رئيس مؤسسة “زوريان” يرد على رئيس الوزراء أردوغان

بعث رئيس مؤسسة “زوريان” في تورنتو كوركين ساركيسيان رسالة مفتوحة الى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان رداً على تصريح الأخير في 23 نيسان الماضي “حول أحداث عام 1915”.

نورد ترجمة نص الرسالة:

رئيس الوزراء أردوغان،

إن تصريحكم الرسمي في 23 نيسان الذي يعترف بأن 24 نيسان “يحمل معنى خاص للمواطنين الأرمن (في تركيا) والأرمن في العالم أجمع”، وكذلك رسالة التعزية التي بعثتها “نتمنى السلام لأرواح الأرمن الذين راحول ضحايا في بداية القرن العشرين، ونقدم تعازينا لأحفادهم”، تعد خطوة غير مسبوقة من قبل الحكومة التركية وينبغي أن تٌقرأ كذلك.

لكن، السيد رئيس الوزراء، لا يمكننا التوقف هنا، لأن مصداقية تعزيتكم تتناقض مع مضمون الرسالة. واسمحوا لي ببعض الأمثلة:

1-                 أنتم بدأتم الحديث بأن هذه المناسبة “فرصة ثمينة لتبادل الآراء بحرية”. فالآراء حول القضايا التاريخية يمكن أن تختلف من الناحية القانونية، لكن الآراء والأفكار ينبغي أن تكون مبنية على أسس وحقائق. في حال وجود شهادات لا تقبل الدحض (كما في الأرشيف التركي أيضاً) بأنه كان هناك نية للإبادة خلال أحداث عام 1915، فإن الثقة بصدقيتكم تتناقض بشكل أساسي عندما تستخدمون التعبير المخفف (تهجير) عوضاً عن قوافل الموت والعذاب. تلك كانت عمليات قتل مخططة نفذت ضد 1.5 مليون من المواطنين الأرمن في تركيا العثمانية، وكذلك عمليات تهجير لـ2.5 مليون من الأرمن المتبقين بهدف القضاء على شعب بأكمله. هذه ليست قضية آراء تاريخية، إنها حقيقة ينبغي أن نشاركها. ومن المفترض أن يكون ذلك سبب رسالتكم للتعزية قبل كل شيء.

2-                 أشرتم أن ” الإفصاح عن آراء وأفكار مختلفة في ساحة حوار متنوعة حول أحداث عام 1915 في تركيا، هو أمر ضروري في ثقافة الديموقراطية والحداثة”. هذه الفكرة السامية تخلق انطباعاً بأنكم منفتحون، وترون بأن الحقيقة مهمة، لكن في الواقع يستخدم ذلك كحصان طروادة ومكر سياسي للعب بعقول الناس. فخلال فترة توليكم منصب رئاسة الوزراء، تمت ملاحقة العديد من الباحثين والصحفيين والمفكرين وسجنهم وحتى قتلهم لأنهم أعلنوا عن رأيهم المخالف للموقف الرسمي حول أحداث عام 1915.

3-                 صحيح أنه “لا يمكن إنكار أن السنوات الأخيرة من الامبراطورية العثمانية كانت فترة زمنية صعبة، مليئة بمعاناة ملايين المواطنين العثمانيين بغض النظر عن انتمائهم الديني والعرقي”. وقد تطرق وزير خارجيتكم أحمد داوود أوغلو الى ذلك في مقاله المنشور في “الغارديين” مؤيداً رسالة التعزية التي بعثتم بها. “إن التصفية العرقية التي جرت في البلقان هجرت قسرياً ملايين الناس باتجاه الشرق، وغيرت الشكل الديموغرافي للأناضول.. وتم اقتلاع 5 ملايين من المواطنين العثمانيين في البلقان والقوقاز والأناضول من ديارهم وأرض أجدادهم. جزء كبير من التاريخ الغربي يقدم معاناة المسيحيين العثمانيين المهجرين والقتلى، بينما معاناة المسلمين العثمانيين الكبيرة غير معروفة خارج حدود تركيا”.

يمكننا أن نفهم ونتشارك الألم مع كل المسلمين الذين تهجروا من البلقان والقوقاز والقرم. نحن شعرنا بذلك الألم، أنا ابن عائلة تيتمت عام 1915 في مدينة أورفا في الأناضول، حيث تم تهجيرهم بعد أن فقدوا كل أفراد العائلة. لقد مر غالبية الأرمن بهذه التجربة، ومن بينهم الكثيرون في مؤسسة “زوريان”. نحن ندرك جيداً معاناة الاقتلاع من أرض الجدود والعيش كلاجئين في بلاد أخرى، لا يمكنها أن تستبدل بديارنا، ولا تسمح باستمرارية تاريخنا وثقافتنا المقدستين.

لكن سيد أردوغان، أنتم تتحدثون عن معاناة وتتجاهلون كيف تشكل الألم. أنتم تساوون ملايين المتوفين دون تمييز بين أسباب الوفاة، ممن تعرضوا للإفناء، وممن ماتوا بسبب الحرب. فمثلاُ، خلال الحرب العالمية الثانية توفي عدد من الألمان يفوق اليهود، لكن سبب وفاة الاثنين ومعناه مختلف، كما الحال مع الأرمن في الامبراطورية العثمانية.

نحن نتفق على أنه ينبغي ألا نخلق ألوهية الألم. مع ذلك، آباءنا وأجدادنا ليسوا سبب ألم المسلمين العثمانيين، بينما سبب ألم النفي المخطط ضد 2.5 مليون أرمني عام 1915 هو أجدادكم.

إن إنكار الإبادة يتضمن أربعة محاور: إنكار الحقائق، والمسؤولية، وتسمية الأحداث بتعابير مغايرة، والمقارنة. وفي رسالتكم المحاور الأربعة موجودة.

إن التعزية الموجهة للأرمن تمثل بدعة مخادعة ومرتّبة للوصول الى الهدف حتى تطلب أنت وحكومتك التركية المغفرة على عواقب أفعال أسلافكم.

يمكن لأي تركي اليوم ألا يكون مسؤولاً عن جريمة الإبادة المرتكبة أيام النظام العثماني. مع ذلك، فإن بلدكم وحكومتكم مسؤولة عن العداء والإنكار المستمرين، والتي تصعّد من ألم الأرمن وتجعله مستداماً، والذي يعد استمراراً للجريمة.

نحن نؤمن بأن الأرمن في العالم بأكمله كانوا سيعانقون الشعب التركي لو أن الحكومة التركية تبنت مسؤولية سلفها الامبراطورية العثمانية في الإفناء المخطط للمواطنين الأرمن، وتقدمت بالاعتذار الصريح، واتخذت خطوات مناسبة باتجاه التعويض.

كان ذلك سيخلق الثقة بين الطرفين، ويعطي الفرصة لتسوية عملية العلاج والغفران، ما سيؤدي الى عزل القلق الحقيقي.

نغتنم هذه الفرصة لنقدم أحر التعازي لهؤلاء المسلمين الأفاضل وعائلات الأتراك والأكراد والعرب، الذين عرضوا حياتهم للخطر من أجل حماية الأرمن في تلك الفترة.

إن الدعوة لإنشاء لجنة مشتركة تاريخية بهدف دراسة أحداث عام 1915 هي ليست سوى بدعة إعلامية. أذكرّكم، من فضلكم، أن لجنة المصالحة الأرمنية-التركية عام 2003 طلبت من المركز الدولي لنقل العدالة دراسة قضية الإبادة الأرمنية.

وجاء في خلاصة المركز أنه “يمكن القول إن الأحداث من منطلق شامل تتضمن كافة عناصر جريمة الإبادة، كما تنص المعاهدة وكما سيسميها القانونيون والمؤرخون والسياسيون والصحفيون وشخصيات عادلة أخرى. رفض أعضاء اللجنة تلك الخلاصة، وتم حل لجنة المصالحة الأرمنية-التركية. لماذا تقترحون اليوم خلق لجنة مشتركة أخرى، طالما ترفضون خلاصة طرف ثالث مستقل، المنظمة التي يترأسها إيلي ويزلي البارز؟. لقد صرّحتم مراراً علناً أنكم لن تقبلوا أبداً بأن تركيا ارتكبت إبادة. من الصعب مقارنة هذا مع تصريحكم بأن “تركيا كانت تدعم دائماً الأبحاث العلمية الشاملة بهدف معرفة التاريخ بالشكل الصحيح”.

السيد رئيس الوزراء، إن كنتم فعلاً تودون رؤية كيف “ستتمكن الشعوب التي تشارك الجغرافيا القديمة الخاصة والتي تملك ذات التقاليد والحياة المعيشية من الحديث سوياً عن الماضي بنضج، وتذكر أضرارها بشكل لائق”، حينها اتخذوا خطوات بسيطة ربما من أجل إظهار استعدادكم: إقامة علاقات دبلوماسية مع أرمينيا دون شروط، وفتح الحدود بين البلدين (مغلقة من الجانب التركي فقط)، كخطوة أولى باتجاه الحوار. وسيكون ذلك الدليل الملموس لصدقية رسالة التعزية التي بعثتها، والخطوة الأولى باتجاه المصالحة.

Share This