رئيس جمهورية أرمينيا لـ (الرأي): قوة داخلية كبيرة لتطوير العلاقات الأردنية الأرمينية

أكد رئيس جمهورية أرمينيا سيرج سركيسيان أن منطقة الشرق الأوسط شغلت دائماً مكاناً مهماً في سياسة أرمينيا الخارجية.

وقال الرئيس الأرميني في لقاء خاص لـ «الرأي» عشية زيارته الرسمية الى المملكة التي تبدأ اليوم إن بلاده تسعى إلى أهمية تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية مع المملكة الأردنية الهاشمية.

ولفت الرئيس في معرض إجابته على أسئلة الرأي أنه يرى آفاقاً كبيرة لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية الأرمينية الأردنية خاصة في مجالات السياحة والصحة وصناعة الادوية والصناعة المنجمية والزراعة والتكنولوجيا رفيعة المستوى واستخدام الطاقة الذرية في المجال السلمي.

ولاحظ أن الزيارة تكتسب أهمية بتوقيع عشر اتفاقيات ستعطي دفعة جديدة لتطوير العلاقات بين الأردن وأرمينيا.

ويرى الرئيس الأرميني أن من سلبيات ما يسمى بـ «الربيع العربي» حراك المجموعات الإرهابية إضافة للأزمة الإنسانية التي خلفتها وتسببت بقتل آلاف الضحايا الأبرياء وتحول الملايين إلى لاجئين ووقوع دمار كبير في دول مشيراً أن إحصاء العنف يثير الرعب مدللاً إلى ما تكبدته الجالية الأرمينية في سوريا من خسائر بشرية ومادية.

وتحدث الرئيس عن قضايا دولية شملت علاقة بلاده بتركيا والصين ووروسيا والاولايات المتحدة وزيارته الأخيرة إلى باريس إضافة إلى قضايا اقتصادية وتجارية مختلفة.

ومن المقرر أن يلتقى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين اليوم الرئيس الأرميني الذي يصل عمان في أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس أرميني للبلاد منذ الاستقلال عام 1991 وتستمر زيارة سركسيان 32 ساعة.

وفيما يلي نص اللقاء..

العلاقات الأرمينية الأردنية تبعث على الأمل وتتطور بصورة دينامية. كيف تقدرون تلك العلاقات، وهل يمكن القول إن تلك العلاقات مرتبطة بمصالح البلدين وليس بمسائل أخرى ؟

آخذاً بعين الإعتبار الماضي الغني للعلاقات التاريخية الثقافية الأرمنية العربية، وكذلك إسهام العالم العربي وأهميته في تاريخ المهجر الأرمني شغلت منطقة الشرق الأوسط دائماً مكاناً مهماً في سياسة أرمينيا الخارجية. ومنذ الاستقلال حافظت أرمينيا على علاقات وثيقة ووسعت التعاون مع البلدان العربية. وفي هذه الصياغة يتسم بالأهمية تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية مع إحدى الدول المتقدمة في العالم العربي مثل المملكة الأردنية الهاشمية. إن العلاقات الأرمينية الأردنية مقارنة مع دول الإقليم الأخرى لم تتطور بالمعدلات المرغوبة في هذه الأعوام، ولكن توجد قوة داخلية كبيرة لتطويرها.

أود الإشارة بصورة خاصة إلى أهمية العلاقات التجارية الاقتصادية الأرمنية الأردنية التي تتكون للتو. أرى آفاقاً كبيرة للتطور في مجالات السياحة والصحة وصناعة العقاقير والصناعة المنجمية والزراعة والتكنولوجيات الرفيعة المستوى واستخدام الطاقة الذرية في المجال السلمي، وخاصة أن ما ذُكِر هي من الفروع المتقدمة في اقتصاد أرمينيا والأردن.

أعتبر من الأهمية بمكان توقيع 10 وثائق في إطار هذه الزيارة. وبصورة عامة أنا مقتنع بأن زيارتي إلى هذا البلد الرائع ستعطي دفعة جديدة لتطوير العلاقات بين بلدينا.

كيف تنظرون إلى ما يُسمى «بالربيع العربي» وهل تنظرون بتفاؤل إلى عملية الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان في البلدان العربية في ظروف وجود الإرهاب والتكفيريين؟

إن الأحداث التي بدأت في كانون الأول عام 2010 في الأقطار العربية التي تشكل جزءاً من الشرق الأدنى أدت إلى تغييرات في مجال النظام في المنطقة بأكملها. ونتيجة الفراغ السياسي الذي نشأ بسبب ذلك تحركت المجموعات الإرهابية أيضاً. وتُعتبر من النتائج السلبية للربيع العربي الأزمة الإنسانية التي أصبحت سبب مقتل آلاف الضحايا الأبرياء وتحول الملايين إلى لاجئين ووقوع الدمار الكبير. تتابع أرمينيا باهتمام دائم العمليات الجارية في الشرق الأدنى. ليس باستطاعتنا البقاء في وضع شاهد عيان جانبي لأن هذه البلدان هي دول صديقة لنا وتوجد بجوارنا المباشر وتوجد في أغلبها جاليات أرمنية. إن البشرية جمعاء تصبح اليوم شاهدة عيان للأحداث المأسوية الجارية في سوريا والعراق. إن إحصاء العنف يثير الرعب. واضطر على مغادرة ديارهم ملايين السكان المسالمين إلى مغادرة ديارهم، وأن سكان سوريا بأكملها وكذلك الجالية الأرمينية في سوريا يتكبدون خسائر بشرية ومادية كبيرة. في 21 من أيلول أصبحنا شهود عيان لعملية بربرية عندما قام مسلحو ماتسمى «بالدولة الإسلامية» بتفجير الكنيسة الأرمينية في دير الزور ومجمع الذكرى الذي كان مكرساً لضحايا المجزرة الأرمينية. إننا كشعب عانينا من المجزرة ليس باستطاعتنا أن نلتزم الصمت عندما تقع أحداث مأسوية مماثلة. في هذه الصياغة إن أرمينيا قد رفعت صوتها حول مسألة ضرورة ضمان أمن السكان المسالمين في المنطقة وخاصة الأقليات القومية في العراق. ورغم كل هذا أنا متفائل وآمل تماماً في أن القيم الديمقراطية والإنسانية العامة ستصبح أساس الحوار الثنائي القومي العام بتنسيق مصالح جميع الأطراف والعملية الحيوية لإقامة الدولة المستقرة. أنا واثق بأن تعزيز المؤسسات الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان يجب أن تصبح السلاح العقائدي الرئيسي في النضال ضد الإرهاب.

وماذا عن علاقتكم بالجمهورية التركية؟

في مسألة العلاقات مع تركيا إن جمهورية أرمينيا قد سارت دائماً على مبدأ تطبيع العلاقات دون أية شروط مسبقة. إن المبادرة التي قمنا بها عام 2008 أدت إلى توقيع المذكرات في زيورخ عام 2009 والتي تعلمون عن مصيرها. في مجال تطبيع العلاقات يجب على تركيا أولاً أن تبدي الإرادة السياسية وأن تحترم الاتفاقات التي تم التوصل إليها وتصدق على المذكرات وتنفذ الاتفاقات الواردة فيها وأن تتخلى عن السياسة بربطها تطبيع العلاقات الثنائية مع مسائل أخرى.

أما فيما يتعلق بالإبادة الجماعية للأرمن في الامبراطورية العثمانية فإننا ملزمون دائماً بالنضال للاعتراف والتنديد الدولي بها وبذلك القيام بدور خاص في عملية تفادي وقوع إبادات عرقية وجرائم ثقيلة مماثلة ضد البشرية في العالم. في نفس الوقت أعتقد أن تركيا، كما تقول هي، تطمح لكي تصبح جزءاً من العالم المتمدن فيجب عليها أن تنظر وجهاً لوجه إلى ماضيها وأن تطلب المعذرة على الأقل لما حدث. وفي جميع الأحوال إننا لا نحول مسألة الإبادة العرقية وذكرى ضحايانا الأبرياء إلى مادة للإستغلال ولا ننظر إليها إطلاقاً كشرط أولي لتطبيع العلاقات الأرمينية التركية.

كيف هي العلاقات التجارية السياسية بين الصين وأرمينيا؟

تتطور العلاقات الأرمنية الصينية بصورة دينامية. إن التعاون الحكومي ذا المستوى العالي بين أرمينيا والصين وكذلك الدعم المتبادل حول مختلف المسائل الدولية المهمة تساعد على تعميق وتعزيز الشراكة المتعددة الوجوه في جميع المجالات الأخرى. أما فيما يتعلق بالعلاقات التجارية الاقتصادية فيجب أن أُشير إلى أنه خلال الأعوام الأخيرة أصبحت الصين إحدى الشريكات التجارية الأساسية لأرمينيا. إن الشركات الأرمينية تقوم بالأعمال لتوسيع نطاق وجودها في السوق الصينية، وقد تم في هذا المجال تحقيق النجاحات الأولى. في مجال التعاون التعليمي أيضاً لقد بدأنا تنفيذ بعض المشاريع المشتركة الخاصة بالمستقبل. واحد تلك المشاريع هي وضع برنامج تأسيس مدرسة في يريفان (العاصمة الأرمينية) تتسم بأهمية إقليمية لتدريس اللغة الصينية. بصورة عامة إن أرمينيا قد زادت من نشاطها في مجال توسيع وتعزيز العلاقات مع أقطار آسيا.

كيف تقيمون العلاقات المتوترة الآن بين موسكو وواشنطن وكذلك عن نتائجها؟ بصورة عامة كيف هي العلاقات بين يريفان وواشنطن وهل باستطاعتنا أن نعتبر أرمينيا منطقة النزاع أو التقارب بين روسيا الإتحادية والولايات المتحدة؟

إن العلاقات مع روسيا الإتحادية والولايات المتحدة تحتل مكاناً مهماً في أولويات سياستنا الخارجية. إن روسيا هي حليفتنا الإستراتيجية ويوجد لنا معها جدول أعمال سياسي شامل ونوجد في نفس البنية العسكرية السياسية، أما في الفترة الأخيرة وقعت أرمينيا إتفاقية الإنضمام إلى عضوية الإتحاد الإقتصادي اليورو آسيوي.

أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة فهي بالنسبة إلينا دولة صديقة وشريكة. إن جدول أعمال العلاقات بين أرمينيا والولايات المتحدة يشمل التعاون في مختلف المجالات. نحن نعتبر مهماً الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لأعوام بإستمرار لتطوير إقتصاد أرمينيا والقيام بالإصلاحات وإقامة الديمقراطية. وإلى جانب المسائل الثنائية نتعاون بصورة نشيطة في عدة معادلات مثل مسائل الأمن الأساسية الإقليمية والشاملة.

إن روسيا والولايات المتحدة وفرنسا هي دول تتناوب رئاسة مجموعة مينسك المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، أي المعادلة التي تهتم منذ سنوات عديدة بمسألة غاراباغ التي تشكل محور سياستنا الخارجية ونحن نقدر ذلك عالياً ومسرورون لاستمرار التعاون بين البلدين في إطار هذه المعادلة كما كان في السابق. وأضيف أنه في روسيا وفي الولايات المتحدة تقيم جاليات أرمنية يصل عدد أفرادها إلى عدة ملايين والتي تساعد على تطوير علاقاتنا مع البلدين.

إن أرمينيا لاترغب وليس بإستطاعتها أن تصبح سبب التوتر بين دول أخرى لأن ذلك يتعارض مع منطق سياستنا الخارجية. إن الجو الحالي للعلاقات الروسية الأميركية ليس مرغوبا فيه بالطبع لأنه توجد لدينا مع الطرفين علاقات صداقة ومهتمون بالمحافظة على علاقات الشراكة والطبيعية بينهما. بالطبع إن ذلك ينطلق ليس من مصالحنا فقط بل ومن مصالح البشرية جمعاء لأن هاتين الدولتين العظميين توجد لديهما رسالة ومسؤولية في مجال المحافظة على السلام والأمن العالميين وتعزيزهما. إن الشراكة الروسية الأميركية قد اجتازت الكثير من التجارب وأود أن أثق في أن التوتر الذي نشأ نتيجة الأزمة الأوكرانية لن يتسم بالطابع الاستمراري وعما قريب سينجح الطرفان في تخطيها بواسطة الحوار الثنائي.

أرجو أن تصفوا علاقاتكم مع موسكو، وهل يمكن أن يتطور الاتحاد الجمركي اليورو آسيوي في المستقبل باتجاه إتحاد سياسي معنوي تحت تسمية أخرى؟

إن علاقات الصداقة التقليدية الأرمنية الروسية تعتمد على السبيل التاريخي الذي عبره شعبانا وتنطلق من المصالح العامة لدولتينا. إن تطوير الشراكة التحالفية مع روسيا هي احد الاتجاهات الرئيسية في سياسة أرمينيا الخارجية. إن التعاون بين البلدين في مجال الدفاع ، بما فيه في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، يُعتبر أحد الاركان الأساسية لنظام الأمن لأرمينيا. وروسيا هي من الشريكات التجارية الإقتصادية المحورية بالنسبة لأرمينيا، وتعمل في أرمينيا برأس مال روسي أكثر من 1300 مؤسسة. وتزداد باستمرار المقاييس التجارية والاستثمارات الروسية في أرمينيا والجهود لإقامة مؤسسات مشتركة وتعميق التعاون العلمي الفني. ويتم إعارة الإنتباه الرئيسي إلى مسائل تطوير الإلكترونيات والبنى التحتية الخاصة بالمواصلات. وتوجد على أساس نظامي التبادلات الثقافية والتعليمية.

إن أرمينيا مهتمة دائماً بتعميق عمليات التكامل، وانطلقت من مواقع السير بالأعمال العملية في هذا المجال. إن اسم «الاتحاد الاقتصادي اليورو آسيوي» يعني الشيء الكثير. إنه اتحاد اقتصادي، وإن قرار إنضمام أرمينيا إلى الاتحاد الاقتصادي اليورو آسيوي مرتبط بالإمكانيات الجديدة للنمو الاقتصادي. إن الانتماء إلى عضوية الاتحاد الاقتصادي اليورو آسيوي سيسمح أيضاً بتخفيف نتائج الحصار الاقتصادي المفروض على أرمينيا منذ 20 عاماً. وبالمناسبة إن أوساط رجال الأعمال العرب قادرون على الاستفادة من إمكانية الوصول إلى سوق اقتصادية أوسع بواسطة أرمينيا.

هل تسعون للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي أم لا؟ وهل يوجد الدعم الشعبي لأرمينيا في مسألة الانضمام إلى عضوية «حلف شمال الأطلسي»؟

رغم أنه لاتوجد في جدول أعمال سياسة أرمينيا الخارجية مسألة الانتماء إلى عضوية الاتحاد الأوروبي ولكن الاتحاد الأوروبي كان ومازال من شركائنا الرئيسيين. نحن نتعاون بنشاط مع الدول الأعضاء في الاتحاد على المستوى الثنائي وكذلك في إطار الاتحاد الأوروبي بالاعتماد على نظام القيم العامة. بفضل دعم الشركاء من الاتحاد الأوروبي إن الإصلاحات الجارية في بلادنا في مجال سيادة القانون وتحرير الاقتصاد والديمقراطية وحقوق الإنسان والنظام القضائي تُعتبر من الضمانات المهمة لتطور وتقدم أرمينيا. واليوم وفي جدول أعمال أرمينيا والاتحاد الأوروبي كمسألة رئيسية هي وضع الأسس القانونية الجديدة للتعاون الثنائي. ولا توجد في جدول أعمال سياسة أرمينيا الخارجية مسألة الإنضمام إلى عضوية حلف شمال الأطلسي. ولكن، وكما هو الوضع في حال الاتحاد الأوروبي، نحن منذ 20 عاماً تقريباً نتعاون بصورة مثمرة في مختلف المجالات ويوجد الحوار السياسي الثنائي النظامي بيننا وكل عامين نجدد برنامج عمليات الشراكة الإفرادية بين أرمينيا وحلف شمال الأطلسي ويتم دعم الإصلاحات في أرمينيا في مجالات الديمقراطية والدفاع. إن أرمينيا تشترك أيضاً في العمليات السلمية التي يقوم بها حلف شمال الأطلسي وتقوم بإسهامها البسيط في عملية ضمان الأمن والسلام الدوليين.

هل تقف يريفان الرسمية موقفاً محايداً تجاه التطورات الجارية في أوكرانيا، أم أن إنتماء أرمينيا إلى الاتحاد اليورو آسيوي يملي أن تقف موقفاً آخر؟

سركسيان: يوحد الشعبين الأرميني والأوكراني الإرث التاريخي الثقافي الغني وإن مصائر شعوبنا مندمجة بصورة وثيقة. توجد لدينا أشياء مشتركة كثيرة وبينها سعي الجانبين لمواصلة تلك التقاليد الخيرة. إن أوكرانيا هي بلد حيث يعيش حوالي نصف مليون أرميني ونحن بالطبع قلقون بشأن مصيرهم؟ ومن وجهة النظر هذه نحن نرحب بالاتفاقيات التي تم التوصل إليها حول وقف إطلاق النيران في المناطق الجنوبية الشرقية من أوكرانيا ونأمل في أنه سيتم تنفيذها وتفتح السبيل لإيجاد الحلول حول طاولة المباحثات وإقامة السلام الدائم.

 أجرى اللقاء – سمير الحياري

Share This