لقاء مجلة “الكواليس” مع قائد الأوكسترا الفلهارمونية اللبنانية المايسترو هاروت فازليان في العدد الخاص عن لذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

لدي حظ كبير إنني ولدت في كنف عائلة فنية، وابصرت عيناي روح الموسيقى: المدير الفني وقائد الرئيسي للأوكسترا الفلهارمونية اللبنانية المايسترو هاروت فازليان.

قائد الأوركسترا يقود مائة عازف يتبعونه وينقلون أحاسيسه ومشاعره عبر آلاتهم .

الفنان بطبيعته مرهف الحسّ ولا يستطيع التفلت من مشاعره فكيف لا أتأثر بإبادة شعبي؟!!
كان لي شرف التعامل مع الفنانات: فيروز، ماجده الرومي وجوليا بطرس.

طموحاً، متحدياً، مغامراً، محلقاً في أرجاء الفضاء، وفي قرارة نفسه أمان وطموحات وتطلعات نحو الأفق الأعلى، لغة روحه العطشى إلى التعبير بقوة وشغف عن أحاسيس تجسّد بعضها في مقطوعات خالدة، تلك اللحظات النادرة التي كان يغمض فيها عينيه لينتقل من أمام جمهوره وأوركستراه إلى مكان مجهول وليلتقيها هناك، ولد في كنف عائلة فنية، والده المخرج بيرج فازليان، والدته الرسّامة سيرو فازليان، فكان من البديهي أن يصبح من أهمّ الموسيقيّين الرائدين في الوسط الفنّي في لبنان، لا بل المايسترو الذي نال تقدير العالم السمفوني والأوبرالي في لبنان وحظي باحترامه. باشر دراسته الموسيقيّة في سنّ مبكرة في بيروت فتعلّم العزف على البيانو والكمان. عام 1976، هاجر إلى مونتريال في كندا حيث تابع دراساته الموسيقيّة، وفي عام 1983 سافر إلى يريفان في ارمينيا للتخصّص في الموسيقى الكلاسيكيّة. بعد سبع سنوات من الدراسات الموسيقيّة المكثّفة نال ماجيستير برتبة الشرف في “قيادة الأوركسترا السمفونيّة والأوبراليّة”، بالأضافة إلى شهادة دكتوراه في التربية الموسيقيّة.

فور عودته إلى لبنان شارك في إعادة إعمار وطنه خاصةٍ في مجال الفنون. ذاع صيته في لبنان من خلال عمله مع عددٍ من الجوقات والأوركسترات إضافة إلى أنّه بروفسور يعطي دروساً موسيقيّة في الكونسرفاتوار الوطني اللبناني. تأسست الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية عام 1999م، حيث عُيِّن المايسترو أحد القادة الأساسيين لها، تولى حتى الآن تقديم حفلات دورية ساهمت في تثبيت التواصل الثقافي مع عدد من الدول الغربية بالتعاون مع سفاراتها الموجودة في لبنان. عمل المايسترو في مجال القيادة الموسيقيّة لأكثر من 20 عاماً قدّم فيها أكثر من 100 حفلٍ موسيقيّ في كلّ أقطار العالم، يعتز بلبنانيته، ويفتخر بأصوله الأرمنية، دائم القول: “لدي حظ كبير إنني ولدت في كنف عائلة فنية، وابصرت عيناي روح الموسيقى، وإن ذكريات الوطن هي التي ترافق الإنسان أينما ذهب”، إنه المدير الفني والقائد الرئيسي للأوكسترا الفلهارمونية اللبنانية هاروت فازليان، الذي كان لنا معه هذا اللقاء الشيق…

*السيد هاروت فازليان، هل هو ملحن أم قائد اوركسترا، أم كليهما معاً؟

الملحن هو من يؤلف الموسيقى هو الذي يفكر ويكتب الموسيقى التي تحتوي على نظام إيقاعي معين ويتعين عليه ترتيب عناصرها في نسق له دلالة، أما أنا فقائد أوركسترا، وكلاهما مختلفان، ولهما ميزاتهما، فقائد الأوركسترا هو أن يكون لديه القدرة في قيادة مائة عازف يتبعونه وينقلون أحاسيسه ومشاعره عبر آلاتهم، وهذا الأمر بالغ الصعوبة، لأن معظم العازفين يكون لديهم مدرستهم الخاصة واسلوبهم وطرق تعبيرهم التي تميز كل عازف عن الآخر، فلا بد أن تمتلك الشخصية لقيادة هذه المجموعة المتكاملة من ثمانين أو مائة عازف، وتجعلهم يترجمون أحاسيسها إلى نغمات.

* تسلمت عصا قائد أوركسترا، فكنت شاعراً في ادائك، عاشقاً بموسيقاك، عصاك نسيم نغمات، من أين تستوحي هذا الأحساس العالي؟

الإحساس هو شيء روحاني من داخل الإنسان، هو نابع أيضاً من شخصيتي كقائد اوركسترا، لا يمكن شراءه أو تعلمه، بالإضافة إلى أنه لا بد أن ترافقه دراسة أكاديمية حتى تستطيع أن تنقل مشاعرك وأحاسيسك عبر أية مقطوعة موسيقية تقدمها، فمثلاً الرسّام إذا لم يدرس أسس الرسم لا يستطيع أن يبدع في رسمه، وينقل ابداعه واختلاجات روحه إلى أية لوحة فنية.

*هل كان للإبادة الأرمنية انعكاساتها على موسيقى هاروت فازليان؟

بالتأكيد كان لها الأثر الكبير، عندما جاء جدي والد أمي، تاركاً تركيا بعد الإباده إلى حلب ومن ثم الى لبنان، وكان يخبرني عما حصل معهم، والدموع تتساقط من عينيه، ويحدثني عن معاناتهم والوضع المأساوي الذي مروّا به، وكذلك والدي بيرج الذي ولد في اسطنبول، ومن ثم هرب وجاء إلى لبنان، كلّ تلك الاحاديث كان لها التأثير الكبير عليّ وعلى موسيقاي. فالفنان بطبيعته مرهف الحسّ ولا يستطيع التفلت من مشاعره .
*هل لك أن تحدثنا عن الأوركسترا الفلهارمونيه اللبنانية؟

بداية دعيني أوضح ما معنى كلمة أوركسترا، هي عبارة عن مجموعة عازفين لآلات موسيقية متنوعّة وغالباً ما تكون مجموعة كبيرة تضم ما يقارب المئة عازف، كما يمكن أن تستعين الأوركسترا بمغنيين منفردين أو ضمن فرق الكورال. تسمى الأوركسترا الكبيرة المكونة من مائة وعشرة عازفين وأكثر بالأوركسترا الفلهارمونية، ويتم قيادتها عادة من قبل شخص يدعى بالقائد أو المايسترو، وهو شخص ذو دراية عالية في عالم الموسيقى وغالباً ما يكون متمكناً ومحترفاً في العزف على آلة موسيقية أو أكثر.

تم تأسيس الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية عام 1999م، على يد المرحوم الدكتور وليد غلمية، وقدّم أول حفل في 28 شباط من العام 2000، يبدأ موسم حفلات الأوركسترا في اواخر شهر ايلول ويمتد حتى شهر حزيران من كل عام تقدم خلاله ما يقارب الـ 35 حفلة وتقام هذه الحفلات في كنسية مار يوسف للآباء اليسوعيين – مونو – ألأشرفية، ويقود هذه الحفلات بالإضافة إلى القائد الرئيسي الذي هو أنا مداورة قادة لبنانيين وقادة ضيوف نستقبلهم لمدّة اسبوع حيث يقومون بتدريب الأوركسترا ومن ثم تقديم الحفلة. أما بالنسبة لنوع الموسيقى فالأوركسترا الفلهارمونية تعزف الموسيقى الكلاسيكية لكبار المؤلفين الموسيقيين العالميين بالإضافة إلى معزوفات لمؤلفين لبنانيين والهدف من ذلك هو نشر الثقافة الموسيقية وخاصة ابراز الكفاءات اللبنانية.

*تعاملت مع أرزة لبنان السيده فيروز والفناناتان الراقيتان السيده جوليا بطرس، والسيده ماجده الرومي، أيهن كانت الأكثر سهولة بالتعامل معها؟

كان لي الشرف وتعاملت مع السيدة فيروز وقدّت عدّة حفلات لها في لبنان والخارج. اما الفنانه الراقية ماجده الرومي فقد تعاونا في حفلة واحده وكانت جدّاً مميزة، امّا الفنانة القديرة جوليا بطرس، أعمل معها منذ العام 2000 كقائدٍ أساسيّ لفرقتها الموسيقيّة، وتجمعني بالسيدة بطرس واخيها السيد زياد بطرس صداقة حقيقية، إن الفن مبني على الإحترام والتفاهم والتكامل والمحبة، وإن فقدت هذه العوامل لم يعد بإمكاننا أن نبني فناً راقياً.
بالأضافة الى قيادة أول عمل مسرحي غنائي وموسيقيٍ حيِّ في تجربة هي الأولى من نوعها عربياً. عُرض العمل المسرحي ضمن فعاليات مهرجانات بعلبك 2011، تحت عنوان “من أيّام صلاح الدّين” كتابة وإخراج الأخوين صبّاغ.

كذلك في العام 2012 ، وضمن مهرجان بيت الدين الدولي، قمت بقيادة الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية خلال عرض “كان يا مكان” لفرقة مسرح كركلا ، علماً بأنها المرة الاولى التي يكون فيها العرض حياً ومباشراً ومشتركاً بين الاوركسترا والعرض الراقص للفرقة المذكورة في لبنان ومنطقة الشرق الاوسط.

*الحلم الذي لم تحققه بعد؟

أحاول دائما تقديم ما هو أفضل وأعمل على تطويره، وهمي أن أرى أبني بيرج يحقق ما لم استطع أنا تحقيقه، لأنه يملك الموهبة، إنني أتبعُ أسلوب والدي بيرج فازليان، الذي أوصلني إلى بر الأمان، وقال لي أريد أن أرى ما بإمكانك فعله، فبالإصرار والمثابرة نستطيع الوصول إلى ما نرغب به، وهذا يؤدي إلى النجاح.

*الكلمة الأخيرة؟

إنني لبناني ومن أصول أرمنية، وإن الأرمن أعطوا للفن اللبناني الكثير، على سبيل المثال في الفن المسرحي، “بيرج فازليان” هو من مؤسسي المسرح في لبنان، اما بالنسبة لفن الرسم، الفنان الشهير “بول كيراكوسيان”، ومن المشاهير في فن النحت “زافين هاديجيان” ، بالأضافة إلى عدد كبير من الأرمن الذين برعوا في عالم الموسيقى والفن، وهم سعوا لرفع اسم لبنان عالياً أينما ذهبوا، وذلك لحبهم لهذا الوطن الحبيب، فالموسيقى هي سفيرتنا إلى العالم وكما يقول الأديب جبران خليل جبران “ليس ما يقدمه لك بلدك ولكن ما تقدمه أنت إلى بلدك”.

فريال دبوق

مجلة “كواليس” اللبنانية، عدد خاص عن الذكرى الـ99 للإبادة الأرمنية

Share This