أصداء الأزمة اللبنانية في الشعر الأرمني اللبناني ورواية (الذبيحة)

د. نورا أريسيان

بعد أن دخلت آلام المواطن اللبناني في ذمة التاريخ يعود الكاتب اللبناني الأرمني بذاكرته إلى الوراء ليقدم كتابه (أصداء الأزمة اللبنانية في الشعر الأرمني اللبناني) باللغة العربية والتي قام بترجمتها نزار خليلي وكتب مقدمتها الدكتور نعيم اليافي. (صدر عن دار نعمان للثقافة في بيروت).‏

يتألف الكتاب من قسمين، يعالج القسم الأول الحرب الأهلية تحت عنوان (أصداء الأزمة اللبنانية في الشعر الأرمني اللبناني) ويتضمن نماذج مختلفة من أعمال الشعراء الأرمن في لبنان الذين عاصروا الحدث وعاشوا آلامه في مرحلتي عام 1958 و1975 ـ 1992.‏

يؤمن سيبيتجيان أنه لا بد للمؤلف الأدبي المبدع من أن يندمج مع الواقع بكل ظروفه. فكما ارتبطت الأزمة اللبنانية بالحياة اليومية للشعب اللبناني كذلك صارت جزءاً من حياة الأرمن اللبنانيين وقد انعكس هذا التأثير كشهادة على الحالة النفسية والروحية في تلك الحقبة من الزمان على الأدب الأرمني اللبناني، إذ يقول المؤلف “الشعر هو أصفى وأنقى انعكاس في مشوار الروح الإنسانية”.‏

يعرض الكتاب (الأزمة اللبنانية) والأدب اللبناني الأرمني بمراحله الزمنية على النحو التالي:‏

أ ـ مرحلة الأزمة الأولى (1958) في شعر فاهي فاهيان: وهو من أوائل ممثلي الشعر الذين ينتمون إلى الرعيل الأول من أرمن لبنان، وهو الوحيد الذي ألف وصور قصيدة عن ظاهرة الزمان. ولما كان إحساس الشاعر يتطلب منه التفاعل مع الأزمات الخارجية في داخله فإن نموذجاً من شعر فاهي فاهيان من ديوانه (كتاب الحب والألم)، بيروت 1968، يشهد على ذلك:

الحقد في عينيه والبندقية في يده،‏
كل محارب يغلي، ويترقب‏
الكذب والخداع والمؤامرات‏
جاعلاً من صدره هدفاً وقلعة حصينة.‏
أصبح كل قلب في الخنادق‏
وخلف الجدار قنبلة موقوتة،‏
وغدت كل نظرة مذبح انتقام،‏
حيث تكمن أشعة شمس الغد!!‏

ب ـ أزمة الحقبة الزمنية (1975 ـ 1992)‏
حتى أوائل نيسان 1975 كان الفن والأدب والإعلام الأرمني اللبناني يعيش أنشط فترة حياته وأخصبها. أما أبناء الجيل المتوسط ومن تلاهم فقد بدؤوا بنشر أوائل تجاربهم وهكذا ظهر في السنوات الخمس 1970 ـ 1975 جيل جديد بقناعات ووعود جديدة في الشكل والمضمون.‏
ظهر في هذه الظروف عميد الأدب الأرمني في لبنان ورمز الكلاسيكية فيه الشاعر والمترجم والناقد فاهي فاهيان. ونذكر من دواوينه الشعرية (نصب تذكاري لفاهرام) و(جمع الحصاد) و(رنات وهمسات الغروب)، وهي تعتبر أبرع تشخيص وأسرع تخليد لما جرى.‏
ثم ينتقل المؤلف إلى شعر (موشيغ إشخان) الذي يعبر عن فكر جيل الهجرة وحنينه إلى الوطن. فقد تركت شدة الحرب وبطشها صداها في ديوان (الغسق تحت القنابل)، وهي عبارة عن مفكرة يومية للشاعر عن مأساة لبنان وهو بطل الملحمة. فتلك صورة واحدة من صور الحياة المؤثرة.‏
.. يرتفع لهب نار، كأنه يتفجر من الجحيم،‏
وقد تتفجر ألغام قوية‏
تذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء‏
أو تتبعثر أشلاء قطعة قطعة..‏

ويتابع المؤلف حديثه عن الشعر مع جو الحرب الذي ينثر الموت.. ويختار الصلاة الغاضبة المنظومة حكماً بأسلوب الرباعيات من مجموعة الشاعر (ليون فارتان) بعنوان (من أعماق القلب) وتتضمن خمسين سلسلة من الرباعيات نشرت عام 1982 في بيروت.‏

إذا كنت يا رب، صامتاً إلى هذا الحد بلا صوت‏
في وجه الشر والموت والاحتلال والخراب‏
إذا كنت ستنسى قوة قبضتك الرجولية‏
وتترك الناس يموتون كمداً.‏
…‏
ألم يكن من الأفضل، يا رب، لو لم تخلق شيئاً‏
فلن يحدث أن أجيئك بعد قرون لأطرح عليك يوماً سؤالاً‏
لماذا خلقت الإنسان وجعلته وحده بؤرة الشر؟‏

المصدر: جريدة الاسبوع الادبي العدد 921 تاريخ 28/8/2004

Share This