حي الأرمن .. قرية في مدينة

amman_panoramaإن أتيت من شمال الوطن أو جنوبه أو حتى قدمت من شرقه وغربه ونزلت حي الارمن فانك ستعتقد انك ما زلت في المكان الذي اتيت منه لأنك ستلمس ذلك من خلال سكان الحي الذين اجتمعوا فيه من شتى ارجاء الوطن، ستجد فيه اناساً من كل قرية ومحافظة من هذا الوطن الغالي مسلمين ومسيحيين.

إن الحي أشبه بالقرية الاردنية لكونه يحتوي على بيوت تشابه البيوت القروية التي تحيطها الاشجار المنتشرة بشكل ملحوظ في الحي كذلك اشبه بقرية عالمية لانه يسكن فيه العديد من الجنسيات فبالاضافة الى الجنسيات العربية من دول الجوار فإنه يقطنه جنسيات غربية من دول اوروبية واسيوية تشاهدهم كل صباح كلا سائراً الى وجهته .
تجاور سكان الحي منذ عقود طويلة وتشاركوا بالاسوار والاشجار التي زادت ترابطهم بتشابك اغصانها واوراقها وتبادلوا ثمارها واستظلوا تحت اوراقها التي حجبت اشعة الشمس الحارقة حينما يتسامر الجيران تحت فيئها .

حي الأرمن سمي بهذا الاسم نسبة الى الأرمن الذين سكنوه في الثلاثينيات من القرن الماضي قبل ان ينتقلوا اليه من منطقة سقف السيل وانشأوا لهم كنيسة القديس ناتيوس في الستينيات من القرن المنصرم ونادياً ومدرسة. بعدما كانوا يقيمون شعائرهم الدينية في بيت صغير في الحي.

اطلالة عمانية

عندما تعتلي اسطح منازل الحي او من خلال بعض مطلاته وتمد بصرك فان عينيك ستلتقط معظم جبال عمان الحبيبة فبدءاً من يمينك ستشاهد منطقة الهاشمي الشمالي وبعدها منطقة طبربور ويليها جبل الصقور وجبل القلعة ومنطقة المدينة الرياضية وجبل الحسين يتبعها جبل عمان من دواره الاول حتى دواره السادس ومنطقة عبدون وجسره ثم اطراف جبل الاخضر واجزاء من جبل النظيف ومنطقة رأس العين ووسط البلد وكذلك جميعها ستراها وانت تقف على احد أسطح منازل الحي أو بعض مناطقه .

أدراج وسناسل ومنعطفات

ادراجاً شكلتها اقدام داستها من سنين رسمت لوحات تشكيلية لونت بما احاطها وسناسل بنيت من احجار انجبتها صخور المنطقة، ومنعطفات لم تستطع مركبات مرت بها ان تستقمها، ان طبيعة المكان وتضاريسه جعلت انتشار الادراج واضحاً في الحي حتى تجاوزت اعدادها العشرات ووجود العديد من السناسل الحجرية التي احاطت حدائق بعض المنازل اضافت لها رونقاً وجمالاً. كذلك وجود المنعطفات الحادة التي اعتادها سكان الحي أثناء صعودهم ونزولهم اياها كأنهم يسلكون طريقاً مستقيماً.

أسامينا.. شو تعبوا فيها اهلينا

انتشرت في الحي المحال التجارية منذ القدم فمنها ما يزال موجوداً حتى يومنا هذا كبقالة (راسم) التي انشئت منذ الستينيات من القرن الماضي وما زالت حاضرة حتى يومنا هذا والتي كان يقصدها الناس ليس من داخل الحي بل ومن خارجه لأنها لم تكن تقدم حاجيات الناس كالبقالات الاخرى بل كانت تقوم بأعمال خدماتية أخرى مثل خدمة بريد الرسائل فقد انشئ بها صندوق بريد ما يزال موجوداً ليومنا هذا كان يساعد سكان الحي وجواره بارسال رسائلهم البريدية واستقبالها وكذلك خدمة الاتصال الهاتفي الذي ندر امتلاكه لدى الكثير من الناس في تلك الحقبة من الزمن وامور اخرى كان يبتاعها مثل قطع «البابور» الذي كان يعد من الاساسيات التي تمتلكها معظم البيوت لاهميته للطبخ وتسخين الماء واشياء اخرى كالتي يقوم بها الغاز والميكرويف في أيامنا هذه، الذي اخذ مكانه واستبعده.
ومن بين الاشياء التي يندر وجودها في محال البقالات هذه الايام (قطرميز) يحتوي على حلوى «حامض حلو» اعادتنا عشرات السنين الى الوراء والتي اذاقنا طعمها العم «راسم» واخبرنا انه كان ثمن السبع حبات منها «تعريفة» اما الان فان الحبة الواحدة بقرش. كما ادهشنا بانه ما زال يحتفظ بسيارته الاولى التي تعود صناعتها الى الستينيات من القرن الماضي ومن بين المحال القديمة التي ما زالت موجودة في الحي معجنات ارمينيا الشهير وملحمة زيد وكهرباء فؤاد.

اسوارة العروس مشغولة بالذهب

وما أكثر ما شغل الحي العروس، فصاغوا لها الذهب واحاكوا فستان زفافها وصنعوا حذائها. ففي الحي انشئ اكثر من اربعين مشغلا لصياغة الذهب التي احترفها الارمن وبعض مشاغل صناعة الاحذية معظمها تصنع الحذاء النسائي ولمجرد ذكرنا زاروك نعيد الكثير من النساء بذاكرتهن الى فستان زفافهن فقد احاكت واخاطت زاروك العديد من فساتين الاعراس حتى ان بعض النساء كن يشترطن على عريسهن بان يكون فستان زفافهن من انتاج زاروك التي بدأت الخياطة من منزلها في حي الارمن من منتصف القرن الماضي ثم انشأت مشغلا ووظفت لديها عددا من الخياطات لتلبي حاجات زبائنها الذين يتهافتن عليها من مختلف انحاء عمان.

لمحات محبة

ما بتعرف خيري الا لما تجرب غيري هذا ما بدا به حكايته محمد عيسى في حي الارمن الذي ولد في جبل الاشرفية الذي يحتضن حي الارمن وسكن الحي عام 2000عندما تزوج، وتابع كنت وعائلتي وثلاث عائلات مسلمة نسكن احد ادراج الحي بين ما يقارب الخمسين عائلة من طوائف مسيحية لكني لم اشعر للحظة بأني غريب.

وعند حلول شهر رمضان والعيد يتسارعون بتقديم التهاني من خلال زيارتهم لي او عبر الهاتف حتى ان ابناءهم الصغار يهنئونني بالعيد عندما امر بهم اثناء لعبهم بالحارة واذا كنت صاعدا الدرج وبيداي اكياس يتهاتفون نحوي قائلين عنك عمو. وان الهدوء الذي في الحي يخيل لك بانك تسكن المكان وحدك بلا اناس تحيطك كما كنت اشعر بالسعادة عند زيارات احد اقاربي او اصدقائي لمنزلي عندما يقولون لي «نيالك على هيك سكنة».
ان اسقطت شجرة ورقة من اوراقها او زلت من احدهم ورقة او قمعة سيجارة فانها لا تلبث طويلا فالكل يهتم لبقاء المكان نظيفاً.

بستان بخيت

من سحر بيوت عمان القديمة كان لحي الارمن نصيب منها فقد انتشر بعضها في المكان حاضرة ليومنا هذا ومن تلك البيوت بيت عيسى بخيت قموه المعروف بـ”بستان بخيت” الذي بني عام 1936 ولجماله وطرازه المعماري التراثي فقد صور به عدد من المسلسلات وافلام مثل الفيلم الأردني الشهير «كابتن ابو رائد»كما صور به الفنان عامر الخفش بعضا من اغانيه، وايضاً بيت سمير جوينات من الاربعينيات وبيت زهير قموه في الثلاثينيات.
ها انا لم يمض علي الا بضعة ايام منذ زرت حي الارمن الا انني اشتاق العودة اليه، اشتاق الى نزول ادراجه وصعودها، اشتاق الى اعتلاء اسطح منازله والاستظلال تحت اشجاره وتذوقي حبات «الحامض حلو»، وتعود اذناي تسمع صوت الاذان وقرع اجراس الكنائس وارى عمان في نهارها وليلها.

فاتن الكوري

http://www.alrai.com/pages.php?news_id=344616

Share This