مختارات من الشعر الأرمني الحديث “أقنعة ومرايا” (2)

عرض: عطا درغام

في أواخر عام 2010، صدر عن منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب التابعة لوزارة الثقافة السورية كتاب (أقنعة ومرايا: مختارات من الشعر الأرمني الحديث) ترجمة الباحث والمترجم الأرمني الحلبي مهران ميناسيان.

زاريه خراخوني (1936 – ) : الشاعر الفيلسوف

اسمه الحقيقي أرتو جونبوشيان. ولد في إسطنبول. درس في كلية الحقوق ثم الفلسفة من كلية الآداب جامعة إسطنبول. نشر مقالات ودراسات أدبية وتقدية في الصحافة الأرمنية. وعمل في مجال الترجمة لا سيما عن الأدب الفرنسي المعاصر. وعمل لفترة في مجالي التعليم وتحرير الدوريات الأدبية. وترجمت قصائده إلي لغات عديدة ، وبعضها لحن وتحول إلي أغان. ومن أبرز دواوينه نذكر: (قطرات حجرية) (إسطنبول 1964)، (حديقة الأنوار) (بيروت 1968)، (ظل وصدى) (باريس 1973)، (انا والآخرون) (يريفان 1982)، (دروب) (إسطنبول 1987)، (كالأزهار) (إسطنبول 2000). ليس هذا فحسب، فقد ألف أعمالا مسرحية ونثرية.

يتسم عالم خراخوني الإبداعي بسيطرة الروح الفلسفية على إنتاجه؛ إذ يصور عالم اليوم وهموم الإنسان المعاصر لا سيما مشاكل السلم العالمي والتطور العلمي والتآخي بين الناس والشعوب والأخطار التي تهدد البشرية.

ومن بين سلسلة قصائد رائعة لشاعرنا اختارها ميناسيان بدقة وحساسية لقراء لغة الضاد، نقدم قصيدة (ثم) التي يقول فيها خراخوني:

لنكن كالجموع – ونفعل كل شيء

لنصفق مثلهم – لنطعن بأرجلنا معهم هذا او ذاك

ولنلق المحاضرات ونتوسط من أجلهم جميعا ولنرفع أصابعنا ونوجه الأسئلة بحضور

الآخرين

ولا نفهم منهم إلا الضجيج

ومن ثم نجلس ونتأمل وحيدين

       ***

لنفتح قلوبنا للجميع

ونوزع انفسنا للآخرين كالخبز قطعة قطعة

لنتقاسم آلام الآخرين- ونسرد لهم همومنا

ونعرض أنفسنا للسعات الابتسامات المهينة

لهذا أو ذاك

ومن ثم نتألم ونتحمل كل ذلك وحيدين

لنفتح أحضاننا للحشود

ونلق باأنفسنا في أحضان الجماهير بسرور من

يلقي بنفسه في البحر

فلنسر ونصرخ معهم- لنحس بانفسنا أقوياء

مثلهم- ونتملقهم ونحن نرتجف

وبالكاد نخلص أنفسنا من خطر الانسحاق

ومن ثم ننزوي ونبقي وحيدين

       ***

لنمد أيادينا إلي العالم

لنتآخ مع الغريب ن مع الآتي والعابر

لنفتح أبوابنا للقريب والغريب كما تتح المائدة

والروح

لنحب ونمنح بإسراف

في حين نري أن الكل يريدون المجيء إلينا

ليحكموا علينا

وحينئذ نحزن ونبكي وحيدين

           ***

ومن ثم……

ومن ثم نتوجه إلى الجميع

ونصلي

وحيدين

…………………………………………………………………

هوفهانيس كريكوريان ( 1945- ): الناقد الشاعر

ولد في مدينة كومايري بأرمينية. وفي عام 1970، أنهي دراسته في جامعة يريفان، وقد تخصص في مجال الترجمة الفورية، وعمل مترجما في بعض الصحف الأرمنية. وقد صدرت دواوينه في يريفان ومنها: (أغان بلا موسيقا) (1975)، (خريف من نوع آخر تماما) (1979)، (مطر بمناسبة حزينة) (1982)، (ساعات بطيئة) ( 1986)، (ملائكة من سماء الطفولة)، (1992)، (نصف الزمن) (2002). وفي عام 2004، أصدر أولى كتاباته النثرية تحت عنوان (المايسدرو)، وكتب للأطفال، وترجم إلى الأرمنية من الأسبانية والروسية، وترجمت أعماله إلى عدة لغات.

يرسم كريكور في أعماله الشعرية المصير الصعب لوطنه وشعبهن ويقدم نقدا لاذعا لرجال السياسة والحكام، ويرسم كذلك وضع أرمنية الصعب بعد استقلالها في عام 1991. ورغم ذلك، لم ينس شاعرنا هموم الفقراء والبسطاء. ونلتقط من بين روائع كريكوريان قصيدة ذات مغزى عميق بعنوان (أرمينية). يقول الشاعر:

هذا هو وطني وهو بحجم

يمكنني اصطحابه

عند ذهابي إلي أمكنة بعيدة

إذ إنه صغير كالأم العجوز

كالمولود الجديد

وأما علي الخارطة

فهو دمعة واحدة فحسب…

هذا هو وطني، بحجم يمكنني

من أن أحفظه في قلبي

كي لا أفقده فجاة..

وجدير بالتسجيل أن كريكوريان ألف قصيدة جد شائقة ومبتكرة عبارة عن ” كتاب مدرسي مختصر عن تاريخ الشعب الأرمني من أجل الذين لا يملكون وقتا كافيل لمطالعة الكتب الضخمة ولا قابلية لديهم للقيام بذلك”.

وقد قسم القصيدة إلي ستة فصول، تناول أولها ” حقبة ماقبل التاريخ” ، واستعرض ثانيها” العصر الحجري” وتطرق ثالثها إلي ” عن الذي أخذوه في العصر البرونزي” ، واختص رابعهما بموضوع ” عن الذي أخذوه في العصور الوسطي ” ، وجاء خامسها تحت عنوان” العصور الحديثة” ، وكان آخرها عن ” عواقب الانتصارات المعنوية والخسائر المادية . ومما جاء في هذه القصيدة:

وحينذاك هجمت كل الزواحف والوحوش

من الجهات الأربع

ومزقتها بشراسة إربا إربا

ثملة بالرائحة الذكية

… فبقيت في رائحة كفي بقعة صغيرة

كذخيرة

قطعة حلوي مقضومة من أطرافها الأربعة

اسمها……

أرمينية

………………………………………………………………

إكنا صاري أصلان ( 1945 – ): الجراح الرقيق

ولد في إسطنبول. وفي عام 1963، تخرج في المعهد الفرنسي بإسطنبول، ثم درس الطب ونال شهادتها في عام 1969 متخصصا في الجراحة العامة.

كتب دراسات أدبية منشورة في الصحافة علاوة علي بعض الترجمات. نشر إبداعاته الشعرية في مسقط رأسه ومن أشهرها: (لو) (1974) و(لون الحب) ( 1988). هذا ، وقد مثلت قصيدته الطويلة (غروب تودوزي) مرات عديدة علي المسرح. وترجمت أعماله إلى عدة لغات. وبجانب أعماله الشعرية، ألف كتابا عن تاريخ الأرمن في إسطنبول. وجدير بالتسجيل أن صاري أصلان عضو في جمعية “بن” العالمية للأدباء. وفي كلمة موجزة، يعد هذا الشاعر بامتياز شاعر الحب والأحاسيس الرقيقة.

ومن بين روائع صاري أصلان، نختار قصيدة (أنت الحب) الذي قال فيها:

بردت فأدفأتني

عطشت فسقيتني

تألمت فسكنت آلامي

أخطأت فهديتني

أظلمت فنورتني

ذبلت فأزهرتني

مرضت فشفيتني

أخطأت فأصلحتني

أهملت فقدرتني

ضعت فوجدتني

       ***

لقد مت

فأعد إلي الحياة

أعد إلي الحياة

أيها الحب .

آريك العدد رقم 15

آب 2011

Share This