لقاء مجلة “الكواليس” مع الصناعيين سركيس طوروسيان وشاهي ايمسرونيان وملكون تشاكريان في العدد الخاص عن لذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

نعمل بالحقائب والأحزمة الجلدية الرجالية منذ نصف قرب سركيس طوروسيان: ما نعيشه اليوم من مذابح هي الأخطر علينا ولا نعرف مصيرنا بعد لحظات!!
طلوع السلم صعب جداً لكن النزول عنه يكون سهلاً وسريعاً عدم مساعدة الصناعيين تسبب بأقفال العديد من المعامل حركته دائمة ومتواصلة، في عمله وفي ملامحة التي تنم عن إنسان لا يعرف السكون ولا الا الإستسلام، حيث ورث بجيناته مواصفات شعب من أبناء جلدته تميز بالفعل أكثر من القول، شعب تعرف لإبادة هي الأقسى عبر التاريخ الإنساني فتحدى بالعمل ليثبت أنه شعب جدير بالحياة التي لا تعترف إلا بالأقوياء، لكن سركيس طوروسيان النشيط في عمله يتميز بإرتفاع الصوت رافضاً لكل خطأ يراه، وهو الذي تربى على الإبداع والعطاء بصمت أكثر فعالية..

في مكتبه التقينا عشية الذكرة الـ 99 للمذبحة التي تعرض لها أهله وشعبه، لنتعرف على كيفية تحديه وإثبات وجوده في غابة لا ينجو من اخطارها إلا كل قوي..

*بداية كيف نتعرف على السيد سركيس طوروسيان؟

أعمل بصناعة الجزادين والأحزمة الرجالية وكل ما يتعلق بالهدايا للمؤسسات من بنوك وشركات خاصة وعامة، وقد سبق أن صنعت لدار الإفتاء طاولة مستديرة تميزت بإضافات جلدية تم استعمالها في أحد إحتفالاتهم، كما نرسم على الخشب صور ولوغيات وأشكال وعبارات مطلوبة، وبألوان جميلة تناسب المكان الذي ستوضع فيه. وقد أنجزنا الكثير من القصور والبيوت الفخمة في الخليج والدول العربية، ومنها صالات مهمة في دولة قطر، بحيث طبعنا على الجدار رسومات وعبارات باللون الأخضر والزيتي والأحمر.

*من أين تأتون بالجلود لصناعتكم؟

إضافة للبنان نستورد الجلود من اسبانيا وإيطاليا.

*لكن المدابغ تشكو من أزمة جلود في لبنان، بسبب قوانين مجحفة متعلقة بالإستيراد والتصدير؟

صحيح الجلود قليلة في لبنان لعدة أسباب منها تصديرها لبلاد لا تسمح قوانينها لنا بالإستيراد الجلود منها، لذلك نشتري من مصر أو تركيا أو السعودية الجلود المطبعة الجاهزة، وهنا يتم إنجاز المراحل النهائية لها.*ماذا تخبرنا عن السوق في هذه الفترة؟
بدأنا منذ أكثر من 43 سنة بمحل قبل الحرب الأهلية في العازارية وشارع المعرض ومن ثم في بحمدون، كنا نبيع الأحذية والجلديات، كلفنا ترميم المحلات الكثير، لدرجة أدخلنا في ديون أثرت على متابعة عملنا الذي تعرض نتيجة القوانين والأزمات إلى العديد من التعثرات، وقد بعنا الكثير من املاكنا وما زلنا نبيع حتى نتخلص من تراكم الديون، والسوق واقف وسيء.
*كيف ترى المستقبل الإقتصادي للبلد؟

لا يوجد شيئاً، اليوم تمشي تجارة البشر أكثر من أية تجارة أخرى، وليس من حل في الأفق.
*كان اعتمادكم على الخليج واليوم هناك قطيعة؟

صحيح كنت أيضاً اعمل على السوق الفرنسي، اليوم لا شي، كل المحلات ذات الأسماء اللامعة والكبيرة مخنوقة من دون تسميتها، البعض منها يؤجرون للسوبرماركت. حتى أثناء الحرب الأهلية لم نصل لمثل هذه الحالة، كنا كمعامل نصدر للخارج ولكن مع تتابع الأزمات توقفت المعامل المملوكة غالبيتها من الصناعيين الأرمن الذين كان لهم كبير الأثر في تنشيط الصناعة اللبنانية. لكن ونتيجة للحرب الأهلية التي فصلت المناطق عن بعضها البعض وجعلت لكل منطقة أو طائفة استقلالها بإحتياجاتها حصل أن الذين كانوا يعملون في معامل الأرمن من الشيعة والسنة، يعودون إلى مناطقهم ويفتحون معامل مشابهة في طرابلس أو الجنوب مما سهل على الزبائن الشراء من تلك المعامل، فلم يتلكفوا عناء الحضور إلى منطقة برج حمود لأن المعامل أصبحت في مناطقهم، هذا إضافة إلى أن البنوك لا تدعم الصناعيين مالياً، حتى بعنا كل ما كان عندنا من أملاك، وأصبحنا نعطي بضاعة بالدين، وإذا لم يدفع الزبون نضطر لبيع أملاكنا لسد ديوننا وحصل للأسف ما حصل.
*هل أثر إستيراد البضائع المختلفة ومنها الجلدية من تركيا والصين؟
أكيد أثرت البضائع المستوردة من تركيا الصين الهند على الصناعة اللبنانية وسببت توقفها تقف، لا نجد عاملاً وإذا ما وجدنا يطلب إيجاراً مرتفعاً، نفضل أن نعمل بأيدينا لنوفر ما يطلبه العامل وهذا ما يحصل معنا, طلبنت من سوري يخيط لي بمائة ليرة ولكنه يريد أكثر من مائة دولار ففضلت أن أقوم بنفسي خاصة أنه لا يوجد عمل والوقت كبير.

*برأيك لبنان إلى أين؟

إلى الطفر، لقد أنتشرت السرقات وبطريقة حديثة جداً، مؤخراً خرجت من بنك عودة وفي جيبي 6910 دولارات أميركيو، في الطريق أستوقفني أحد الأشخاص “وأظنه تركي الجنسية” سألني عن الطريق إلى طرابلس، وقال أريدك أن تصرف لي 100 دولار، فقلت له: “آسف لا يوجد معي”، فقال: “ولو رجل طويل عريض ليس معه 100 دولار”، أستفزني فأخرجت من جيبي المبلغ كاملاً ليرى بأنه لا يوجد معي صرافة 100 دولار، فما كان منه إلا أن قطع المطاط الذي يربط المبلغ فأخذته سريعاً وذهب هو وعندما أعدت عد المبلغ وجدته ناقصاً 2600 دولار، هكذا بكل بساطة”.. بصراحة أحياناً يقع الإنسان في مطبات غير محسوبة.
*نحن اليوم عشية الذكرى الـ 99 لمناسبة المذابح التي تعرض لها الشعب الأرمني؟

الذكرة مؤلمة جداً، لكنها أصبحت من الماضي وعاش اجدادنا الكثير من المآسي وأهلها حملوا آثارها وما زلنا، لكن الأخطر علينا اليوم هو ما نشهده من مذابح جديدة، اليوم تحصل مذابح نقف أمامها من دون أن نعرف مصيرنا، الآن نتكلم – أنا وأنت – مع بعضنا البعض، لكن بعد دقائق لا نعرف ماذا يحصل وأي إنفجار ينتظرنا أو سنكون ضحيته؟!! باختصار أقول لك: نظام الكون أن كل شي يكبر سيأتي يوماً يصغر فيه، الحرب الأهلية جعلت ناس تخسر كل شي، وأخرون برزوا وكبروا، يعني هناك سلم، الطلعة عليه صعبة ولكن النزول يكون سريعاً، الدنيا درجات.

*أنت في أي مرحلة؟

أنا تحت تحت لآنه لا أحد يمسك بيدي. الأنانية صفة الإنسان بشكل عام، عندما تكون غنياً قوياً الكل يحترمك، والعكس صحيح.

*كلمة أخيرة؟

الله يساعدنا من الأعظم.

لقاء مجلة “الكواليس” مع شاهي ايمسرونيانفي العدد الخاص عن لذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

نحن الصناعيون لدينا رؤية مختلفة وأفضل وأنجح من السياسيين
صاحب مدبغة ايمسرونيان الأستاذ شاهي ايمسرونيان:

ما عشناه كأرمن من تشرد وعذاب يجب أن يكون عبرة للشعب اللبناني
مسؤولية تراجع الصناعة تقع على السياسيين الأقوياء بتبعيتهم لطوائهم وأحزابهم
متمرد، ثائر إلى درجة الغضب على كل ما يراه من مشاهد يومية وما يحسه من عدم أمان ليس فقط على المال والأملاك بل على الإنسان المعرض لأخطار محدقة به من كل جانب يضاف إليها قتل الصناعة – عمداً أو جهلاً – التي كانت وما تزال من أسس قوة الأوطان. لذلك كان شبه محبط وهو الذي بنى وأهله من الشعب الأرمني قلاع إقتصادية عبر الصناعة والمعامل المنوعة الإنتاجية ما جعل لبنان يواجه الكثير من الأزمات الإقتصادية.
اليوم الأمر مختلف، والظروف تسير بالصناعيين نحو هاوية لا يعرف أحد قرار ظلمتها إذا لم يتم تدارك الوضع وإنقاذه، هذا ما يحذر منه الأستاذ شاهي ايمسرونيان صاحب مدبغة ايمسرونيان في منطقة برج حمود التي تضم معه العديد من المواطنين الأرمن المعروف عنهم حبهم للتعاون والتعاون مع بعضهم وتعصبهم لبنى قومهم، عن ذلك يشرح لنا الأستاذ شاهي ايمسرونيان، قائلاً: صحيح، كان اجدادنا وأبائنا متعصبون لبعضهم البعض، وذلك نتيجة المرحلة الصعبة التي مروا بها، كان ذلك كردة فعل، أما جيل أولادنا الذي يعتبر الجيل الرابع، فهو ليس متطرفاً وإن كان لا زال يحس ويشعر بالظلم الذي تعرض له الشعب الأرمني في بداية القرن الماضي.

*نحن على أبواب الذكرى الـ99 للمذبحة الأرمنية، ماذا تحمل من ذكريات مسموعة من الأهل؟
كل الشعب الأرمني يعرف بشكل أبو بأخر ما حصل، والدتي من مواليد لبنان، والدي جاء إلى لبنان عام 1920، وعمره سنتان، كانوا يقصون علينا أن جدتي لوالدي طعنت في ظهرها، وهي من أضنا، جدتي لوالدتي كذلك من أضنا بعض عائلتها جاء إلى لبنان وشقيقاتها ذهبن إلى أوروبا.

*برأيك ما أثر هذا التشرد على الشعب الأرمني؟

شخصياً أرى أن ما حصل من تشرد وعذاب يجب أن يكون عبرة للشعب اللبناني، هذا ما أقوله وما كنت أسمع أبائي وأجدادي يرددونه: “خذوا عبرة من الشعب الأرمني لا تستهينوا بوطنكم، لا تتركوا للخلافات بينكم أن تأخذ بكم إلى دمار بلدكم”، فعدم الإدراك عند شعبنا الأرمني جعلهم لا يعرفون إلى أين سيذهبون، فتهجروا وتوزعوا في جميع بلدان العالم. مع أن كل فرد من الشعب الأرمني والحمدلله استطاع أن يحقق ذاته وأن يكون فاعلاً في أي مكان سكنه، لكننا كشعب أرمني ما زلنا نعاني من ضياع وطننا وتشردنا نتيجة بعض التصرفات الخاطئة، ونحن اللبنانيون علينا أن نستفيد من هذا الدرس.

*رغم ذلك للأرمن دور مهم في نهضة الاقتصاد اللبناني؟

الأرمن شعب مميز بمهنيته وطموحه وصاحب مصلحة، لديه القدرة على المثابرة وبالتالي العنفوان الشخصي والحاجة والمأساة جعل هذا الشعب مميزاً حتى لا يحتاج أحداً.
*كصناعيين لبنانيين نجد أن الصناعة هذه الأيام تشهد تراجعاً كبيراً، برأيك لماذا؟
لا تشهد تراجعاُ بل أصبحت صناعة “مهرية”، والسبب عدم وجود سياسة اقتصادية ولا سياسة صناعية، ولا مثابرة ولا متابعة، غابة وفلتانة.. بإختصار كل صناعي متروك لأن يقلع شوكه بيده. في بلاد أخرى نرى اهتمام وحماية للمواطنين وللصناعة من العديد من المؤسسات وليس شرطاً أن تكون الدولة، فنحن اللبنانيون من عيوبنا أننا نرمي كل شيء على الدولة.

*وبرأيك من المسؤول غير الدولة؟

المشكلة بالتراكمات التي لم يعد لها حل معقول، هناك مسؤولية على السياسيين الأقوياء بتبعيتهم لطوائهم وأحزابهم، لكنهم للأسف يفتقدون إلى الحس والإنتماء الوطني.. وهذا السبب الأساس للمشكلة الأول.

*هناك سوء تنظيم بالنسبة للقوانين المتعلقة بالإستيراد والتصدير، ما مدى الضرر اللاحق بك كصاحب مدبغة معنية بالجلود المسموح تصديرها لبلدان لا تسمح قوانينها بالإستيراد منها؟
أنا متضرر من كل النواحي وليس فقط من القوانين، متضرر من السوق المحلي الذي انعكس كثيراً على عملي، والحل المفروض علينا هو أن كل واحد عليه أن يقلع شوكه بيديه، في الوقت الذي يحتاج الصناعي أن يعيش في أمان لعدة سنوات، نحن للأسف من الآن وحتى ربع ساعة لا نعرف ما قد يحدث لنا أو للبلد. لا نعرف إذا كنت ستصلين إلى مكتبك أو لا؟!!

*كان هناك مشروع تجميع المعامل والمصانع في مناطق خاصة، ما الذي أخره؟
في التسعينات كان هناك مشروع نقل كل الدباغات من بيروت إلى منطقة صناعية واحدة كانت بداية في سلعاتا بالبترون ثم غيروا إلى الشويفات، وفي النهاية قرروا نقلها إلى عكار – أظن في عهد معالي وزير البيئة أكرم شهيب- قلنا له يومها، يا معالي الوزير تقترحون عكار، من الذي يضمن لنا الأمن في عكار؟!!، لأننا كصناعيين نحتاج لضمان أمني لأكثر من عشرين سنة حتى يكون لإستثمارنا جدوى وليس لسنة أو سنتين، وقد أزعجه كلامنا لأن الأمن كان مستتباً في لبنان، ولكن كان عندنا شك بالأمر، واليوم البرهان الكبير. الوطن والصناعة يمران بأزمات كبيرة، ومن افرازاتها البطالة، والتي ليس من حل لها سوى الاهمتمام بالصناعة القادرة على تشغيل اليد العاملة وإراحة البلد من الكثير من المشاكل الاجتماعية، نحن الصناعيون لدينا رؤية مختلفة وأفضل وأنجح من السياسيين. نحن على المدى البعيد نخطط ونعطي الحلول.

*ما الحل الذي تراه اليوم؟

أن يتفق كبارنا مع بعضهم البعض، ومن ثم إعادة النظر بالصناعة والصناعيين وتنشيط هذا القطاع بقوانين تدعمه وتقويه وليس قوانين تضعفه وتنهيه، وإلا طبق علينا المثل القائل:” ويل لأمة تأكل ما لا تزرع وتلبس ما لا تصنع” لذلك نطالب كصناعيين بقطاع الجلود أن يتم حماية الجلود من التصدير عشوائياً وأذكر أنه صدر قانون بحمايتها منذ عشرين سنة، لكنه بقي حبر على ورق.

*لبنان إلى أين، إقتصادياً؟

طالما يتبع كل فريق منا لفلان وآخر لعلان، نحن ذاهبون للخراب بل نحن في الخراب. لا نختبيء وراء اصبعنا طالما لا توجد الروح الوطنية فلن يكون هناك الوطن الذي نريده، والعجيب بالأمر أن اللبنانيين بالخارج يحبون بعضهم البعض بينما هنا داخل الوطن نختلف لدرجة التدمير.

*كلمة أخيرة؟

ذكرى المذبحة الأرمنية اليمة جداً، لكن ما يحصل اليوم أكثر وجعاً.

لقاء مجلة “الكواليس” مع ملكون تشاكريانفي العدد الخاص عن لذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

السياسة الإقتصادية المتبعة في لبنان حالياً تهرب الإستثمارات الكبيرة التي بدأت تبحث عن أماكن أخرى خارج لبنان: ملكون تشاكريان صاحب مدبغة تشاكريان.

بعد أن أنتهت الأحداث في لبنان عملوا المستحيل حتى لا نتقدم كصناعيين
الديانات السماوية ظهرت في منطقة صغيرة وجميعها تبشر بالمحبة وبالسلام، ولكنها المنطقة الأكثر قتلاً وكراهية هاجرنا من بلدنا وجئنا إلى لبنان فتغير كل مستقبلنا
لا احمل أي نقمة ضد الشعب النركي، لكن يبقى السؤال الأهم: متى الدولة التركية ستعترف بحقوقنا؟!!

كما اسلافه واجداده وبنى جلدته.. مهني من الدرجة الأولى، مخلص لعمله وصنعته بدرجة ممتازة تؤهله كما كل الصناعيين الأرمن برفد الإقتصاد اللبناني ودعمه وقيامته رغم كل الأزمات التي مر ويمر بها، ولكن للأسف ليست الأزمات هي التي أثرت وتؤثر على الصناعة اللبنانية، ولكن الأكثر تأثيراً في تراجعها هم القائمون عليها والذين لا يشكلون أية حماية للصناعيين المتروكين وحدهم في مهب العواصف التي أكلت الأخضر واليابس، ولم تبق حتى الأمل..

رجل الأعمال اللبناني ملكون سيمون تشاكريان صاحب مدبغة تشاكريان، رأى في حوارنا معه حول الذكرى الـ 99 للإبادة الأرمنية ان العديد من الأرمن كما كل اللبنانيين بدأوا يفكرون بنقل أعمالهم إلى دول أخرى حفاظاً عليها، لأنه لا يوجد في لبنان من، أو ما يحميها من الإنهيار الذي وصلت إليه وبجدارة…

*كيف نتعرف على السيد ملكون سيمون تشاركريان؟

ملكون سيمون تشاكريان، ولدت في لبنان وكذلك والدي، جدي وجدتي أتيا من تركيا – كليكيا، كأكثرية اللبنانيين الذين تهجروا عن طريق دير الزور إلى لبنان، تزوجا هنا في لبنان، جدتي أصلاً من منطقة “كسكين معدن” يعني “معدن حاد” والدها وخالاتها ماتوا في المجزرة، هي وأمها وأخيها بقيا أحياء بالصدفة، ذهبوا إلى اسطنبول وبعد سنة حملتهم البارجة الفرنسية إلى لبنان، أخوها مات في لبنان، وعندها أخت هاجرت إلى فرنسا من أسطنبول، والتقت مع جدي الذي كان من ضيعة اسمها “اكشهير” يعني المدينة البيضاء، كذلك أضاع جدي ووالده، أمه وأخوته حيث فصلوا الرجال عن النساء، كل منهم ذهب في طريق، وعن طريق الصدفة التقوا جميعاً في لبنان، فاكتملت العائلة، جدي تعرف على جدتي وتزوجا، والدي ولد في لبنان أما والدتي من مواليد قيصري وسكان اسطنبول – تركيا، تعرفت على والدي أثناء زيارة لها إلى لبنان في بداية الستينات، وتزوجا.

*ملكون تشاكريان ماذا حمل من المجزرة؟

جدتي كانت تحدثنا دائماً كيف حصلت المجزرة وكيف وصلوا إلى لبنان، وكيف عاشوا، حكت لنا عن أختها التي تزوجت في تركيا وعندما جاءت إلى لبنان كانت حامل وعندها ولدين ماتا من المرض في الكرنتينا، وماتت هي عند الولادة، وبقي طفلها، ولكن لعدم وجود المال لشراء الحليب، كانوا يدقون له اللوز مع السكر ليمصه، عاش 15 يوماً ثم مات، هذه قصة من قصص كثيرة عاشها شعبنا بالفقر والحاجة والموت.

*عندما كنت تسمع مثل هذه القصص بماذا كنت تشعر؟

شخصيا ليس عندي نقمة كبيرة ضد الأتراك كشعب، لأنه قرار كان من الحكام وليس الناس، السياسة هي التي تسببت بكل ما حصل من إبادة وعذاب ومذابح. فالمشكلة مع الدولة التركية وسياستها. يجب ان تعترف بحقوق الشعب الارمني.
*ما هو الدرس الذي تعلمه الأرمن مما حصل؟

هاجرنا من بلدنا وجئنا إلى لبنان فتغير كل مستقبلنا، ولكننا لا نعرف إذا كنا سنكون أفضل أو أسوأ مما نحن فيه لو بقينا في بلدنا، بالتأكيد التاريخ تغير بسبب هذه الهجرة، لكن يبقى السؤال الأهم: لماذا تهجرنا؟!! وما زالت نفس المظالم تطبق في منطقة الشرق الأوسط بسبب الدين والقومية، الأتراك لم يهجرونا ويذبحوننا بسبب قوميتنا فقط ديننا كان السبب الاساسي، واليوم بعد 100 سنة تتكرر المأساة لأن الظالم في هذا العالم يمكنه للأسف أن يفعل ما يريد من دون أي حسيب أو رقيب.

أحد المذيعين في التلفزيون الفرنسي كان يتحدث عن الشرق الأوسط بأن الديانات السماوية الثلاثة ظهرت في منطقة صغيرة وجميعها تبشر بالمحبة وبالسلام، وفي ذات الوقت نأخذ منطقة الشرق الأوسط فنرى أنها المنطقة الأكثر قتلاً وكراهية، ما هذا التناقض.
*لماذا برأيك؟

السبب كشعوب ليس من مشكلة مع بعض بل لعبة سياسة ترسم هذا المسار المأساوي.
*الأرمن هم الأكثر إرتباطاً بتراثهم وتاريخهم وعاداتهم هل سبب ذلك ما تعرضوا له من مآسي وهل سيخف ذلك مستقبلاً؟

كان ذلك بالماضي، لم يعد ذلك ظاهراً في الجيل الجديد، أنا من الجيل الثالث ما زلت أحمل الكثير من العادات والتقاليد، لكن الجيل الرابع الذي هو أولادنا قد لا يحمل ما حملناه من معايشة لمأساة المجزرة، وسيكون إنتماؤه الأقوى للبلد التي يعيش فيه. شخصياً أحب المحافظة على تقاليدنا، خاصة أن جذورنا كشعب أرمني هي الأقدم، وهي ممتدة بالتاريخ لأكثر من 3000 سنة قبل الميلاد، وهذا فخر لنا يجب أن نستثمره كما الحضارات اليونانية والإيرانية تاريخ عريق وحضارة قديمة، واليوم بعد العذابات يوجد لدينا دولة في أرمينيا، حتى ولو كانت صغيرة، لكنها مركز إنتماء مهم بالنسبة لنا، أمل للمستقبل.

*لديكم أمل عودة الأرض كما كانت قبل الاحتلال؟

من الصعوبة أن تعود الأمور كما كانت، عندنا أرض في أرمينيا، ذهبت وزرتها، لكننا من الصعب ترك لبنان بلدنا الذي ننتمي إليه.

*لو خيرت هل تعود إلى أرمينيا؟

أنا لبناني، كأرمن في لبنان لا نشعر بإنتماء لغير لبنان، فقط نشعر بالقلق ككل المواطنين اللبنانيين نتيجة الوضع الحكومي والأمني وما شابه.

*نلاحظ أن للأرمن دور كبير في ترك بصمات مهمة في البلدان التي هاجروا إليها، وإلى أي مدى أثرت المهنية الأرمنية على النهضة الإقتصادية اللبنانية؟

كأرمن كان للأرمن فضل كبير في مجال الصناعة والفنون، لكن المشكلة في لبنان أن كل الحكومات التي جاءت بعد الحرب الأهلية لم يشجعوا الصناعة، دائماً كانوا ضد الصناعة على حساب السياحة. قد يكون ذلك بالسابق سياسة صحيحة، لكنها برهنت اليوم أنه إذا ضعفت السياحة وليس عندنا صناعة، يصبح وضع البلد مأساوياً كما هو الآن. ونحن الأرمن تضررنا كثيراً لأننا كصناعيين كنا أكثر المتضررين مما اضطرنا لاقفال المصانع، وهذا ليس سهلاً لأن بناء المصنع يحتاج لمال ووقت حتى يعمل ويصبح منتجاً، المعمل ليس كغيره من الاستثمارات الأخرى، لأنه يحتاج لسنوات وإذا ما تم إقفاله يحتاج لسنوات طويلة لإعادته. لذلك نجد الكثير من الأرمن هاجروا مرة ثانية لأنهم فقدوا الأمل، فالصناعي الذي يقفل معمله يفتش عن مكان بديل يعوض عليه خسارته.

*ما هو عملكم؟

في دباغة الجلود، أسسها جدي وأنتقلت لوالدي، وأنا الجيل الثالث الذي يعمل فيها، وهي أقدم دباغة في بيروت وقد تكون الأقدم في كل لبنان. والدباغات من المصالح التي بدأها الأرمن وحافظ على بقائها بحيث أقفل الجميع، فبرج حمود كان بالماضي مشهوراً بصناعة الأحذية والمجهوهرات، وأظن حالياً أن صناعة الأحذية تقريباً قد ماتت.وبقينا الدباغة اليتيمة من كل الدباغات التي كان اصحابها ارمن.

*لماذا؟
إنها سياسة الحكومة، بعد الأحداث انخفض الجمارك على الأحذية بشكل كبير، مما نشط الإستيراد، وقد تحدثنا وتابعنا الموضوع مع العديد من المعنيين لكن أحداً لم يحل قضية، نحن ثلاث ملايين نسمة، يدخل إلى لبنان أكثر من عشرة ملايين زوج أحذية كيف يمكننا أن نستمر في ظل عدم وجود جمارك ولا حماية من الدولة لصناعتنا ولا بأي شكل، إضافة إلى ذلك عندما فتحت المولات اصبحت تستورد الماركات العالمية الكبيرة ذات الرأسمالات الكبيرة، معمل الأحذية اللبناني برأسماله الصغير لم يستطع منافسة الماركات الكبيرة برأسمالها الضخم، لم يستطع التجار اللبنانيين التلائم في هكذا وضع. فمنذ العام 2007 شهد لبنان إنهيار صناعة الأحذية. ونحن بكوننا أول السلسلة نمول معامل الأحذية التي كانت تبيع الخليج والسوق المحلي الداخلي اصابنا الضرر الكبير، فإذا أنهار زبائننا بالطبع نحن أول المتأثرين بذلك. فبعد أن أنتهت الأحداث في لبنان عملوا المستحيل حتى لا نتقدم كصناعيين، على المدى القصير لم نتأثر ولكن مع مرور الوقت شعرنا بأننا لا نستطيع تعويض ما خسرناه، بعني بدأنا بالانهيار الذي وصلنا اليوم إلى أقصى درجاته، ولا نستطيع انقاذ شيئاً، بالكاد يستطيع كل منا أن يحمي رأسه. والقادم ليس افضل لصناعتنا، فنحن كصناعة الأحذية والجلديات في الثمانينات كنا من أهم الصادرات إلى الخارج في لبنان، وكنا أهم المنافسين بالشرق الأوسط كنوعية وكانتاج. قررت الدول المجاورة لنا منع تصدير الجلديات منها حتى يحموا صناعتهم، توجهنا للدولة وطلبنا منها حمايتنا كما تفعل الدول الأخرى، كل دول الشرق الأوسط تمنع تصدير الجلود الخام الطبيعية من عندها، هم يحمون الجلود في بلادهم في الوقت الذي لا يوجد عندنا أي قانون يحمينا، طلبنا أن يعاملونا بالمثل أو تجد الدولة حلاً آخر حتى تحمينا، فنحن لا نستطيع أن نشتري الجلود من سوريا، بينما التاجر السوري يستطيع أن يشتري ما يريده من الجلود اللبنانية، الدولة تعدنا بحل، لكننا لم نلق أي تجاوب أو نتيجة مع أي من الوزارء الذين توالوا على الحكم من بعد الحرب الأهلية .يذهب وزيراً ويأتي آخر ولا نزال مكاننا من دون أي تقدم أو إحراز نتيجة.
*ماذا بإمكان الوزير أن يعمل؟

منذ الثمانينات كان عندنا قرار بمنع تصدير الجلد الخام من لبنان، إلا بإيجازة تعتمدها النقابة، جاء وزير في التسيعنيات وألغى هذا القرار من دون أن يعرض على مجلس الوزراء، لغاية الأن لا أحد ينظر بالموضوع. أظن هناك سياسة عدم مبالاة بصناعة الجلود بشكل خاص والصناعة بشكل عام.

*ألا يوجد نقابة تتابع مثل هذه القضايا؟

يوجد نقابة، وكلما جاء وزير نتابعه فيطلب منا التريث حتى يرى ماذا سينتج عنه الوضع العام وهكذا ما زلنا ننتظر الفرج، والأمور تزداد سوءاً. يبقى وضعنا ملفاً على الرف.
*اليوم من أين تأتون بالجلود؟

بشكل عام نعتمد على الجلود اللبنانية، لأن عملنا اليوم أصبح قليلاً ويوجد ما يكفينا من جلود، لكن المشكلة الأهم أن 90% من الجلود اللبنانية يتم تصديرها خام إلى بلدان تمنع تصدير جلودها للخارج مثل تركيا، الصين، مصر وسوريا، يأخذون الجلود من لبنان ولا يسمحون لنا بإستيراد الجلود من بلدانهم، في الوقت الذي يشترون الجلود من عندنا ومن ثم يصنعونها ثم يبيعوننا إنتاجهم.

*أليس من تحرك، لماذا لا تراجعون السلطات العليا المسؤولة؟

لا أحد مهتم، كان الموت بطيئاً اليوم أصبح موتاً سريعاً. وضعنا ميؤوس منه، الجلديات ليست اساسية للإستعمال اليومي، نسبة من المبيعات كنا نصدرها للخليج لكننا وبسبب الأزمات التي مررنا بها، سمحت لشعوب أخرى كالأتراك والهنود بالدخول إلى منطقة الخليج وتسويق منتوجاتهم الجلدية، إضافة إلى أنهم ينافسوننا بالأسعار، لأن اليد العاملة في لبنان مرتفعة، كذلك الكهرباء، بمعنى لسنا منافسين بالأسعار، وإن كنا نستطيع منافستهم كنوعية، أو موضة، حتى متابعة الموضة تحتاج للسفر وحضور المعارض كما يجب أن يكون لدينا مرونة بقوانين الإستيراد والتصدير وهذا غير موجود حتى نتحرك وننافس السوق الخارجي. القانون كإسم موجود، لكن تطبيقه على الأرض غير موجود، كل واحد منا عليه أن يقلع شوكه لوحده ليس من سند أو مساعد من قبل الدولة. لم نطلب من الدولة أية مساعدة مالية، فقط قلنا ونعيد القول: “أحمونا وهذه أبسط واجبات الدولة أن تحمي صناعتها وصناعييها”. ليس من جواب الدولة مقصرة في كل شيء.

*إلى أين ترى أفق الدولة ضمن هذه المعطيات؟

ضمن هذه المعطيات من الصعب التكملة كوطن، كل يوم نتراجع خطوة للخلف. كنت ألوم والدي وأقول له: “ألم تكن ترى وضع البلد في حرب أهلية عشنا فيها عشرين سنة، نشهد كل يوم فيها تراجعاً، لماذا لم تترك البلد وجعلتنا نعيش العشرين سنة حرب،” واليوم أنظر إلى أولادي وأرى بأنه سيأتي اليوم الذي سيواجهونني بنفس اللوم، لذلك افكر بالهجرة لأنني أرى نفس معطيات الـ 75، واليوم تسير الأمور للأسوأ لأن الإقتصاد بالماضي كان أفضل مما هو عليه اليوم بكثير، اليوم الإقتصاد منهار إلى أين سنصل بهكذا وضع. هنا المشكلة الأساسية، لذلك أملنا مهزوز.

*ماذا تقول لأهلك الأرمن وأنتم على أبواب المائة سنة من ذكرى المذبحة؟

بالماضي كان أمنية، أما اليوم فهو خيار لأن هناك دولة ممكن العودة إليها، الدولة الأرمنية تسهل أمامنا كل الأمور من ناحية الجنسية ونستطيع الذهاب، خيار كل منا حسب وضعه، لكن من لبنان قلة الذين يعودون إلى أرمينيا لأننا مرتاحون هنا.يجب أن لا ننسى الماضي. أجدادنا لم يضحوا بحياتهم من دون سبب. لدينا حقوق وأراض مغتصبة وعلى الدولة التركية أن تعترف فيها. ويجب أن لا نوفر أي جهد لبلوغ حقوقنا.

فريال دبوق

مجلة “كواليس” اللبنانية، عدد خاص عن الذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

Share This