الوطن: “أورهان باموق الروائي التركي الوحيد الذي تجرأ على المطالبة باعتراف الأتراك بارتكابهم مجزرة الأرمن”

باموق: جزء مني غاضب من البورجوازية…الفن الإبداعي شكل من أشكال المعرفة

أحد أكبر الروائيين المعاصرين يوصف بالروائي الخطير وهو من أخطر المعارضين لسياسة حكومة أردوغان في تركيا، ندد بالظلم الاجتماعي وغياب الحريات «الوحيد الذي تجرأ على المطالبة باعتراف الأتراك» بارتكابهم مجزرة الأرمن.

دافع عن المتظاهرين في ساحة تقسيم ووقع بياناً ضد سلطات الرقابة والتجسس على المواطنين، رفض قرار الحكومة التركية تكريمه كفنان دولة لانتهاكها حقوق الإنسان وتقييدها حرية التعبير.

الروائي التركي أورهان باموق الحائز جائزة نوبل للآداب عام 2006 كان ضيف المؤتمر الدولي للرواية الذي عقد الشهر الماضي في مدينة ليون الفرنسية بمناسبة ترجمة أول رواية كتبها باموق عام 1982 «جودت بك وأولاده» إلى الفرنسية.

وقد شكل ذلك حدثاً في الأوساط الثقافية الفرنسية تناولته الصحافة الفرنسية على مدى شهرين تقريباً وأجرت مع الكاتب لقاءات عدة.

تحت عنوان «ماراتون الكلمات» التقته صحيفة لوموند ليتحدث عن روايته «جودت بك وأولاده» والتي يبدو أنها تشبه كثيراً سيرته الذاتية فيقول أورهان:

هي قصة عائلة برجوازية في زمن قيام الجمهورية التركية والجد جودت كجدي كسب أموالاً طائلة من العمل في إنشاء السكك الحديدية ثم انتقل بدافع الحداثة من الحي القديم إلى بناء حديث ليكون جودت بك النموذج البدائي لرجل اغتنى حديثاً، هكذا كان ابتكار البرجوازية التركية لكن البرجوازية والإسلام كانا نقيضين، ففي ظل الإمبراطورية العثمانية كانت النخب الإسلامية موجودة في الجيش وفي الدواوين الحكومية أما غير المسلمين فكانوا يعملون في المجالات الأخرى.

جودت بك أراد أن يكون بورجوازياً وهو مسلم، ففي ذلك شيء من السذاجة لأنه من الصعب أن يكون بورجوازياً ومسلماً عصرياً.

الرواية تحكي قصة عائلة على مدى ثلاثة أجيال تمتد من العام 1905 إلى العام 1970.

ويتابع الكاتب: لقد عشت الوضع ذاته في طفولتي فجزء مني غاضب من هذه البرجوازية التي فرضت بقساوة أو بسذاجة أحلامها الغربية واللاواقعية على بقية المجتمع التركي الذي هو بشكل أساسي مجتمع ريفي تقليدي. فالكتاب هو سرد وقائع علاقتي بالحب والكراهية حيال هذه البرجوازية التي خرجت منها ويضيف باموق:

اليوم هناك نوعان من البرجوازية: القديمة التي ينتمي إليها جودت بك وجديدة محافظة بزغت على جوانب القديمة يتعهدها حزب أردوغان، وقد أتاح لنا الكشف عن قضايا الفساد التي لطخت هذه الحكومة فهم التقارب بينهما، فكما استفادت البرجوازية القديمة من أموال السكك الحديدية التي نفذتها الدولة عام 1930 ها هي الجديدة تستفيد من الصناعات الحديثة وخاصة صناعة البناء المدعومة من الحكومة.

وعن تهديده بالقتل بسبب احتجاجه على مذابح الأرمن وملاحقته التي توقفت أخيراً تحت الضغط الدولي يقول باموق:

لم يعد القمع السياسي عبر اغتيال الناس في الشوارع مع أن الكثير من الطرق القديمة ما زالت متبعة ولكن هناك أربعين صحفياً في السجن والرقابة على حرية التعبير أكثر ما تكون عبر شراء الصحف وطرد الصحفيين وعقابهم.

وتحت عنوان «أشباح اسطنبول» تحدثت أيضاً مجلة لوبوان عن أورهان باموق وأهميته ككاتب وأنه أبرز محدثي الرواية التركية والأجرأ بين الكتاب المعاصرين وفي روايته المترجمة حديثاً إلى الفرنسية كيف يعيش شاب على ضفاف البوسفور وينشر- كما فعل توماس مان- على مدى أربعين عاماً وعقب زوال عائلة كبيرة قصة بناء فنان جعل الفن ينهض بالعائلة، فالفن هو شكل من أشكال المعرفة شرط أن نبدع كل ما لدينا.

إذاً ثمة مواضيع عديدة حضرت في هذا العمل الحميمي:

المداورة في موضوع الهوية، المنافسة بين الإخوة، تلاق جديد مع حب ضائع، الدقة في موضوع بسيكولوجية الأشخاص، الحس الحاد في الحوار والمونولج الداخلي في ظل وداعة أفسدتها مرحلة بائدة. أما الأهم فهو أن هناك دافعاً حقيقياً يجعلنا ندرك أنها مجابهة بين الشرق والغرب.

ولد أورهان باموق في اسطنبول عام 1952 درس هندسة العمارة قبل أن يصبح كاتباً، ترجمت أعماله إلى أكثر من ثلاثين لغة من أبرز هذه الأعمال:

«ثلج»، «الكتاب الأسود»، «القلعة البيضاء»، «ورد في دمشق» و«متحف البراءة» التي حولها إلى مشروع فني حقيقي. وتعد روايته «الأحمر هو اسمي» من أجمل الروايات وأهمها فيها يؤكد على دور الفن في تحريك المجتمع.

وفي جميع لقاءاته أكد باموق أن أعظم حرية هي حرية الفكر والفكر الأدبي وبأنه الشخص الذي لن يمل ولن يكل عن دعم حركات الاحتجاج على أردوغان.

 

مها محفوض محمد

الوطن

Share This