صورة أرمينية في المصادر العربية والأجنبية

إعداد عطا درغام

صدر عن مركز الدراسات الأرمنية بكلية الآداب جامعة القاهرة كتاب “صورة أرمينية في المصادر العربية والأجنبية”، راجعه وحرره د. محمد رفعت الإمام أستاذ مساعد التاريح الحديث والمعاصر بآداب دمنهور ورئيس تحرير مجلة “أريك”، وقدم له د. محمود علاوي مدير مركز الدراسات الأرمنية والأستاذ بقسم اللغات الشرقية كلية الآداب جامعة القاهرة.

والكتاب هو الجزء الأول من الأبحاث التي ألقيت في مؤتمر المركز خلال عام2012، وقد أعدها كوكبة من الباحثين في مصر وسورية ولبنان وأرمينية.

وقع الكتاب (254صفحة) في ثلاثة محاور أساسية هي: القضية الأرمنية في المصادر العربية والأجنبية، الأرمن في مصر في ضوء المصادر العربية والأجنبية، أرمينية والأرمن خلال العصور الوسطى.

فيما يتعلق بالمحور الأول، بدأه د. محمد رفعت الإمام بدراسة عن “القضية الأرمنية في المصادر العربية 1878- 1923”. وفي هذه الدراسة، عكست المصادر العربية بامتياز القضية الأرمنية بكل أبعادها وملابساتها وتداعياتها منذ تدويل المسألة الأرمنية بموجب المادة “61” من معاهدة برلين 1878 وحتي إجهاضها دوليا في مؤتمر لوزان عام 1923. وتتسم المصادر العربية بالتعدد والتنوع واختلاف المشارف والمضارب. وفي هذا الصدد، ثمة ألوان متباينة من المصادر: الدراسات والمؤلفات ، الكتابات الصحفية، الأدب، الشعر. وبذا، قسم د. الإمام المصادر العربية إلى نمطين رئيسيين وهما: أ – المؤلفات السياسية والأدبية ( الكتابات الأيديو لوجية(. ب- الكتابات الصحفية (كتابات الرأي العام).

فيما يتعلق بالنمط الأول، ذكر د. الإمام منه علي سبيل المثال: أعمال مصطفي كامل ( المسألة الشرقية) ومحمد فريد (تاريخ الدولة العليا) وفايز الغصين (المذابح في أرمينيا) ومحمد كرد علي (خطط الشام ومذكرات) وولي الدين يكن (المعلوم والمجهول ، رائف وديكران). وثمة ملاحظة جد مهمة علي هذا النمط من الكتابات مفادها أنها لم تنكر وقوع المذابح الحميدية أو الإبادة التي اقترفها الاتحاديون. لكن معظم هذه الكتابات قد انصبت في قوالب تبريرية. فمثلا ، لم ينكر مصطفي كامل وقوع المذابح الحميدية، ولكنه اجتهد في نفي أنها سياسة عثمانية رسمية تبناها النظام الحميدي، وسعي حثيثا لإثبات أنها رد فعل خيانة الأرمن لدولة الخلافة الإسلامية وتعاونهم الوثيق مع بريطانيا – دولة احتلال مصر-. وأيضا، اجتهد كامل لتروييج القضية الأرمنية في سياق ديني مؤداه: أقلية أرمنية مسيحية تتعاون مع وتحتمي بالقوى الصليبية للنيل من الإسلام مجسدا في الدولة العثمانية.

أما النمط الثاني، فقد ذكر د. الإمام أن المكتبة العربية تمتلك مجموعة قيمة من الدوريات على شتى أشكالها التي تقدم قاعدة بيانات متتالية زمنيا ومترابطة موضوعيا عن القضية الأرمنية. فمثلا، عكست جريدة “مرآة الأحوال” الحقبة البرلينية (1878) وعبرت جريدة “الزمان” القاهرية عن مراحل الثورة الأرمنية، وجسدت جرائد عديدة مرحلتي المذابح الحميدية والإبادة الاتحادية من قبيل الأهرام، المقطم، الرأي العام، المشير، القبلة، العاصمة، الأخبار، الأفكار…إلخ.

هذا ، وقد استشهد د. الإمام بالعديد من النماذج الحفية التي تعاطت القضية الأرمنية. واختتم دراسته باقتباس من جريدة الأهرام، الخميس 12 مارس 1917: “عن الألمان وتلاميذهم الاتحاديين لم ينظروا إلي حل مسألة الأرمن علي هذا الوجه (تأسيس دولة أرمنية)، بل كانت خطتهم محو العنصر الأرمني. وقد اتضح ذلك من عملهم وأقوال الشهود العدول”. وفيما يخص عملية تهجير الأرمن إلي ولاية حلب العربية، علقت الأهرام بقولها: “أما الجهة التي قامت بنقلهم إليها فهي ولاية حلب العربية، ولكنهم كانوا يفنونهم في الطريق، لأن الغرض الصحيح لم يكن الإبعاد، بل الإفناء”.

وفي سياق هذا المحور، خصصت الباحثة السورية د. نورا أريسيان دراستها عن “الأرمن في الصحافة السورية”. وقد عالجت د. أريسيان الموضوع من خلال الصحافة السورية الصادرة منذ عام 1877 وحتي عام 1930. وحسب تحليليها، انفردت الصحافة السورية بطريقة طرح الموضوع وبأسلوب التوضيح الخاص ، لأن السوريين كانوا شهود عيان علي هذه الأحداث، مما أعطاهم الإمكانية لتوضيح الحدث بموضوعية أكبر. ولم تقصد د. أريسيان بشهود العيان فقط السكان السوريين، بل قصدت الصحفيين ورجال الفكر والقلم الذين قاموا بتسجيل الحدث بكامله عن طريق الصحافة.

هذا، وقد شملت الصحافة التي غطت الدراسة “33” صحيفة سورية سياسية صدرت في دمشق وحلب وحمص ومنها علي سبيل المثال: الأمة، التقدم، ألف باء، العاصمة، المستقبل، القلم الحديدي وغيرها . وكانت المقالات المتعلقة بالأرمن تتضمن بشكل أساسي المواضيع التالية : أخبار الأرمن، وصف المذابح إحصاءات عن عدد الأرمن، مقارنات بين حال الأرمن والعرب، شهادات وتعليقات. وتجدر الإشارة إلي أن أصحاب القلم السوريين قد انطلقوا في إطلاق أحكامهم من مبدا أن القضية الأرمنية هي قضية إنسانية عليهم الإفصاح عنها وفضح خفاياها، كي تستطيع الجماهير ان تحدد رأيها وموقفها .

وجدير بالتسجيل أن جريدة ” المقتبس” لصاحبها محمد كرد علي (1908) قد نشرت اكثر من (200) مقالة خاصة بأحداث الأرمن، وقد تابعت الجريدة تهجير الأرمن إلي الصحراء السورية، ومن ثم، استقرارهم في سورية. وبذا، قسمت د. أريسيان هذه المقالات إلي ثلاثة أنواع وهي 1- تهجير الأرمن، 2- تعدادهم ، 3- أخبار استقرارهم في الديار السورية. ويلاحظ علي حصاد”المقتبس” أنها كانت تشدد علي فكرة الوفاق بين العناصر المختلفة في الدولة العثمانية, وفضل كرد علي فيما يتعلق بقضية الأرمن اتباع سياسة لينة وحكيمة بعيدة عن العنف .
وإضافة إلي المقتبس، ثمة جريدة “القبس” التي أسسها محمد كرد علي مع شكري العسلي في عام 1913 بدمشق. وقد اهتمت هذه الجريدة بمسألة الإصلاحات الأرمنية . وفي 1 نوفمبر 1913، علقت “القبس” علي مفاوضات روسيا وأوربا مع الدولة العثمانية بخصوص الإصلاحات الأرمنية بقولها: “إن الدولة العثمانية تعمل لحل المسألة الأرمنية علي الطريقة الأوروبية أو الروسية”.

أشارت د. أريسيان أيضا إلى جريدة “التقدم” التي أسسها شكري كنيدر عام 1908، ففي 15 أغسطس 1915، كتبت الجريدة ان “نحو مليون من الأرمن الذين كانوا يسكنون في هذه الولايات (الأرمنية) قد أبعدوا عن أوطانهم ونفوا إلي الجنوب”. أما عن الموقف الرسمي ، فقد رصدته د. أريسيان من خلال صحيفة “العاصمة” الناطقة بلسان الحكومة السورية، التي أصدرها الشريف حسين في 17 فبراير 1919 ورأس تحريرها محيي الدين الخطيب. وقد احتوت الجريدة أخبارا ثابتة عن الأرمن في باب “الأخبار الخارجي”.

وانتهت د. أريسيان إلى أن جميع الصحف السورية منذ عام 1877 وحتي عام 1923 قد عبرت عن أرمينية الغربية باصطلاح “الأناضول الشرقي”، إذ سميت مرات عدة بولايات أرمينية الغربية أو أرمينية العثمانية. وعند الحديث عن الدولة العثمانية، ذكرت أرمينية كونها القطعة الأرمنية مثلها مثل القطعة الأوروبية أو الإفريقية. إذا، مصطلخ الأناضول الشرقي كان يعادل الولايات الأرمنية الست. كما وصفت الصحافة السورية ماحدث للأرمن بأنه “إبادة” علي نحو ماورد في جرائد ” القلم الحديدي” (1916) و “المستقبل” (1917). وبذلك، تعد الصحافة السورية مصدرا مهما لتوثيق أحوال الأرمن وتهجيرهم من الولايات الست الأرمنية وغيرها إلي صحراء سورية واستقرارهم في المناطق السورية المختلفة.

وفي ذات القضية، خصص أ . علي ثابت صبري باحث دكتوراة بجامعة عين شمس دراسته عن “المذابح الأرمنية ( 1894- 1896) بين الأكاديميين والهواة” دراسة مقارنة بين المؤرخ المصري د. عبد العزيز الشناوي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الأزهر وبين المستشار المصري أ فؤاد حسن حافظ. وجدير بالتسجيل أن د. الشناوي قد خصص حيزا مهما عن “القضية الأرمنية” في الجزء الثالث من عمله المشهور عن “الدولة العثمانية: دولة مفتري عليها”. (أربعة أجزاء). أما المستشار حافظ فقد عالج القضية الأرمنية في سياق كتابه الذي رصد فيه “تاريخ الشعب الأرمني منذ أقدم العصور حتى اليوم ( 1986).

وفي الابتداء، لاحظ الباحث أن د. الشناوي كتب عن القضية الأرمنية من منظور ديني مفاده أن الدولة العثمانية دولة الخلافة الإسلامية، مما تمخض عنها أن أية أعمال قامت بها الدولة لها تبريراتها، وعززت هذه الصورة بنظرية المؤامرة من خلال أن دولة الإسلام محوطة بالأعداء. أما حافظ، فقد تناول الموضوع من منظور إنساني خلاصته أن الأرمن شعب له حضارة وتاريخ مميزين، ورغم أن الظروف وضعته تحت الاحتلال العثماني، فمن حقه المطالبة بإصلاح أحواله على الأقل، عن لم يكن الحصول علي حكمه الذاتي أواستقلاله علي الأكثر. وفي ذات السياق، رغم أكاديمية الشناوي، فإنه اعتمد علي مصادر أحادية التوجه صبت في مجري الدولة العثمانية (التركية)، ولذا وقع أسيرا للروايات التي أنتجتها الحكومات العثمانية وخلفياتها من الحكومات التركية. ورغم عدم أكاديمية حافظ وعدم التزامه بالمنهج العلمي في البحث، فإنه قد اعتمد علي مكتبة ثرية ومتنوعة.

وعلى هذه الخلفية، قارن ثابت بين الأستاذ والمستشار مطبقا علي مذابح قضاء ساسون عام 1894، وهي الموجة الاولى في سلسلة المذابح الحميدية التي وقعت خلال عامي 1894-1896 . وانتهت المقارنة إلى أن الأستاذ ناقش المسألة بشكل سطحي معتمدا علي رواية أحادية فقط استمدها من المؤرخ الأمريكي المتحيز جدا لتركيا، وهو ستانفورد شو صاحب كتاب “الإمبراطورية العثانية وتركيا الحديثة” بالإنجليزية.

كما أن الأستاذ خلط بين المفاهيم؛ إذ قال: “الثوار الإرهابيين” وهكذا، وصف “الثائر” بـ” الإرهابي”. وعلى النقيض، جاءت معالجة المستشار أكثر دقة؛ إذ قال: بدأت المذابح في 15 أغسطس حتى 15 سبتمبر 1894، في حين ذكر الأستاذ أنها وقعت ” أواخر صيف 1894 “. كما أن المستشار استعرض أكثر من وجهة نظر لتحديد أعداد القتلى الأرمن في مذابح ساسون. وعلي هذه الوتيرة / قارن ثابت بين الشناوي وحافظ في مذابح عام 1895 وكذا حادثة البنك العثماني (26 أغسطس 1896) وماتلاها من مذابح ضد الأرمن .

(القسم 1)

…يتبع…

Share This