لقاء مجلة “الكواليس” مع المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الأرمنية للشرق الأوسط فيرا يعقوبيان في العدد الخاص عن لذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الأرمنية للشرق الأوسط السيده فيرا يعقوبيان: اعتراف تركيا بالإبادة الأرمنية يشكل خطراً على استمراريتها كدولة وعلى هويتها التركية لولا مساعدة الشعوب العربية، لما كان هناك وجود للمهجر الأرمني الأرمن نموذج للتعايش والابداع لكل الشعوب التي تعيش بالمنطقة.

لكل إنسان جانب ما في هذه الحياة، يمتلك كل اهتمامه، وبعض من هذه الجوانب قد يكون له أثرٌ رائع في إغناء الحياة الإنسانية وخدمة المجتمع، فكيف إذا كان إنساناً متعدد الجوانب، طاقة علمية متميزة، ذات شمولية بين العلم والثقافة، رائدة نضال إجتماعي إنساني، واضحة في سبيل أهدافها الإنسانية السامية، جعلت رحلة عمرها مكرسةٌ لهذه المبادئ وعايشتها بشكل علمي، بعمق وصدق، شخصية ديناميكية ناشطة في مختلف القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية، مهتمة ومناضلة في سبيل القضية الأرمنية والقضايا المحقة، تركت بصمات متوهجة مضيئة أينما حلت، ناشطة بارزة في العمل المتعلق بالشأن العام والمنفعة العامة، تخصصت بالإعلام من الجامعة اللبنانية، ومن ثم في العلاقات الدولية من الجامعة اللبنانية-الاميركية (LAU)، وتدﱢرس مادة الإبادة الارمنية في جامعة هايكازيان، المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الارمنية للشرق الأوسط. إنها الأستاذة فيرا يعقوبيان، التي كان لنا معها هذا اللقاء الغني…

*كيف تعرفين عن نفسك لقراء “كواليس”؟

سؤال صعب، كي نعرف عن أنفسنا علينا أولاً أن نذكر بهويتنا، إنني لبنانية من اصل ارمني وأفتخر بذلك، وانا ناشطة في القضايا الارمنية وخصوصاً تلك المتعلقة بالإبادة الأرمنية، ومهمتي التنسيق بين الجاليات الأرمنية في الشرق الأوسط بموضوع الإبادة الأرمنية لخلق رأي عام عربي يدعم القضية الأرمنية في المنطقة ويدحض كل المزاعم التركية التي لا تزال تنكر ارتكاب هذه الجريمة بحق الشعب الأمني في العام 1915.

*هناك مقولة للسيدة فيرا يعقوبيان، بأن لا حل للقضايا الأرمنية العالقة دون تصالح تركيا مع ماضيها، ما الذي عنيته؟

نعم، في الفترة الأخيرة كانت هناك مبادرات دولية لاجراء مصالحة بين أرمينيا وتركيا، وانهاء حالة العداء القائمة بين الدولتين منذ فترة طويلة من الزمن. حينها رحب ارمن الشتات بهذه المبادرة انطلاقا من مبدأ علاقات حسن الجوار التي يجب أن تكون قائمة بين دولتين جارتين، ولكن بشرط أن لا تتم هذه المصالحة على حساب التاريخ. نحن قمنا برفض هذه المبادرة التي طرحت ولأسباب عدة، أهمها عدم اعتراف تركيا حتى اليوم بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها عام 1915، وبالمأساة الإنسانية التي خلفتها الدولة العثمانية بقتل وتهجير الشعب الارمني ، وبمسؤوليتها الاخلاقية والسياسية والقانونية تجاهه.

*هل تصويت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي على مشروع قرار يعتبر ما تعرض له الشعب الأرمني من إبادة عام 1915، على يد العثمانيين إبادة جماعية، هل هذا كافياً؟
بالتأكيد كانت هناك جملة اعترافات من قبل دول غربية كفرنسا والسويد والفاتيكان والدوما الروسي والاورغواي والارجنتين وغيرها بالإبادة الأرمنية وكذلك لبنان، وهو الدولة العربية الوحيدة الذي اعترف بالحقيقة التاريخية لهذه الجريمة، هذه الاعترافات في الحقيقة ليست إلاّ عملية ضغط معنوي وهو مهم، ليضع تركيا أمام مسؤولياتها التاريخية وليضع المجتمع الدولي أيضاً امام مسؤولياته ليقوم بدوره بالضغط على تركيا للاعتراف بالابادة، ولكن بالنهاية الدولة المعنية بهذا الإعتراف هي تركيا، وإن لم تعترف هي فلن تحل هذه القضية. على تركيا أن تقلب هذه الصفحة السوداء من تاريخها، عليها ان تتصالح مع نفسها ليصبح بمقدورها المضي قدماً. هذا الموضوع يعتبر شديد الحساسية بالنسبة لتركيا، بالإضافة إلى إن اعتراف تركيا بالإبادة الأرمنية يشكل خطراً على استمراريتها كدولة وعلى هويتها التركية، لأن تركيا قامت على انقاض الإبادة الأرمنية، وعلى افناء كل القوميات غير التركية التي كانت قبل الحرب العالمية تتواجد في السلطنة العثمانية لانجاح مشروعها الطوراني في المنطقة. من هنا تتخوف تركيا من الاعتراف بجريمتها لانها تعلم جيداً ان هذا الاعتراف سوف يستتبعه خطوات اخرى وهي التعويض على الشعب الارمني بكافة حقوقه السياسية. وعندما نقول حقوقاً سياسية، نعني بذلك الأرث التاريخي للشعب الأرمني من كنائس واوقاف وأراض وغيرها. لذلك نجدها تقوم بمحاولات حثيثة وتنفق مليارات الدولارات وتضغط على حكومة الولايات المتحدة الاميركية بمساعدة اللوبي اليهودي لعدم تمرير مشروع قانون يدينها في الكونغرس الأميركي ويرغمها على الاعتراف بالإبادة. هذا طبعاً بالإضافة إلى حساسية هذا الموضوع بالنسبة لتركيا، إذا أخذنا بعين الإعتبار المصالح الأمريكية – التركية أو الغربية –التركية بشكل عام، لهذا نحن نطالب الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط على تركيا للإعتراف بالإبادة الأرمنية، وذلك خدمة للإنسانية جمعاء، ونحن نقول: أنه لو تم معاقبة تركيا لارتكابها هذه الجريمة في ذاك الوقت لما شهدنا ما شهدناه اليوم من مآسي ومجازر ترتكب بحق الإنسانية، وفي قول لـ”هتلر” عندما قام بإرتكاب الهلوكست اليهودية: من منا يتذكر اليوم المجازر الأرمنية، وما عناه أن العالم ينسى، وخير شاهدُ على ما هو حاصل اليوم. ان الدول الكبرى وعلى رأسها المانيا التي كانت حليفة لتركيا، والحلفاء أمثال روسيا، فرنسا، بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وان لم تكن مشاركة بالحرب، كانوا شاهدين على المجازر الأرمنية ولم يحركوا ساكناً. لذلك أن تمرير مشروع قانون يدين تركيا في الكونغرس الأميركي هو خطوة مهمة بإتجاه الضغط على تركيا يجبرها على الرضوخ للواقع التاريخي.

*برأيك ما هو الهدف الأساسي الذي يخلق التواصل الدائم بين الجاليات والشعوب في المنطقة؟
أنا سأتحدث عن الأرمن في المنطقة وأقولها صراحة انه لولا مساعدة الشعب السوري في فترة الإبادة والشعب اللبناني والشعوب العربية الأخرى مثل مصر وفلسطين والعراق والأردن، لما كان هناك وجود للمهجر الأرمني، إذ نتحدث هنا عن ما يقارب ثمانمائة ملايين أرمني موجودون في الشتات، وهو أضعاف التعداد الأرمني المتواجد في أرمينيا الحالية. الغالبية الأرمنية كانت موجودة في الأناضول، وتم تهجيرها وقتلها، ولم ينج منها سوى القلة القليلة. مقابل بضعة مئات الالوف من الأرمن الذين كانوا يعيشون في ارمينيا الشرقية تحت سيطرة روسيا القيصرية. لقد كان الهدف من التهجير إلى جانب القتل والقضاء على العرق الأرمني هو دفع ما تبقى من الأرمن إلى منطقة وبيئة هي مختلفة ثقافياً ودينياً من حيث اللغة والدين، بحيث يتم القضاء عليهم من قبل العشائر والشعوب العربية. ولكن ما حصل هو العكس إذ تم احتضاننا من قبل الدول العربية، التي قدمت المساعدة والمأوى وبالمقابل، الشعب الأرمني هو شعب حي يتميز بالديناميكية ويمتلك ثقافة وحرفية ساعدته على التعايش والتلاقي مع الشعوب الأخرى، بحيث لم يشكل يوماً عبئاً على هذه الشعوب التي احتضنته، بل ساهم الكثيرون منهم في البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في الدول التي تواجدوا فيها، وهذا خلق التواصل بين الأرمن والشعوب الأخرى فأصبحنا جزءاً من نسيج المجتمعات العربية. أنا اليوم لا أتميز عن اي لبناني بشئ، هذا بالإضافة إلى احتفاظي بلغتي وعاداتي وهويتي القومية.

*إلى ماذا تكمن أهمية كتاب “الأرمن البحث عن ملجأ”

كتاب “الأرمن البحث عن ملجأ” يتحدث عن الأرمن الذين نجوا من الإبادة الأرمنية على يد السلطنة العثمانية في عام 1915، ووصلوا إلى دول الشرق الأوسط، بدءاً من سوريا التي كانت بحكم حدودها مع تركيا المحطة الاساسية لتجمع الناجين، ومن ثم لبنان، فلسطين، الأردن، مصر، العراق. هذا الكتاب هو من تأليف الجامعة اليسوعية لانها تمتلك أرشيفاً كبيراً للغاية عن الأرمن، ويحوي العديد من التفاصيل المهمة عن تهجير الأرمن، وكيف تم استقبالهم في لبنان. وفي الكتاب صور عن أولى المخيمات في لبنان وسوريا في العاصمة دمشق، حلب، دير الزور، الرقة، أدلب، وهو يؤرخ لتلك الفترة ويظهر بالصور تطور تلك الجماعات الأرمنية من حيث السكن في المخيمات ومن ثم البيوت المصنوعة من الخشب ومن ثم في بيوت من حجر، واليوم نراهم موزعين في جميع المناطق اللبنانية، على عكس ما يحكى أنهم يعيشون في كانتون خاص بهم، فهم الوحيدون الموزعون في جميع المناطق اللبنانية، على عكس موارنة كسروان، شيعة الجنوب، ودروز الجبل، وسنة طرابلس مثلا. فالأرمن هم في طرابلس، والجنوب والبقاع في شتوره وعنجر الذين قدموا من جبل موسى من لواء اسكندرون وهي كانت آخر مرحلة من التهجير عام 1939، والكتاب يؤرخ لتواجد الأرمن في جميع الدول العربية، وعلى سبيل المثال هناك منطقة تسمى “معان” في الأردن، كانت العشائر العربية تقوم على تزويج ابنائها وبناتها من عائلات يكون لها أصول أرمنية من ناحية الأب أو الأم، وهذا إن دل على شيء فانه يدل على ما تميزت به العائلة الأرمنية من تربية مميزة، وهذا يدل على تقارب العادات والتقاليد التي كانت تجمعنا مع شعوب الدول العربية، إن احتضان الدول العربية ساعدنا على أن نقدم ما جلبناه معنا من فكر وثقافة ومعرفة ونبدع ونساهم بإزدهار الدول التي استضافتنا، ونحن نتحدث عن البيئة العربية الحقيقية وإن كانت مسلمة، لأننا تعلمنا أن الدين الإسلامي هو دين تسامح، ولولا ذلك لما بقينا على قيد الحياة، ولولا ذلك لما ساعدتنا هذه البيئة على الإستمرار.
*شارف الوقت على الإنتهاء، الكلمة الأخيرة؟

أشكركم على هذا العمل المهم. هذه المبادرات تساعد على التقارب وفهم الآخر. إن الأرمن هم نموذج للتعايش والأبداع لكل الشعوب التي تعيش بالمنطقة، بغض النظر عن الإنتماءات الدينية والمذهبية المتعددة الموجودة فيه، ونتمنى أن يقتدى به، لأننا بالنهاية سوف نعيش معا نتشارك نفس المصير. فمع مرور الوقت أصبحنا جزءاً من أرض لبنان، وأخذنا العديد من عاداته وتقاليده، وأنا شخصياً أحب لبنان، ولا افكر بتركه.

فريال دبوق 

مجلة “كواليس” اللبنانية، عدد خاص عن الذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

Share This