عندما تتحول الكنائس الى متاحف تحت شعار المصالحة

يعتقد المحتلون والغاصبون أنهم قادرون على تغيير معالم البلاد وتحريف التاريخ وإزالة آثار الشعوب منتهزين الفرص لتطبيق ذلك، وهم يسخّرون عمليات التحريف من أجل إثبات وجودهم التاريخي أو على الأقل من أجل عملية مصالحة فاشلة.

وهذا ينطبق على ما يحدث في كنيسة أرمنية على جزيرة “أختامار” في بحيرة فان. وتعود كنيسة “الصليب المقدس” الى القرن العاشر الميلادي وتعتبر نموذجاً معمارياً من الحضارة الأرمنية القديمة، حيث قررت الحكومة التركية ترميمها عام 2007 بتكلفة باهظة، واعادة افتتاحها كمتحف ضمن أملاك وزارة السياحة التركية.

وتستعد تركيا لافتتاح الموقع الأثري -من وجهة نظرها- في 19 ايلول الجاري، وذلك بإلغاء القداديس اليومية والمنتظمة في الكنيسة وإشعار قداس ليوم واحد سيسخّر لاستقبال الوفود، واعتبار ذلك حدثاً سنوياً يقتنع به الأرمن كيوم للحج، مع طرح إشكالية تعليق الصليب على القبة الأمامية للكنيسة بشكل مؤقت ليوم واحد وإزالته فيما بعد على اعتبار أن الموقع هو متحف وليس كنيسة أرمنية.

وبطبيعة الحال، تستغل تركيا هذه الكنيسة كورقة لترويج التزاماتها تجاه أوروبا المسيحية وحلفاءها الذين يريدون التطبيع السريع مع أرمينيا. وقد أعلن مسؤول في وزارة الخارجية التركية بأن القداس في كنيسة الصليب المقدس سيحسن الاجواء المحيطة بعملية السلام، آملاً بأن هذه الخطوة ستسهم في عملية التطبيع بين تركيا وأرمينيا.

وفي هذه الأجواء، وعلى خلفية إصرار الجانب التركي بدعوة وجمع أعداد كبيرة من الأرمن للفت الأنظار بأن الأمور تسير بخير، تتصاعد الآراء بين الأرمن ما بين الموافق على قبول الدعوة وحضور القداس ورافض لكل هذه المسرحية.

وبهذا الصدد، أعلن مكتب الاعلام في كاثوليكوسية بيت كيليكيا للأرمن الأرثوذكس (أنطلياس) أن الكاثوليكوس آرام الأول لن يرسل ممثلين لحضور مراسم كنيسة الصليب المقدس. حيث دعا في بيان له الأمم المؤيدة لحقوق الانسان بطلب تفسير من تركيا، وطالب المجتمع الدولي بإرغام تركيا على الاعتراف بأنها قامت بهدم أو تحويل أكثر من ألفي كنيسة أرمنية الى اسطبلات أو مساجد وذلك في أراضي أرمينيا الغربية وكيليكيا المحتلة من قبل تركيا. مؤكداً التزام الكاثوليكوسية بالعدالة وحقوق الانسان والاعتراف بالابادة، وكذلك تحديد واجب تركيا باعادة حقوق الناجين.

وفي خطوات مماثلة في الكرسي المقدس في إيتشميادزين وبطريركية الأرمن في القدس يكون رؤساء الكراسي الثلاثة للكنيسة الأرمنية – في أرمينيا ولبنان والقدس – قد قرروا عدم حضور مراسم القداس الالهي في كنيسة الصليب المقدس في 19 ايلول وكذلك عدم إرسال ممثلين عنهم.

والجدير ذكره ما جرى بداية شهر آب الماضي، عندما أرغم شرطي تركي مجموعة من الطلاب الأرمن الخروج من “المتحف” أي من كنيسة الصليب المقدس عندما حاولوا اشعال شمعة والترتيل. علماً أن تلك المجموعة مؤلفة من طلاب مدارس في أرمينيا فازوا في مسابقة تلفزيونية باسم (الفارس الأرمني) وكانت جائزتهم زيارة الى أراضي أرمينيا الغربية (تركيا الحالية).

لقد حاولت تركيا تضليل المنابر الدولية بما فيها الاتحاد الأوروبي واليونيسكو بأنها تحافظ على التراث الثقافي فقامت بترميم كنيسة الصليب المقدس، على اعتبار أن المسؤولين الزوار لن يتعمقوا في أصالة المبنى ومنحوتات جدرانها من النقوش الأرمنية. بل على العكس ستكون تركيا قد قدمت بهذا الافتتاح صورة المجتمع التركي المتسامح. وها هي تفسح المجال لـ”الحج ليوم واحد”.

ومؤخراً، أعلنت السلطات التركية عن عدم تمكنها من نقل صليب الكنيسة لأسباب تقنية، متعلقة بوزن الصليب الذي يبلغ 200 كغ.

في النهاية، ينبغي على الشعوب الاسلامية والمسيحية أن تدرك بأن “الموقع” أي الكنيسة يجب أن تصنف ضمن ملكية أوقاف بطريركية الأرمن في تركيا بإشراف البطريرك. وأن تدعو المجتمع الدولي اتخاذ الاجراءات بدشين الكنيسة والسماح بممارسة الطقوس الدينية في ذلك “الموقع” أي الكنيسة الأرمنية طيلة أيام السنة وليس ليوم واحد فقط.

ملحق “أزتاك” العربي

أيلول 2010

Share This