“1989عام الإدارة الخاصة” في قضية كاراباخ الجبلية

مادام الاتحاد السوفيتي موجوداً، فالأرمن يؤمنون بأن موسكو تستطيع إيجاد حل سلمي لقضية كاراباخ الجبلية، وأن مفتاح حل تلك المسألة في الكرملين.

أرسلت برقية من استيباناكيرد إلى كورباتشوف في أيار عام 1989، وفي تلك الأيام كان كورباتشوف متوجهاً إلى الصين، وجرى الاتفاق على أن يستقبل رئيس البلاد وفد كاراباخ الجبلية عند عودته إلى البلاد.

في الطريق إلى زيارة موسكو استقبل الوفد في البداية رئيس الحزب الشيوعي في أرمينيا، وبعد التعارف سأل هاروتيونيان: “ماذا يا شباب؟، كيف ستصوغون مطالبكم؟، بالأحرى رجاءكم من كورباتشوف”، وبعد توقف قصير قال هنريخ بوغوصيان: “فصل كاراباخ عن إدارة أذربيجان وضمها إلى أرمينيا”.

كان رد الفعل غير متوافق وحساساً أكثر من الضروري، عد هاروتيونيان طرح الموضوع على هذا النحو أمام كورباتشوف محكوماً بالإخفاق وأنه لا يمكن الحصول على أي دعم من موسكو بهذه الطريقة، كان هاروتيونيان محقاً، قال كورباتشوف عند استقباله لوفد كاراباخ: “إذا استمرتم في الإصرار على مناقشة موضوع فصل الإقليم ذي الحكم الذاتي عن إدارة أذربيجان، فسوف أعلن أنه لا يمكن حل المسألة بهذا النحو، ومن ثم لا أجد داعياً لاستمرار اللقاء”[1].

كان عام 1989 عام الإدارة الخاصة في كاراباخ الجبلية، يعد أحد آخر رؤساء حكومة أرمينيا السوفيتية فادي سركيسيان أن أشهر ولاية أركاتي فولسكي كانت إيجابية: “لم يطلب فولسكي أي شيء من أذربيجان، كان يعمل حينها معنا، وكنت أعمل معه على نحو غير مباشر، كان ترؤسه المؤقت لـ”لجنة الإدارة الخاصة” لمصلحتنا، عمل فولسكي وحده بحزم ومن دون تحيز، كانيأخذ أوامره فقط من موسكو، لكن لم تكن سياسة فولسكي المستقلة تلائم الأذريين من دون شك”[2].

لم يتفق الجميع على هذا الرأي، وخرجت آراء متناقضة في تشكيل “لجنة الإدارة الخاصة” وعملها، وأول مرة في اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، وبقرار من ميخائيل كورباتشوف بتاريخ 12 كانون الثاني عام 1989 جرى إدخال نمط خاص للإدارة، أي إدارة مباشرة من موسكو، من الناحية القانونية يجري الحفاظ على وضع إقليم كاراباخ ذي الحكم الذاتي ضمن إدارة أذربيجان، وتتشكل “لجنة الإدارة الخاصة”، التي تأخذ أوامرها مباشرة من الكرملين، أما رئيس اللجنة فيكون مخولاً بصلاحيات رئيس الوزراء، عيّن فولسكي رئيساً للجنة، وهو الذي كان يشغل منصب الممثل الخاص للكرملين في كاراباخ الجبلية.

يعد تشكيل “لجنة الإدارة الخاصة” تجربة لحل وسطي في مسألة كاراباخ، لم تكن باكو متحمسة لقرار كورباتشوف، لأن أذربيجان حرمت من التدخل بالشؤون الداخلية لكاراباخ الجبلية بعد تشكيل “لجنة الإدارة الخاصة”.

تقبّل حيدر علييف أنه جرى فصل كاراباخ الجبلية عن أذربيجان في الواقع منذ عام 1988، “عندما قلت في جلسة البرلمان في شباط عام 1991 أن كاراباخ مفقودة أرادوا إقناعي بأن كاراباخ لم تكن قط أذرية وملكاً لنا كما هي الآن، لكن تشكيل “لجنة الإدارة الخاصة” يعني أن كاراباخ خرجت من إدارة أذربيجان، تلك اللجنة برئاسة فولسكي وضعت كاراباخ تحت إمرة موسكو مباشرة، وإن كانت تخضع لأرمينيا واقعياً”[3].

لم يكن الوضع الوسطي في خضوع كاراباخ الجبلية للكرملين حلاً مثالياً لاستيباناكيرد ويريفان، رفض أحد الأعضاء الأرمن في “لجنة الإدارة الخاصة” سيميون بابايان، وهو نائب رئيس اللجنة الفعلي أن ينفذ فولسكي أوامر موسكو، “عندما يسير فولسكي و”لجنة الإدارة الخاصة” بالاتجاه الذي حددته موسكو، فلماذا يحلها كورباتشوف، لقد فهم كورباتشوف ما يحصل داخل اللجنة، كانت الوحدات الإنتاجية في كاراباخ الجبلية تخضع شيئاً فشيئاً لأرمينيا بأوامرنا، كانت عملية ضم كاراباخ الجبلية إلى أرمينيا قد بدأت فعلياً”[4].

يقول أوليك يسايان الذي عينه فولسكي رئيساَ للقسم الاقتصادي والاجتماعي في “لجنة الإدارة الخاصة”: “شكل الكرملين لجنة فولسكي لإدارة الوضع، وأيضاً إن لم يكن لإيقاف الحركة فلتجميدها على الأقل، وفي هذه الفترة تعززت الروابط بأرمينيا، ولأننا كنا جميعاً مقتنعين بأن اللجنة لن تتمكن من دعم حل سياسي لقضيتنا، بل ستشل حركتها، لهذا لم تكن اللجنة مقبولة”[5]، أما حزب الطاشناك فقد عد تشكيل “لجنة الإدارة الخاصة” خطوة إيجابية، على الأقل جزئياً”[6].

في رأي رئيس تحرير صحيفة “كاراباخ السوفيتية” ماكسيم هوفانيسيان كان هدف موسكو إطفاء حركة كاراباخ بالإصلاحات الاقتصادية “إن الهدف الأساسي للحركة هو فكرة استقلالنا وحريتنا، وهنا تنفصل أهداف اللجنة عن أهدافنا، كان فولسكي استراتيجياً خفياً، ويرغب في دمج الاثنين، لكن ذلك لا يقبل الدمج”[7].

أما فولسكي فقد عد حل اللجنة لاحقاً “خطأ كبيراً”: “حتى بداية هذه الحرب الوحشية، حينما كانت “لجنة الإدارة الخاصة” ما زالت تعمل، قتل 8 أشخاص في كاراباخ الجبلية، لقد ابتعدنا في كانون الثاني عام 1990، وفي شباط بدأت الحرب الحقيقية، ربما جاءت لحظة استبدالنا، ولكن كان ينبغي الحفاظ على الإدارة المباشرة من موسكو”[8].

 

جزء من الفصل التاسع من كتاب “يوميات كاراباخ، أخضر وأسود، لا حرب، لا سلم”،للكاتب الصحفي طاطول هاكوبيان، ترجمة د. نورا أريسيان، الصادر في بيروت 2012.

[1] Владимир Товмасян, сс. 138-141.

[2] حوار مع سركيسيان، 22 أيار، 2006. فادي سركيسيان، “دروس الحياة”، يريفان، 2000، ص 194.

[3] Журнал Карабахский Экспресс, Де-факто, январь-март, 2005 г.

[4] حوار مع بابايان، 3 حزيران عام 2007، يريفان. كانت “لجنة الإدارة الخاصة” تتألف من: أركاتي فولسكي رئيساً، وسيميون بابايان (أرمني)، وفلاديمير توفماسيان (أرمني)، ووفيق جافاروف (أذري)، ومن موسكو فيكتور ميشين، وفيتور بليسوف، وفاليري سيتوروف، وسيركي كوبريف.

[5] حوار مع يسايان، 27 آذار، 2006.

[6] “تروشاك”، 1 شباط، 1989، رقم 21.

[7] حوار مع هوفانيسيان، 20 حزيران، 2006.

[8] Журнал Карабахский Экспресс, Де-факто, январь-март, 2005 г.

Share This