قران النجم التركي – الصهيوني

د. موفق محادين

من السجالات التي تشهدها “النخب العربية” تبادل القراءات حول الخطر الثاني الذي يتهدد العرب والمنطقة بعد الخطر الصهيوني..

فهناك من يذهب الى ان تركيا العثمانية “حكومة الاسلام الامريكي” وتحالفاتها هي أخطر ما يواجه القومية العربية كما كانت عبر خمسة قرون… وهناك من يذهب إلى أن إيران الامبراطورية هي التي تشكل هذا الخطر…..

وحتى لا تأخذنا الانطباعات والأحقاد بعيدا عن المعطيات والموضوعية ولغة المصالح والسياسة والمنظورات الاستراتيجية، تعالوا ندقق في الحيثيات التالية قبل أن نأخذ أي موقف:-

1. صار متفقا عليه ان تركيا وايران هما اليوم ضمن القوى الصاعدة، وانهما تأخذان بعدا امبراطوريا واضحا يستدعي تحويل الجوار لهما الى مجالات حيوية تحت سيطرتهما.

2. ومن المعروف، كذلك أن البلدين يتمتعان بحضور ونفوذ واسعين في مناطق واسعة من آسيا، ويتبادلان هذا النفوذ على أسس مذهبية وقومية.

ولو أخذنا اذربيجان على سبيل المثال، فغالبيتها المذهبية من الشيعة، وغالبيتها القومية من أصول تركية… وهكذا في أكثر من بلد..

3. حيث ينتشر نفوذ البلدين في اسيا، يتشكل مستقبل العالم برمته في هذه القارة واطرافها الاوروبية “اوراسيا”، ولا سيما روسيا والصين والهند بكل امكاناتها البشرية والاقتصادية والعلمية والعسكرية.

وحسب بريجنسكي فإن تلك المنطقة “اوراسيا” وليس الشرق الاوسط هي قلب العالم.

4. لو أخذنا الامكانات الموضوعية المتاحة للبلدين للتمدد في المنطقة العربية، لوجدنا أن ايران اقل قدرة على الصعيدين المذهبي والقومي.

فمقابل ما يعرف بالهلال الشيعي والجيوب المذهبية حول السعودية “الحوثيون، الاحساء، البحرين، شيعة الكويت” فإن الغالبية الساحقة من العرب هي من الكتلة السنية.

وذلك علما بأن تركيا ليست دولة سنية كما تروج بعض المواقع الالكترونية، بل ان السنة يندرجون ضمن الاقليات المذهبية فيها، بل ان العلويين “عشرون مليونا”، هم اكثر عددا منهم. فالحالة الدينية التركية السائدة هي خليط من مذهب ابي حنيفة “الفارسي” ومن الطرق الصوفية وخاصة البكتاشية التي يكفرها السنة المتشددون.

ومع ذلك فقد جرى تسويق تركيا كحامية لاهل السنة طيلة خمسة قرون، ولاتزال هذه الصورة قوية لدى الأغلبية العربية.

5. ما يمكن استنتاجه ان تركيا هي الأقدر على التمدد الواسع عربيا، وهو ما يترافق مع مشروع حقيقي أشار له بريجنسكي وبرنار لويس مبكرا وقبل حكومات الاسلام الاردوغاني..

ويتلخص هذا المشروع في تطويق روسيا والصين والهند بحزام اسلامي سني ناعم وخشن لا يمكن تحقيقه الا عن طريق بعث الامبراطورية العثمانية وتحويلها الى مركز لهذا الحزام وتأمين المجال الحيوي العربي له.

ولا يمكن لهذا المشروع ان يتحقق الا بتصفية القومية العربية ومراكزها السياسية “العراق، سورية، مصر” واستبدالها بمناخات ودويلات طائفية ومذهبية.

6. ومن المفهوم ان اي مشروع امريكي استراتيجي ينبغي أولا وقبل كل شيء ان يتوافق مع المشروع الصهيوني، ويلاحظ انه مهما بلغت مناورات ورغبة الحمائم في ايران من بيع الامريكان موقفا “مرنا” من تل ابيب، ومهما بلغت مناورات ورغبة بعض الراديكاليين في تركيا من بيع العرب موقفا مناهضا لسياسات حكومات اليمين الصهيوني، فلن يؤثر ذلك في المدى الاستراتيجي في السمة العامة التركية المتحالفة مع تل ابيب، وفي السمة العامة الايرانية القلقة منها.

وفي كل الاحوال، فإن الامل الحاسم في هذا الموضوع، عامل موضوعي ومعطى عياني يستمد “وجاهته” من اعتبارات محددة جلية وواضحة هي:-

1- البعد القومي المشترك بين الاتراك والغالبية الساحقة من يهود “اسرائيل” الذين يعودون في اصولهم الى يهود الخزر، وهم قبائل تركية تهودت في القرن السابع الميلادي.

2- تأثيرات ابن ميمون في الثقافة التركية ونفوذ يهود الدونمة داخل تركيا والعديد من البلدان العربية.

3- العلاقة المشتركة بين تركيا واسرائيل عبر حلف الاطلسي بالاضافة لمستوى التبادل الاقتصادي التجاري ووجود الاف الاتفاقيات الثنائية بين البلدين.

ولمن لا يعرف ايضا، فإن منظومة الدرع الصاروخي الامريكي في تركيا وكذلك قاعدة انجرليك، ترتبط ارتباطا عسكريا وامنيا قويا مع المؤسسة العسكرية والامنية الاسرائيلية.

4- بالمجمل نحن امام علاقة متشعبة وقوية بين نجمة داود والهلال العثماني، وبما يذكرنا بالظاهرة الفلكية المعروفة بـ “قران النجم” او الهلال الذي تتوسطه النجمة.

العرب اليوم 

Share This