رافي يداليان في “آرت أون 56” هذا الفنان قد يبرع مستقبلاً

يعرض رافي يداليان في غاليري “آرت أون 56″، الجميزة، إلى 18 تشرين الأول الجاري، أعمالاً غريبة في توجهاتها ومعانيها، كأنها تأتي الينا من فضاءٍ، مقاييس البشر فيه تقترب من تحولات جسدية لها معان خارجة عن أنماط الحياة الواقعية في أيامنا هذه. تتكون الأعمال من مفردات الجسد البشري، غير أنها ذات تمددات وتغريدات قريبة أكثر من الإيماءات المسرحية والراقصة. وهي، بفضل قدرات الليونة في الحركة، تتفوق على إمكانات الناس الذين على وجه الأرض، من دون أن يعرفوا أن الأرض، في مكان ما من الكون، تدور في شكل يخالف منطقهم.
ما هي المقاييس التي تتحكم بأناس المعرض، في وجوههم الغريبة التي تعرّي الممثلين من أقنعتهم؟ لا يمكن التكهن بهذه المقايس. ففي مكان ما، يتوجهون الى اللاإنتماء. انهم نسخ مخصصة لحفظ التاريخ الآني والمتواصل، مع الإيهام بأنها تنطق بواقع لم يعد يربطهم بما كان عليه في الماضي القريب. نماذج غريبة قد تفوق التصور الواقعي، لِما اصبحت عليه الصورة الافتراضية لدى المواهب الشابة التي تمتهن التفكيك والتركيب، من دون الحاجة الى اختبارات تفوق امكانات الذاكرة. فلا التماثيل القليلة تشفي الغليل، ولا اللوحات مهما كانت اعدادها تنجح في إبعادنا عن فكرة اعتماد الفنان على النسخة الواحدة لخلق امتدادات ذهنية او عاطفية لهيكل بشري يتمتع بإمكانات خارقة في التحرك. إمكانات من شأنها أن تذهب به الى نتائج جسدية لا يتوقعها العقل البشري المتواضع، الذي يولد أحيانا وينمو ويشيخ، من دون أن يكتشف أن هناك فرصاً ومهارات وتجاوزات كثيرة تلتصق بقدرات خفية أو مموهة، لا تنقشع الا أمام أعين الذين يبحثون ويحققون انجازات فردية.
كل هذه الافكار تلاحقني وأنا أتنقل بين لوحة واخرى، بين مائية وأخرى، بين منحوتة وأخرى. يعيد يداليان من دون ملل إنتاج الوجه المستطيل ذي الملامح والتلوينات والتقاسيم المونوكرومية الرمادية، كأنه يحاول خلق شيء مرتبط بالأرض لكنه لا ينتمي اليها. الوجه يعود كأنه ترنيمة صاعدة. أشكال وقامات واعضاء كبيرة وطويلة تنبع من بطن المعجون بشطارة، بتعاريج وابتكارات في صور وهمية تقول الكثير من الايماءات التي تذكّر بالتمثيل الايمائي، حيث الجسد كله يصبح لعبة لينة في يدٍ تعرف كيف تفرض عليه تصرفات صامتة وموحية في الوقت نفسه. لكأنها عكس الدمى المفككة. يواصل الفنان التلاعب بدمىً هي اصلاً للصغار لكن الدمى تكبر بطموحات تحاول أن تسجل اختراعاً يمكن ان يصبح نوعا من الثرثرة والمبالغة في نطاق اللامعقول.
رافي يداليان قد يكون الاسم الذي يبرع مستقبلاً، اذا عرف ضبط ايقاعاته التصويرية والتعبيرية، بعد أن يتحاشى التأثر بالفنان الفرنسي المعاصر برنار بوفي (1928-1999).

لور غريب

النهار

Share This