لقاء مجلة “الكواليس” مع الشاعر والأديب والصحفي هامبيك مارديروسيان في العدد الخاص عن لذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

وبعد قرن كامل من الجريمة النكراء يطالب الأتراك بالاعتراف بالعمل المشين الذي قام به أجدادهم لتعم العدالة وتعود الأرض: رئيس تحرير جريدة “خوسناك” الشاعر والأديب والصحفي هامبيك مارديروسيان

يجادل طبيعة النسيان، يتقمص دور الأطياف، يزور مدن التوت، يمارس حصاد الذكريات، يجمع الحكايا كصفير ودخان، حتى لا يكون مجرد تاريخ يكتب في لوح المنسيين، من مواليد زهرة الياسمين “أرمينيا”، كان موجها تربوياً ومديراً لسنوات عدة، رئيساً سابقاً للجمعية الخيرية العمومية الأرمنية في لبنان، وحالياً رئيس تحرير جريدة “خوسناك”، الجريدة الرسمية للجمعية الخيرية العمومية الأرمنية في لبنان منذ ثمان سنوات، كما أنه المسؤول عن الشؤون الأرمنية في الجمعية، وله مقولة دائمة ” إن الثقافة هي وليدة الفكر والروح” له مؤلفات عدة بلغ تعدادها الثمانية، إنه الشاعر والأديب والصحفي هامبيك مارديروسيان، الذي كان لنا معه هذا اللقاء الشيق والغني…

*جريدة “خوسناك” هل لكم أن تحدثونا عنها؟

جريدة “خوسناك” وهي الجريدة الرسمية للجمعية الخيرية العمومية الأرمنية في لبنان، الناطقة باللغة الأرمنية، وأنا رئيس تحريرها منذ ثمان سنوات، وتعنى بالشأن الأرمني في جميع الأصعدة الإجتماعية، والثقافية، والإنسانية، وهي تصدر شهرياً بإنتظام، وتوزع في أرمينيا، وتقريباً في جميع المؤسسات للجالية الأرمنية، بالإضافة للشخصيات الهامة في المهجر.
* ما هو الفارق الذي يجعل من الجمعية الخيرية الأرمنية ذائعة الصيت ومشهورة جداً وموجودة في كل بيت وعلى كل لسان بينما تجد جمعيات أخرى مغمورة؟ هل يعود ذلك إلى أنه لديها تقديمات معينة؟

الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية جمعية أرمنية بامتياز. أُسست عام 1906 على سواحل النيل في القاهرة، بمبادرة من إحدى أهم الشخصيات في الدولة آنذاك – بوغوص نوبار باشا ومجموعة من الشباب الوطنيين، وذلك لمدّ يد العون للشعب الأرمني. خلال السنوات الـ 108 التي خدمت فيها الأرمن، قامت الجمعية بأعمال إنسانية عظيمة على الصعيد الإجتماعي والإقتصادي والصحي والتربوي بدون أي تمييز. كانوا رؤوساء الجمعية حريصون ويملكون بعد النظر، كانوا أهل إيمان ورؤيا، فقد رأوا وشعروا بمعاناة الشعب الأرمني والمخاطر التي تهدّده في عام 1906 وأسسوا الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية من أجل تخفيف ألآم الشعب الأرمني، وتضميد جروح شعبنا والقيام بالأعمال الخيرية.
ومع مرور الوقت، دعم قادة الجمعية لشتات شعبنا، في المقام الأول في أرمينيا الغربية وكيليكيا – التي قامت تركيا بغزوها – ومن ثمّ أثناء الإبادة الجماعية. كانت السنوات التي تلت الإبادة مصيرية بالنسبة للجمعية. ففي تلك الأيام الصعبة، كان لا بدّ من أحدٍ يمدّ يد العون لأبناء شعبنا التعساء من الأرامل المهجّرين والأيتام، المشرّدين والجوعى في الصحارى السورية أو غيرها من الأماكن. كان لا بدّ من أحد يجمع الأيتام الأرمن المهجّرين، ويمسح دموعهم ويضمّد جراحهم. في هذه الفترة، بدأت الجمعية بأعمالها الخيرية وأمّنت الأكل والدواء والكساء للأرمن المهجّرين لتأويهم. بَنَت مراكز للاجئين ومشافي، مستوصفات ودور أيتام ومدارس في كل من سوريا ولبنان ومصر واليونان وقبرص وفلسطين. لاحقاً، عندما أصبحت حياة المهجّرين طبيعية نوعاً ما، استمرّت الجمعية في رسالتها وفتحت مراكز شبابية ثقافية ورياضية ومدارس عصرية من أجل الجاليات الأرمنية. ويجب أن أضيف أن هؤلاء القادة لم يسعوا وراء المناصب أبداً. كان همّ هؤلاء القادة الوحيد هو الشعب والشباب. فلِعشرات السنين، استمرّوا في دعم العديد من الجامعات، ومنحوا حق التعليم المجاني للمحتاجين في الجامعات التي أنشؤوها وقدّموا لهم منح جامعية أينما تواجدوا. باختصار، استمرّت الجمعية عبر السنوات في النمو كالشجرة بفضل نشاطاتها النزيهة والصادقة، فامتدّت جذورها ونمت فروعها. حالياً، للجمعية فروع في أكثر من 24 بلداً، وبلغ عدد أعضاءها خمسة وثلاثون ألف عضواً. ها هو سرّ نجاح واستمرارية الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية.

* كيف يمكن للثقافة أن تكون الجسر الذي يربط الحضارات المختلفة ببعضها البعض؟

بالنسبة لي، الثقافة هي الحياة، ولكل يوم معنى، فالثقافة تولد من الإنسان لتخدم الإنسان. أريد أن أقول أن الثقافة هي وليدة الفكر والروح، سيمفونية من القيم تُظهر في آن واحد مستوى تطور الإنسان والإنسانية. يجب أن ندرك بأن لكل إنسان ولكل شعب خاصية إيديولوجية، وعرف وتراث وطابع وعادات وتقاليد. كلّ هذه تخلق معاً الثقافة، بدءأً من العصور التاريخية لتذكّرنا بأنّها غذاء الروح وهي شيء أساسي لأي شخص عقلاني وكذلك للإنسانية أجمعين. أريد أن أضيف أن الثقافة هي الشاهد على تاريخ وماضي أي شعب أوعرق، فهي تولد مع الشعب وتنمو معه لتصل إلى أيامنا هذه فتربط القديم بالجديد. وبالتالي، فيما يخص الشعوب، العلاقة التي تنشأ عبر الثقافة، تربط بين الشعوب وتزرع بينهم الاحترام والحب المتبادل وتجعل منهم مع مرور الزمن أصدقاء مخلصين دون التمييز ما بين اللغة أو الديانة أو العرق، فتخلق لوحة فسيفسائية جميلة، طبعاً إن أدركنا أن الثقافة مزيج من القيم الإنسانية والروحية.

*الشاعر والأديب السيد هامبيك، هل لك أن تحدثنا عن أخر دواوينك الأدبية؟

سأتحدّث عن أعمالي الأدبية ودواويني في الفترة الأخيرة. عام 2012 م نشرت ديواناً شعرياً بعنوان “ضفّتان”. قبل ذلك كنت قد نشرت ديواناً بعنوان “حنين وعزاء” عام 2010م. أما عام 2008م، نشرت ديواني “دمعة وابتسامة”. حالياً أعمل على كتابي الجديد الذي سوف يصدُر خلال الشهرين القادمين. بالإضافة إلى أن عملي كمحرّر وصحفي يتطلّب الكثير من الوقت ونتيجة لذلك، تتأثر أحياناً أعمالي الفنية والأدبية.

*ما مدى إنعكاس الإبادة الأرمنية على أدب وشعر السيد هامبيك مارديروسيان؟

لا يوجد أرمني على وجه الأرض لم يتأثّر بالإبادة الجماعية. تصوّروا، لقد قتلوا والد ووالدة جدّي واخوته السبعة وزوجته وطفله أمام أعينه، لكن لم يقتلوه لأنه كان طحّاناً. كانوا بحاجة إليه ليستفيدوا من خبرته. لكن في كل مرة، كان جدي يقول بألم كبير: “يا ليتهم قتلوني أنا أيضاً، كي لا أتذكّر تلك المأساة الرهيبة وذبح أهلي وأولادي”.
كلّما تحدّث جدّي عن هذا، كان يصاب بالعصبية ويمرض لأيام. تزوّج جدّي بعد ذلك وأصبح أباً لأولاد ومع أنه استمرّ في العيش لم يبتسم أبداً. كان دائماً حزينا والدمعة حاضرة في عينيه. كيف كان بإمكانه أن ينسى. أما أنا، كحفيد جدي الطحّان، الإبادة موجودة في كتاباتي دائماً، لكنني لست متحاملاً أبداً. اليوم وبعد قرن كامل من تلك الجريمة النكراء ضد الإنسانية، أطالب الأتراك بالاعتراف بالعمل المشين الذي قام به أجدادهم، لتعمّ العدالة وليُرجعوا للشعب الأرمني الأراضي التي احتلّوها وليعوّضوا عن دم مليون ونصف من الشهداء الأرمن. من البديهي أن لا نستطيع أن ننسى الإبادة، فالنسيان سوف يعني قتلهم واستشهادهم مرة ثانية.

*الكلمة الأخيرة؟

ـ شكراً لرئاسة تحرير جريدة “كواليس” من أجل هذه المقابلة، وبالطبع شكراً لكم شخصياً لإهتمامكم بأرمن لبنان، وفي هذه الحالة بنشاطات الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية. فرئيسها السيّد جيراير توفينكجيان يشجّعنا على بناء الجسور مع الصحافة اللبنانية العربية وممثلوها، لكي تكون لنا صلات متبادلة. كانت هذه بداية جميلة. أتمنى أن تستمرّ هذه العلاقة الطيّبة.

فريال دبوق

مجلة “كواليس” اللبنانية، عدد خاص عن الذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

Share This