لقاء مجلة “الكواليس” مع رجل الصناعة سركيس بوداكيان في العدد الخاص عن الذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

أدركنا كطائفة أرمنية مدى أهمية الصناعة وارتباطها بالتقدم الاقتصادي: رجل الصناعة السيد سركيس بوداكيان.

صناعي في المانيا استطاع أن يحصل لي على فيزا بساعتين لم استطع الحصول عليها من لبنان لأيام.

بالمعرفة والعلم نبني لبنان عبر المساهمة بشكل مستمر بنهضة إقتصاده.

مفهوم الأرمن، ينطلق من قناعة التجذر في الأرض وعملنا في الطبيعة.

حياته يصعب تحديدها بسطور وكلمات، فهو يجمع الذكاء الحاد والعفوية والصراحة والطيبة، يتميز بالوطنية الصادقة، أنه صورة جميلة عن أرمينيا التي تعيش بدمه وشراينه وعقله وقلبه وجوارحه.

نشاطه متشعب وطموحه كبير لا يعرف حدوداً، مؤمن بقضيته الأم، سعيه في عمله الصناعي والاقتصادي والإنساني من لبنان، لم يمنعه من أن يبقى مصراً على إنتمائه الأرمني، حياته سلسلة تحديات وانتصارات وهزائم أوصلته إلى النجاح، تدرك سر نجاحه عندما تقف على إنجازاته على الصعيد الصناعي والإنساني، من مواليد لبنان عام 1961م، متأهل من السيدة جولي خيرالله، له ثلاثة أبناء، نشاطه متشعبٌ في الصناعة، بدءاً من معمل للخياطة للزي الرسمي للعديد من المؤسسات، الشركات والسلطات المحلية، المستشفيات، المصانع، المعامل، المطاعم، الفنادق والمدارس.

عضو في جمعية الصناعيين، عضو في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، لديه مقولة: “منذ الصغر كان همي وبحثي العثور على أسواق لتصدير البضائع من الإنتاج الوطني”، ولقد تجاوزت مؤسسته ثلاثون عاماً، بدءًاً من الأسواق الأوربية، امتداداً إلى الخليج العربي، إنه رجل الصناعة بتميز السيد سركيس بوداكيان وكان لنا معه هذا اللقاء الشيق….

*لقد برع اللبنانيون الأرمن منذ زمن بعيد في مجالات الصناعة، حتى أصبح يضرب بهم المثل وذلك على جودة العمل واتقانه، وباتوا يمثلون نسبة كبيرة من الصناعيين وذلك نسبة لإيمانهم الراسخ بأهمية الإنتاج في كل أوجه الحياة، والنتائج المميزة التي حققها الصناعيون الأرمن في لبنان، بالنسبة للمجواهرات، البلاستيك، الأدوات الكهربائية، المشروبات، الألبسة، الصناعات الميكانيكية الدقيقة، وغيرها، هل لكم أن تحدثونا عنها؟
منذ أن كنت فتياً وأنا أرى أن للصناعة طابع ذو وجهين، إما علينا أن نتولى صناعة المنتج أو بيع ما هو متواجد لدينا، اي الإستيراد والتصدير وهذا الامر يعرف بالتجارة.

ونحن ندرك كطائفة أرمنية مدى أهمية الصناعة وارتباطها بالتقدم الاقتصادي، حيث تجعلنا نشعر بإنتمائنا إلى أرضنا، وتظهر مدى تعلقنا بجذورنا، ولكن لكي نكون صناعيين بجدارة، لا بد أن نتمتع بعدة ميزات، أولهاً: الإنتماء للأرض، ثانياً: الإحاطة بفريق عمل يمتلك الكفاءه، ثالثاً: توفر الحوافز التي تساعد على الإنتاج والإستمرارية، رابعاً: من المميزات الأكثر أهمية التمتع بصفة الصبر، خامساً: رأس المال، سادساً: الأفكار الخلاقة، والثقة بالنفس، سابعاً: ضرورة الإنفتاح على أسواق البلدان الأخرى، جميع هذه العوامل تساعد على الإستمرارية والنجاح، هذا مفهوم الصناعة لكي نستطيع دائماً تقديم ما هو أفضل للمواطن اللبناني، وللشاري في جميع أقطار العالم.

وللاضاءة على أهمية الصناعي ودوره في العالم استذكر حادثة حصلت معي في إحدى رحلاتي، ففي بداية مشواري الصناعي أردت السفر إلى ألمانيا وذلك إبان الحرب اللبنانية وتعذر عليَّ الحصول على فيزا في ذاك الوقت، وكان هناك أحد الأشخاص الذي تم التواعد للقاء معه في ألمانيا، فطلب مني الوصول إلى الحدود الهولندية لأنني كنت أمتلك مسبقاً الفيزا، فسافرت وهناك ألتقى بي على الحدود الهولندية الألمانية، واستحصل لي على الفيزا لمدة يومين بالتأكيد من حرس الحدود للدخول إلى ألمانيا، وكنت متعجباً للغاية كيف امكنه فعل ذلك بهذه السهولة، فسألته عن الأسباب، فقال لي: إنني صناعي والصناعي يساهم بشكل فعال ببناء الإقتصاد، من هنا فان الدولة تدرك اهميتنا وتعطينا امتيازات، فهذا وإن دل على شيء فهو أن أهم العوامل لبناء إقتصاد البلاد هو الصناعي.

ثلاثون عاماً مضت على بناء مؤسستي وما زلت في بحث دائم بإنفتاح على الأسواق، لأننا بالمعرفة والعلم نبني الأوطان عبر المساهمة بشكل مستمر بنهضة إقتصاد بلدنا، التي من أسسها الصناعة، أما بالنسبة للأرمن فقد أبدعوا بالعديد من المجالات، حيث جلبوا معهم العديد من الأفكار والأعمال الحرفية، منها صناعة الذهب والبلاستيك والملابس والأدوات الكهربائية والميكانيكية الدقيقة، وغيرها، وامتدت من الأجداد وحتى الأبناء، وان مفهوم الأرمن، ينطلق من قناعة التجذر في الأرض وعملنا في الطبيعة، كما ان الأرمن يسعون دائماً بالتفرد والأبداع بالعمل الذين يقومون به، من أرمينيا وحلب وصولاً إلى بيروت.

*مشاريع إقامة أربع مدن صناعية نموذجية خاصة، وما مدى مساهمتها في تقديم سلة تحفيزية للإستثمار؟

إن جمعية الصناعيين، برئاسة السيد نعمة فرم ومبادرته واندفاعه، كانت أمينة على خطة العمل التي رسمتها، وعلى الدور الأساسي للجمعية في التنسيق والتعاون مع القطاع العام، خدمة للقضايا الصناعية، وبما أنني عضواً فيها، انطلاقا من هذه الحقيقة، كان علينا أن نبحث عن بدائل لإحداث الفرق وأن نتميز في مجالات، حيث المبادرة بين أيدينا، مشروع إقامة أربع مدن صناعية نموذجية في كل من منطقة جزين، النبطية، الزهراني وهو المشروع الأكبر، ومنطقة تربل في البقاع، هذه المدن ستبنى وتعمل وفق معايير صديقة للبيئة مع بنى تحتية جاهزة ومتطورة، من شبكات للصرف الصحي والنفايات الصلبة والمياه والإتصالات، وطرق وفق تنظيم مدني حديث، كما ستقدم أكثر من عشرون ألف فرصة عمل مع ما يستتبع ذلك من تثبيت للمواطن العامل في أرضه وقريته والحد من موجة النزوح في إتجاه المدن، في تآلف بين محيطين صناعي وزراعي والبيئة والطبيعة، مع تطوير حتمي للمحيط، وبالتأكيد هذا يحتاج إلى جهد، ولكن نحن لدينا كل الثقة بأن الأجيال الجديدة التي تمتلك الفكر والتكنولوجيا المتطورة قادرة على اكمال ما بناه الأجداد سابقاً، وعلى سبيل المثال يوجد رواد في هذا المجال وهم الصينيين، حيث بدأوا بهذا النوع من المشاريع منذ خمسة عشر عاماً الماضية، وعشت فترة هناك، ورأيت مدى الإستفادة منها وكيف استطاعت أن تقلل من عامل البطالة.

*ما هي أسباب اختيار المدن الصناعية في تلك المناطق؟

هناك أناساً قدمت هذه المشاريع وهم يمتلكون مساحات شاسعة، ووضعوها بين أيدي الصناعيين، وذلك من أجل الصناعة اللبنانية، بالإضافة إلى إرتفاع الأسعار الباهظة للعقارات داخل المدينة، التي ارهقت كل من الصناعي أو من يعمل في مجالات أخرى، وهذا لا يعني أن تلك المشاريع ستكون في تلك المناطق فقط، بل ستمتد لتشمل جميع المناطق وفقاً لمخططات توجيهية تراعي حماية الموارد الطبيعية وتؤمن الاستدامة الطبيعية، بهذا سنساهم في بناء البلد والقضاء على البطالة، وعلى جميع الآفات المتفشية بين أبناءنا، خاصة آفة المخدرات المنتشرة هذه الأيام بسبب البطالة، وبذلك نستطيع القول بأننا كنا وما زلنا نطالب باللامركزية الإدارية فنجد هنا اللامركزية السكنية، وتساهم هذه المشاريع بالإختلاط الديمغرافي وتبادل الأفكار، ونحد من هجرة الكفاءات وهجرة الأبناء وعدم عودة البعض منهم، وبذلك نحافظ على ما تتمتع به روحية العائلة اللبنانية، لأننا بهذا نستطيع أن نوفر ما يستطيعون تحقيقه من طموحاتهم وآمالهم، والمحافظة عليهم في لبنان.

*حوافز الإستثمار الصناعي، إن وجد؟

بالتعاون مع الدولة، هناك سيكون دعم من البنوك اللبنانية، حيث القروض ستكون مدعومة من مصرف لبنان، بالإضافة إلى فوائد مخفضة للغاية، والمواد الأولية والمكاينات أو اعفاء آلات التشغيل من الضرائب والجمارك، وهذا سيساهم بشكل كبير على تحفيز الصناعيين على الصناعة وتطوير صناعاتهم، ماذا يحتاج أكثر من ذلك الصناعي لكي يحقق الإبداع والإنتاج؟!! ولكن لا بد دائماً أن يتمتع الصناعي بالفكر الخلاق حتى نصل إلى نتائج مهمة وإلى صناعة مميزة، وإذا امتلك كل المعطيات التي سبق أن ذكرناها، مما يجعله متمسكاً ببلده ويساعد على إزدهاره.

*ما تعرض له الأرمن من إباده، إلى أي مدى العذاب والشقاء يخلق النجاح، برأيك؟

إني ثالث جيل من أبناء الإباده، جاء أجدادنا إلى الشرق الأوسط بأوضاع صعبة للغاية، والعذاب يخلق النجاح، والأرمن من جراء مسيرة الحياة استطاعوا بفكرهم الإبداعي أن يبنوا أنفسهم بأنفسهم، واستطاعوا أن يأثروا على من حولهم ويكسبوا بذات الوقت المهارات، وأحد الأمثلة ما قبل الحرب اللبنانية كان لبنان يعتبر ثاني ترانزيت بالذهب في العالم، من هنا أقول إن الأرمن أصحاب فكر وابداع ولا أعني بتفردهم ولكن ما أعنيه بأنهم أناس تميزوا بالبناء، ولم يكونوا يوماً يمتلكون فكرة الحروب ولكنهم شعبُ مقاوم. بالنسبة للإبادة الأرمنية، تقريباً نحن شارفنا على الذكرى المئوية، ويجتمع الأرمن سنوياً إن كان في لبنان أو في أرمينيا أو في دول العالم أجمع لإحياء هذه المناسبة الأليمة وللتاكيد بأننا أصحاب حق، ونحن نسعى دائماً إلى النضال الدائم للوصول إلي حقوقنا المادية والمعنوية، نحن مثل طائر الفينيق الذي يولد من الرماد، نضالنا من أجل هويتنا ومن أجل أجدادنا، وسنحارب بعنفوان، ونحن في ذكرى الإبادة نطالب بأن يعترف العالم أجمع بالإبادة المرتكبة من قبل الاتراك وان تتخذ اقصى العقوبات بحقهم وأن تعود للشعب الأرمني جميع حقوقه ليس فقط المادية إنما ايضاً المعنوية. وهذه الذكرى هي رسالة نبيلة صادقة للعالم.

*الكلمة الأخيرة؟

انهي كلمتي بالقول :نحن شعب مقاوم صامد لا يعرف الاحباط آمن بقضيته فعمل جاهداً لنصرتها فتحول بمضمونه رسالة نبيلة صادقة إلى المجتمع أجمع. وختاماً لا يسعني الا أن اشكركم فنحن معكم ومع رسالتكم المهمة، ونتمنى لكم الإستمرار برسالتكم الإعلامية النبيلة.

فريال دبوق 

مجلة “كواليس” اللبنانية، عدد خاص عن الذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

Share This