرًا من أن “الجهل والغطرسة تفصلنا حتى عن أقرب جار لنا”.

وأشار آرام الأول إلى أن التطور التكنولوجي جعل البشر لا يعانون من أي نقص في المعلومات، متسائلاً: “ما هي نوعية هذه المعلومات؟ وكيف يمكننا تقييمها ومعالجتها بطريقة مسؤولة من أجل تجاوز السطحية المتأصلة بها؟ وكيف يمكننا أن نتناول هذه المعلومات بطريقة من شأنها أن تسمح لنا أن نرى ما وراء أحكامنا المسبقة والاتجاه نحو التفاهم؟”.
وفي معرض إجابته عن تساؤلاته، قال: “نحن أسرى أنفسنا، فقيمنا وتقاليدنا وأحكامنا وطموحاتنا تنغلق بنا عن الآخر”، لافتًا إلى “أننا نفتقر للانفتاح، نحن نسيء فهم بعضنا البعض”، مؤكدًا أن “هذه العزلة وهذا الافتقار إلى المعرفة الصحيحة يؤدي إلى الخوف، والخوف من الآخر يؤدي بطبيعة الحال إلى الشك والضغينة وغالبا إلى مأساة”. داعيًا إلى الانتقال من هذه العزلة وهذا الاغتراب عن الآخر المحفوف بالشكوك إلى التواصل والتفاهم.

وأضاف: “ليس هناك سوى طريقة واحدة لمواجهة الخوف والشك؛ يجب علينا التحدث مع بعضنا البعض، وجهًا لوجه”، مؤملاً في سيادة روح فضولية وانفتاح إيجابيين. مؤكدًا أهمية السعي إلى الحصول على الفهم الصحيح للتنوع. موضحًا أن الجهل يولد الكراهية والتعصب. داعيًا إلى الابتعاد عن هذا الشر من خلال عملية التعارف والتفاهم والقبول والتسامح. محذرًا من السماح للاعتقاد بأننا نحمل الحقيقة المطلقة، مؤكدًا الحاجة الماسة إلى الانفتاح على الآخر واحترامه.

كما أكد الكاثوليكوس أن التسامح يتطلب التعايش السلمي، وأن العيش كجوار يعني معرفة الآخر والجوار والاحترام والتعايش.

وفي ختام ورقته في المؤتمر، أشار آرام الأول إلى أن العولمة جعلت منا جميعًا جيرانًا، مؤكدًا أن “الحقيقة التي يحملها كل دين تتجاوز جميع أشكال النقص للتصورات والمظاهر البشرية”. وذكر بأن الاختلاف في البشرية هبة من الله، وينبغي على الانسان أن يبقى مخلصاً لهبة الله وإرادته، من خلال خلق التعايش المتناغم مع الجميع.

Share This