لقاء مجلة “الكواليس” مع رجل الأعمال اللبناني نظريت صابونجيان في العدد الخاص عن الذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

النمو الاقتصادي ورفاهية الشعوب تتطلب: الحكم الصالح، الخطط التطويرية، الشعوب الواعية ونسبة فساد متدنية.

مدير عام شركة جورجي صابونجيان ش.م.م رجل الأعمال اللبناني نظريت صابونجيان:

الإبادة جريمة قام بها الأتراك الذين حيثما حلّوا يكون الدمار والخراب.

الكثير من الصراعات السياسية تخفي مصالح اقتصادية كبرى.

ميزان النهضة والتقدّم الاقتصادي هو الصناعة.

الصناعة أصلية في الوطن ودائمة بدوام الوطن.

الحديث معه هو حوار مع الحكمة، تختلط الدمعة مع الإبتسامة في أجمل صورها، ذاكرة متقدة، هو بداها حاضرة، ذكاء مشتعل ونبع سلسبيل من أعالي جبال أرمينيا، هي بعض من صفاته، شاهد حقيقي عشرات من السنين، إنه ذاكرة أرمنية وتاريخية كاملة بإمتياز، شاهدٌ على الحلم وانكساراته، شاهدٌ على الخط البياني الأرمني على امتداد الشريط الزماني، معه يعود محاوره إلى عالم مختلف، وإن أكبر تكريم لرواد النهضة هو محض كلمة جميلة، ويقيناً إن من يتنكر للسابقين عليه يتنكر له اللاحقون به، تتلمذ في مدرسة الأميركان في حلب، ومن ثم عاد إلى لبنان وعمل في صناعة علب وأدوات عرض المجوهرات على أنواعها، وعمل على تطويرها، ومنها قوالب الصناعات البلاستيكية والمنتجات البلاستيكية وأعمال الديكور للمحلات والمطاعم والمصارف والقصور وجميع ذلك خلال خمسة وأربعون عاماً، شركة عائلية، متأهل من السيده سيلفيا مومجيان وله أربعة أبناء، وأحد أبنائه جورج تم انتخابه في لجنة السلة حيث يمثل فريق الـ”هومينتمن “Homenetmen.
نظريت صابونجيان تم انتخابه في مجلس إدارة جمعية الصناعيين سنة 1992 وما زال، إهتماماته تنصب في الشأن الاقتصادي وهو عضوّ في مجالس إدارة أكثر من عشرة جمعيات اقتصادية لبنانية وعالمية.

*هل ينجح الإقتصاد حيثما تعثرت السياسة؟

العلاقة وثيقة، والكثير من الصراعات السياسية تخفي وراءها مصالح اقتصادية كبرى، وتزداد هذه العلاقة تعقيداً والتباساً حينما يكون الفاعل السياسي فاعلاً اقتصادياً في نفس الوقت. في مثل هذه الحالة تتم الإساءة للاقتصاد وللسياسة معاً، فلا الاقتصاد يمكن أن يتطور في بيئة تنعدم فيها شروط المنافسة الإقتصادية، ولا السياسة يمكن أن تتطور بسبب هيمنة المال على الشأن السياسي، ومع التحولات السياسية التي جرت في المنطقة ارتفعت انتظارات الشعوب وارتفع سقف تطلعاتها أملاً في تحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية. ولكن، إذا راقبنا خلال الخمسة عشر عاماً من الحرب في لبنان، نجد أن الصناعة في كانت في أوجهها مقارنة مع اليوم، لأن الدولة كانت بعيدة عن التدخل بالشأن الاقتصادي للبلد.
أريد لفت النظر بهذه المناسبة لمعنى أوّلي في أصول الاقتصاد، مثلاً يُقال الدول الصناعية السبع الكبرى وليس الدول التجارية السبع الكبرى أو ليس الدول السياحية السبع الكبرى لأنّ ميزان النهضة والتقدّم الاقتصادي هو الصناعة لأنها تخلق شيئاً من لا شيء وهي ثابتة وأصيلة وليست مثل التجارة والسياحة والمال مرتبطة بالأمن والأمان والسياسة. وهذه الأنشطة الاقتصادية تخرب مع فقدان الأمن مثلما يحصل اليوم في لبنان، أما الصناعة هي الوحيدة غير المرتبطة بالمناخ السياسي والأمني كباقي أوجه الاقنصاد.
في الحالة الصناعية إرتباط الصناعي بالأرض والقتصاد يكون كاملاً وغير قابل للطلاق لأنه، لإتمام الصناعة يجب شراء أراضي ومباني وماكنات ومواد ومن المستحيل فكّ الإرتباط بهم وعليه أن ينتج وينتج ويبيع محلياً ويصدّر. وهو ليس مرتبط لا بالسياسة ولا بالأمن بل له علاقاته الخارجية للتصدير وحاجة السوق الداخلي لإنتاجه. فالصناعة أصلية في الوطن ودائمة بدوام الوطن.

*ما هي الدروس المستفادة من تجارب بعض الدول الأخرى بشأن النهضة والتقدم؟

بإختلاف الدول المتأصلة في القدم والتقدّم مثل الولايات المتحدة ، إنكلترا، إلمانيا، فرنسا، إيطاليا…فيجب أن نستفيد من تجارب بعض الدول الناشئة مثلاً: تايوان، كوريا، سينغابور، إيرلندا…
إنّ القاسم المشترك بينهم هو التقدم السريع في النمو الإقتصادي وبلوغ أرقام عالية في الناتج القومي والإزدهار المعيشي لشعوبهم وكلها بنظري تأتي من عدّة عوامل منها الحكم الصالح، الخطط التطويرية، الشعوب الواعية ونسبة فساد متدنية.

1- تايوان: مساحتها ثلاثة أضعاف لبنان، عدد سكانها 21 مليون، كانت لحين إنتهاء الحرب العالمية الثانية مُحتلّة من اليابان، مشهورة بتصدير ربّ البندورة والموز والفطر المعلّب.

وهي لا تملك أيّة موارد طبيعية.بعد التحرير اتّجهت إلى الصناعة وطوّرتها. إنّ المصرف التّايواني المركزي يملك مئات البلايين من الدولارات وميزانه التجاري السّنوي لصالحه دائماً. هذا البلد مشهور بصناعة الـHytec والآلات الحديثة وعلى سبيل المثال: آلة صناعيّة وزنها (2 Tones) المواد الأوليّة فيها من حديد، نحاس وبلاستيك لا تزيد عن 1500$ وتباع بـ 100000$. فمن هنا يجب أن نتعلّم بأنّ القيمة المضافة تكون أكثر من 90%.

2- كوريا: مشابهة لتايوان، كانت محتلّة وبعد التحرير اتّجهت إلى الصناعة. يتميّز شعبها بالوفاء لمبادىء تطوير الوطن وبإندفاعه. يُقال بأنّه في حال تمّ شراء سيارة أجنبيّة من قبل أحد الكوريين فيتّهمه جيرانه بخيانة كوريا ويتوقفون عن التكلّم معه.
بالإضافة إلى أنّ الحكومة الكورية كانت تمنع قبل سنين عديدة سفر الكوريين الى الخارج كسواح لعدم هدر الأموال في الخارج وحصره داخل البلد للإستفادة منهم في إستثمارات جديدة.

3- سنغابور: هي جزيرة صغيرة مساحتها 716 كلم² عدد سكانها 5 مليون ، الناتج القومي السنوي 327 مليار دولار – ألدخل الفردي 61000 دولار وهو ثالث أعلى مستوى في العالم. أما أكبر النشاطات فيها هي صناعة الـ Hytec .

4- ايرلنـدا: مساحتها 34000 كلم²، عدد سكانها 6 مليون، كان بلداً زراعياً مشهور بالبطاطا والمجاعة. وكان شعبها طوال مئات السنين يهاجر عند كل موسم سيّء للبطاطا علماً أنه بين 15% و20% من سكان الولايات الأميركية المتحدة هم من أصول أيرلندية. كانت أيرلندا من أكثر البلدان تخلفاً في أوروبا الغربية قبل 20 سنة، إتخذت الحكومة الايرلندية قراراً وشرعت قوانين لتشجيع صناعة الـ Hytec وتخفيض الضرائب عليها. وفجأة توقفت الهجرة وأنعكست الظروف وأصبح الناس يهاجرون إلى أيرلندا طلباً للعمل وأصبح الدخل الفردي للشعب الايرلندي من أعلى المستويات في أوروبا وتوقفت الهجرة منها تماماً.

من هذه الامثلة السابقة، نرى أنّه يتوفّر في لبنان كافة أسباب تطور الصناعة والاقتصاد لو أن الدولة اللبنانية تبدأ بتخطيط وتشريع قوانين صديقة للصناعة لبناء اقتصاد مستقبلي بعيداً عن الفساد.

*ما تعرض له الأرمن من إبادة، إلى أي مدى العذاب والشقاء يخلق النجاح، برأيك؟

الإبادة هي جريمة قام بها الأتراك، وهم حيثما حلوا يكون الدمار والخراب، جاؤوا
كخدم يبيعون أطفالهم للعسكر ويعملون كمرتزقة في الجيش العباسي. ومع الأيام ترقوا في الجيش وأصبحوا هم الحكام والحلفاء رموزاً فقط. وبوصول موجات متلاحقة منهم حكموا إيران والعراق وسوريا وأحتلوا أرمينيا والدولة البيزنطية وتوغلوا في اوروبا.
إن تاريخ الأتراك أسود مشهورون بالبطش والاجرام، وأحد عظماء الأدباء الأوروبيين قد وصفهم: “حيثما مرّ الأتراك لا يثبت؟؟ العشب”.

بعد أواسط القرن التاسع عشر ومع مجيء السلطان الأحمر عبد الحميد وبعد أن نالت اليونان على استقلالها وتعاظمت الحركات الاستقلالية في بلغاريا ورومانيا ومقدونيا زاد بطش السلطان تجاه الأرمن وحدثت مجازر عديدة في أواخر القرن التاسع عشر وتوجت هذه المجازر بحرب الإبادة بيد حزب الترقي والاتحاد التركي إبتداء من العام 1915.
خلال الحرب العالمية الأولى أخذت شكل الإبادة إذ قتل 000 500 1 أرمني وتشرد باقي الارمن من وطنهم وسيقوا إلى الصحراء السورية، ولولا تعاطف العرب لكان باقي الأحياء قد ماتوا وأُبيدوا ونحن من أحفاد هذه الجماعات الارمنية التي لم نأت إلى هذه البلاد كسواح بل لاجئين هرباً من الظلم والموت المحتّم.

كان السلطان عبد الحميد يحرّض الأكراد ضد الأرمن بإنشائه كتائب الحميدية وتسليحهم ولكن الأكراد تنبّهوا متأخرين، حينها قامت الدولة التركية العنصرية بزعامة أتاتورك بخنق الحركات الاستقلالية الكرديّة في أعوام 1925 ثم 1936 في ديرسيم بتنظيم مجازر في حقهم. ولا تزال الحكومات التركية المتتالية تقوم بنفس الأعمال إلى الآن.

إن الأرمن شعب متواجد على هضبة أرمينيا منذ القدم وكانوا قد شكلوا سُلالات ملكيّة منذ الالفيّة الأولى قبل المسيح وآخر مملكة لهم انتهى عهدها في العام 1375 في كيليكيا.
الارمن خدموا الدولة العثمانية بكل اخلاص حتى بعد التجارب الأليمة وعلى سبيل المثال جدي نظر؟؟!! صابونجيان خدم في الجيش العثماني في حرب البلقان عام 1912 برتبة (اونباشي) ثم في الحرب العالمية الاولى (يوزباشي) في جبهة (تشاناق قلعة) حيث سجّل العثمانيون انتصارهم الوحيد في تلك الحرب على الانكليز والفرنسيين، وماذا كانت المكافأة لهذا الاخلاص “الذبح والتهجير والافناء”.

الأرمن أتوا إلى لبنان وسوريا وإلى باقي البلدان العربية حفاة، عراة وجائعين ولكن للمصادفة الجميلة تشبهوا بطائر الفينيق وقاموا من الرّماد وذلك بجهدهم ونشاطهم في المهن الحرّة والصناعة والتجارة. ومن المعروف لدى الجميع أنه لا يوجب أرمني واحد يسعى للاستعطاء بل يكسب رزقه بعرق جبينه مهما كانت ظروفه قاهرة.
وهذا العذاب والشقاء وطول المعاناة والاّتكال على القدرات الذاتية فقط والاجتهاد خلق النجاح لدى الكثير من الأرمن خصوصاً في الصناعة والمهن الحرة والتّجارة.

*الكلمة الأخيرة؟

إن أول ما يترواد لك من فكرة هي أنك أنسان، وطبيعتنا هي الإنسانية، وليس الأهمية للإنتماء القومي أو الديني أو الفكري أو الحزبي، أهم شيء هو الإنسان والإنسانية التي خلقنا عليها الله، وتطبيقها في كل أمور حياتنا، وعلينا دوما أن نفهم ونعي أن الإنسانية هي أرقى صفة الإنسان وعلينا إيجاد الطريقة لها دوماً، ونشكركم.

فريال دبوق

مجلة “كواليس” اللبنانية، عدد خاص عن الذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

Share This