فاروجان ستيان المصور الشخصي لفيروز

كتب نور أبو فرّاج في السفير الللبنانية تحت عنوان “لماذا لا نرى فيروز عن قرب؟” عن المصور الشخصي لفيروز فاروجان ستيان وهو يحكي بلكنته الأرمنيّة المحببة، عن إحدى ليالي «مهرجانات بعلبك». يقول في وثائقي «وحدن بيبقوا» (إعداد جورج غانم؛ وإخراج جون عون): كانت «الغيوم مليان بالسما، وعتمة الدني مش معقول هيك». احتار المصوّر كيف يلتقط صوراً وسط الظلام. إلا أنه، وفقاً لروايته، ولحظة بدأت فيروز تغنّي «يا قمر ليش ما بتطلع يا قمر»، حدث ما لا يصدّق: انقشعت الغيوم ولمع القمر فوق بعلبك. نستعيد كلام ستيان، وسط موجة الحنين إلى وجه فيروز التي أشعلها فيديو «آفي ماريا» (6 د.) للمخرجة ريما الرحباني. نشر الشريط عبر حساب فيروز الرسمي على «فايسبوك» قبل أيّام، وتمّ تحميله على «يوتيوب» بعنوان «في ذكرى عاصي الرحباني 21 حزيران 2014».
يظهر في الشريط المصوّر، درب رملي متعرّج، داخل سهل متسع، وفي نهايته أشجار أرز. تصوّر الكاميرا فيروز من الخلف، وهي تصعد الدرب مرتدية ثوباً أزرق. تلتف العدسة حول السيدة، لتأخذ لها لقطات من عدّة جهات. المسافة الفاصلة بين الكاميرا وفيروز، أبعد من أن تتيح التعرّف على خطوط الوجه العامّة. تجلس فيروز على الصخور في حضن الغابة القديمة، أو تتأمل الأفق المفتوح وقت الغروب. تتكرر المشاهد ذاتها طيلة الفيديو، ليشعر المشاهد بأنّه يحاول اللحاق بشبح ذات الرداء الأزرق، كي يسرق منها لفتة. لكنّ الصورة تبقى بعيدة، ومشوّشة، وتبقى فيروز تشيح بوجهها عنّا، ذات اليمين وذات اليسار.
ذلك البعد كان موضع جدل بين متابعي أخبار السيّدة، عبر صفحتي «رح نبقى سوا» و«فيروز» اللتين تنشران أخبارها الرسميّة على «فيسبوك». هنا، يتململ بعض المعلّقين من المبالغة في اللقطات البعيدة. يكتب أحدهم، تعليقاً على جودة الصورة الضعيفة في الشريط: «لماذا جودة الفيديو منخفضة؟ ولماذا لا نرى فيروز عن قرب؟». فيما تكتب معلّقة من مصر: “كان نفسي في شوية زوووم على الستّ، بس في الآخر حسيت إن كده أحلى.. تحسّ إنه حلم”.

لم يحصد الفيديو منذ تحميله على «يوتيوب» في 21 الحالي، إلا 12 ألف مشاهدة تقريباً، كما أنّ حضوره على مواقع التواصل كان باهتاً، بشكل لا يتناسب مع شعبيّة فيروز الواسعة. يفسر بعض المعلّقين على السوشل ميديا، تراجع الاهتمام بفيديو «آفي ماريا»، إلى كونه أشبه بمقطع ترويجي سياحي، تظهر فيه أشجار الأرز أكثر من السيدة. فيما يتساءل آخرون عن الغرض من إعادة غناء ترنيمة دينية، بمناسبة ذكرى رحيل عاصي الرحباني.
بعض المعلّقين رأى أنّ السبب في تجنّب اللقطات القريبة، يعود إلى تقدم فيروز في السنّ، ورغبتها بأن يتذكّرها محبّوها عصيّةً على الزمن. هو جدلٌ شبيه بذلك الذي أثارته مؤخراً، لقطات قريبة لوجه أم كلثوم، تنشر للمرّة الأولى. كانت كوكب الشرق تصرّ على ألا يتمّ التقاط صور قريبة من وجهها، لتتجنّب إظهار علامات المرض والتقدّم في السن. لكن محبّي الستّ تلقفوا تلك الصور الجديدة، باعتبارها كنزاً، قرّبهم منها، بعدما خلعت عن عيونها نظارتها السوداء الشهيرة. وفي حالة فيديو «آفي ماريا»، كان يمكن لفريق عمل محترف إظهار تفاصيل الشخصية، عن قرب، من دون إظهار علامات السنّ، وإلا فما الغرض من إنتاج فيديو مصوّر بدلاً من مقطع صوتي؟

تنسحب الملاحظات الفنية حول جودة نوعيّة الصورة، على معظم الأعمال التي تصوّرها أو تنشرها ريما الرحباني أخيراً، خصوصاً على صفحات فيروز على مواقع التواصل. سواء كان التصوير يتم في كنيسة، أو في أستوديو مغلق، تظهر معدات الصوت وأشرطة التوصيل الكهربائية في الفيديو، أكثر من السيدة فيروز. فيما يتمّ تشويه الصور بطبعة «ووتر مارك»، منعاً لأيّ سرقة مفترضة، علماً أنّ الحفاظ على الملكيّة الفكريّة ممكن بوسائل عدّة، مع الحفاظ على احترافيّة الصور. في هذا السياق، تنشر ريما على صفحات «فايسبوك» صوراً صغيرة، وغير واضحة، وأشرطة فيديو تبدو كأنّها أعدّت على عجل، بشكل يخالف التاريخ العريق لإنتاج الرحابنة وفيروز، حيث كانت الصور والتسجيلات تخرج مع عناية شديدة بأدقّ التفاصيل.

لا بد للقائمين على إدارة وإنتاج أعمال فيروز، إدراك المسؤولية الملقاة على عاتقهم في حماية إرثها الفني، وتجاوز العقلية التي تتعامل معه كإرثٍ عائلي أو حقل للتجربة. سيحترم عشاق فيروز رغباتها بتصدير صورتها كما تريد، قريبة كانت أو بعيدة، ما دام يتم الإبقاء على سوية العمل الفني من دون مساس، وتقديمه بما يتلاءم مع متطلّبات العصر. سيتنظرونها ويترقبون كل جديد يمكن أن تحمله لهم، فمعظهم كالمصوّر فاروجان ستيان، يؤمنون بأنها قادرة على خلق المعجزات، وأنها إذا ما أطلت كي تغني، تنقشع الغيوم.

https://www.youtube.com/watch?v=M3G7kkmJdZ8

Share This