99 عاماً على الإبادة الأرمنية: رسالة أردوغان المسالمة لا تكفي

جو حمورة

لم يكن تاريخ 24 نيسان هذا العام مختلفًا عن السنوات الـ99 السابقة لدى الأرمن حول العالم. تظاهرات، وقفات احتجاجية وعرائض لمطالبة الدولة التركية بالاعتراف بالإبادة الأرمنية التي نفذتها عام 1915 في حقِهم. لكن المميز هذا العام كان مقاربة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان للمسألة، عبر تقديمه رسالة تصالحية إلى الأرمن، واسى فيها أحفاد الأرمن المتضررين من أحداث العام 1915 ووصف ما عانوه بأنه “ألمنا المشترك”.

تختلف الرواية التاريخية لأحداث ذلك العام بين الأرمن والأتراك بشكل عميق. تقول الرواية الأرمنية إنه وخلال العام الحرب العالمية الأولى كانت السلطنة العثمانية قد باتت في طورٍ متقدمٍ من الأسلمة ذات النزعة القومية، فما كان منها إلا أن أخذت قراراً عسكرياً واضحاً بإبادة كل المختلفين قومياً ودينياً داخل حدودها. فقتلت من قتلت وشردت من شردت هادفة إلى تثبيت حق المسلمين الأتراك في شرق البلاد. يُسمي الأرمن أحداث العام 1915 بالإبادة الجماعية، ويجزمون بأنه كانت هناك نيّة لدى الأتراك بتنفيذها، ويقدرون عدد شهدائها بما يقارب الـ1.3 مليون أرمني.

أمّا الرواية التركية فتختلف تماماً عن تلك الأرمنية. وفي تفاصيلها أنه خلال الحرب العالمية الأولى، وحين اشتدت المعارك بين السلطنة العثمانية والإمبراطورية الروسية، تحالف بعض الأرمن الموجودين داخل السلطنة مع روسيا، وبات مكان إقامة آخرين منهم قرب جبهات القتال يشكّل عائقاً عسكرياً للجيش العثماني. فما كان من هذا الأخير إلا أن حارب الأرمن المتحالفين مع روسيا باعتبارهم يساعدون أعداءه، فيما قام بنقل الأرمن الآخرين من أماكن تواجدهم قرب جبهات القتال، فتعرضوا خلال الإنتقال إلى هجمات متعددة من القبائل والميليشيات الكردية، كما عانوا المجاعة وأمراضاً عدة ما أدى إلى وفاة عددٍ كبيرٍ منهم. وينفى الأتراك، العلمانيون منهم والإسلاميون، وصف أحداث العام 1915 بالإبادة، ويشدّدون على أن الأرمن قتلوا أعداداً كبيرة من الأتراك. أمّا عدد الضحايا الأرمن فيقدّرونه بنحو 300 ألف لا أكثر.

يطالب الأرمن دواماً باعتراف تركيا بالإبادة، والتعويض على المتضررين وردّ الأراضي التي كانوا يملكونها في  شرق تركيا إلى الدولة الأرمينية. لكن الأتراك لا يتلقفون هذه الدعوات عادةً إلا بنفي حدوث الإبادة، والتعرض اللفظي لتاريخ الأرمن بإعتباره مزوّراً. لذلك، كانت لافتة الرسالة المسالِمة وغير المسبوقة التي أطلقها أردوغان هذا العام قبل الذكرى بيومٍ واحد، حيث إعتبر “أنه من الواجب الإنساني تفهم ومشاركة الأرمن في تذكار الآلام التي تعرضوا لها.. والتي هي ذاكرة ألم مشتركة لنا جميعًا”. كما قدم التعازي لأحفاد الأرمن الذين فقدوا حياتهم خلال الظروف التي شهدها مطلع القرن العشرين وتمنى لأمواتهم أن يخلدوا بطمأنينة. كذلك، جدد أردوغان دعوة الباحثين الأرمن والدوليين لتشكيل لجنة من المؤرخين بهدف دراسة أحداث العام 1915 بطريقة علمية، مؤكداً أن تركيا فتحت أبواب أرشيفها لكل المهتمين بمعرفة الحقائق العلمية.

لكن هذه الدعوة لم تلقَ رداً إيجابياً من الدولة الأرمينية أو أرمن الشتات، حيث إعتبروا أن المطلوب من تركيا الإعتذار والتعويض لا المواساة. كما أكدوا أنه، وبحسب تجارب سابقة، لم تُفرج السلطات التركية إلا عن الوثائق التاريخية التي تقدّم رواية الأتراك لأحداث العام 1915 في حين أبقت تلك التي تفيد رواية الأرمن مخبأة.

ويعتبر البعض أن دعوة أردوغان المسالِمة لا تتضمن عملياً أي جديد، بل هي مجرد مناورة تأتي في سياق مدّ تركيا اليد إلى الأرمن التي بدأت بها منذ أعوامٍ قليلة، وذلك قبل الذكرى المئوية الأولى للإبادة عام 2015 والتي يحضر لها الأرمن في كل العالم عبر حملاتٍ مدروسة لرفع شأن القضية الأرمنية بشكل حقيقي على المسرح الدولي. وتخشى تركيا من أن تنتهي هذه الحملة، بما للوبي الأرمني من تأثير في أوروبا وأميركا خصوصًا، إلى تشويه صورة تركيا في كل مكان وتحميلها مسؤولية واحدة من أفظع المجازر المرتكبة في التاريخ الحديث.

نشرت أولاً في مجلة المسيرة في 5 أيار 2014 (العدد رقم 1455)

موقع نقد بناء  

Share This