“الأرمن طيف عراقيّ حديث مبدع” محاضرة الدكتور خزعل الماجدي


ذكرت المجلة الالكترونية الثقافية (أدب فن) أن الدكتور خزعل الماجدي قدم في (لاهاي) في هولندا  المحاضرة العشرين من سلسلة محاضراته عن وحدة حضارات العراق في 31 من شهر تشرين الأول 2014 وكانت بعنوان (الأرمن: طيف عراقيّ حديث مبدع) في النادي الثقافي المندائي في لاهاي.

وكنا قد استعرضنا القسم الأول في مقالة منفردة.. ونقدم هنا القسم الثالث من المحاضرة.

ثالثاُ – المظاهر الحضارية لأرمن العراق:
القسم الثالث من المحاضرة تضمن الحديث عن مظاهر تراث الأرمن وحياتهم المعاصرة في العراق ففي الجانب السياسي لم يكن لهم أي نشاط سياسي يذكر ونأوا عن السياسة والأحزاب مع وجود نوادر قليلة.

وفي الجانب الإجتماعي ذهب المحاضر الى أن الأرمني العراقي يحترم ذاته ويريد البقاء والحفاظ على كرامته.. والمشهور عن الأرمن اعتزازهم بنفسهم وبقوميتهم وتراثهم وشرفهم وأخلاقهم وحافظتهم على لغتهم الأرمنية وحبهم للعمل والإبداع فيه وكانوا من المسالمين الذين ندرت مشاكلهم نتيجة تماسكهم الاجتماعي ، والفتهم وتجانسهم مع بعضهم الاخر في المدن العراقية التي سكنوها  وكانوا يتجانسون مع الجميع دون نعرات دينية وقومية. غالبية الأرمن في العراق يتواجدون في العاصمة بغداد حيث يقدر عدد الأرمن في بغداد ما بين 10 إلى 12 الف، كما توجد تجمعات وكنائس أرمنية في مدن رئيسية أخرى مثل البصرة والموصل وكركوك بالإضافة إلى وجود تجمعات للأرمن في بلدات صغيرة في كوردستان العراق مثل زاخو وأفزروك. وبالنسبة للأرمن في البصرة فإن كنيسة الأرمن الأرثوذكس في البصرة يعود تاريخ بناءها إلى عام 1870م ولا تزال عامرة بهم. ثم تحدث عن الجمعيات الإجتماعية للأرمن في العراق ومدارسهم الخاصة، وتحدث عن مكانة المرأة المميزة عندهم فللمرأة الارمنية، شخصيتها المتميزة ، وقدراتها وكفاءتها .. وتعتبر ربة بيت من الدرجة الاولى، فضلا عن حسن تربيتها لاولادها وبناتها ، وحرصها على التقاليد الارمنية .. ناهيكم عن اجادتها ادارة البيت واحترامها للرجل، ومكانتها التعليمية وابداعها في عملها.

في الجانب الإقتصادي برز دور الأرمن كتجار مبكرين في العراق الحديث ويتعاطون البيع والشراء الداخلي ويزاولون مهنة الطباعة على الأقمشة (البصم) وغيرها من المهن اليدوية. وأما العدد اليسير من التجار ذوي اليسار فيهم فمعظمهم أرمن من استانبول قد اغتنوا بمعاطاة التجارة بالأحجار الكريمة مع إيران والهند، ويتحدث  الرحالة الانكليزي جاكسون عن أن الأرمن هم الذين يتحكمون في الاقتصاد والتجارة في بغداد، وأن النحاس الذي كان يبعث من قبل التجار الأرمن من الموصل الى بغداد والبصرة، وامتهنوا تجارة السيارات وغيرها، وكان دورهم في الصناعات المحلية مهما مثل صناعة الكاشي والموزائيك والحواشي المزخرفة والآلات الموسيقية والعجلات والتصوير الفوتوغرافي والصناعات الدقيقة وتصليح السيارات والخياطة والطباعة وغيرها.

وفي الجانب الديني تفصل الدكتور الماجدي في شرح الطائفتين الدينيتين للأرمن في العراق وهما  الأرمن الذين يشكلون الأغلبية والأرمن الكاثولوك الذين يشكلون الأقلية وتاريخهما  ورجال الدين فيهما  والكنائس التابعة لهما  وتتوزع كنائسهم العديدة في ابرز المدن العراقية التي سكنوها ، ومن اشهر تلك الكنائس في بغداد:
1.كنيسة القديس كرابيت للأرمن الارثودكس في منطقة كمب سارة ، 2.كنيسة القلب الاقدس للأرمن الكاثوليك في الكرادة الشرقية، 3.كنيسة القديس كريكور للارثودكس في الباب الشرقي ،4. كنيسة الارمن في الجادرية، 5. كنيسة سيدة الزهور للكاثوليك في الكرادة، 6. كنيسة مريم العذراء للأرمن في الميدان وتعد هذه الاخيرة من اقدم الكنائس الارمنية ببغداد. وتوجد كنيسة قديمة لهم في الموصل واخريات في كل من البصرة وكركوك وزاخو .. وقد افتتحت كنائس جديدة لهم، ولكنها تعرضّت لتفجيرات خلال السنوات الأخيرة من قبل الإرهابيين.

وفي الجانب الثقافي تناول المحاضر أصل اللغة الأرمنية  التي هي فرع مستقل من فروع اللغات الهندو أوربية، ويتميّز الأدب الأرمني عن سائر الآداب العالمية بأن له نقطة انطلاق محددة تقترن باختراع الأبجدية الأرمنية من قبل مسروب ماشدوتس (362-440م)، وبفضله تحولت اللغة الأرمنية إلى لغة مدوّنة، شهدت فترة من الإزدهار منقطع النظير بدأت بترجمة الكتب العلمية والفلسفية المعروفة في العالم القديم، اعقبتها حركة تأليف في جميع مجالات المعرفة. الأبجدية أرمنية (أرمنية هايرين آيبوبين) هي أبجدية استعملت لكتابة اللغة الأرمنية منذ 405 أو 406م. استمرت الأرمنية الكلاسيكية كلغة أدبية إلى القرن التاسع عشر، وحاليا تستعمل الأرمنية لكتابة اللهجات الأرمنية.

ثم تحدث المحاضر عن أعلام الأرمن العراقيين في مختلف المجالات فقد كان أول من أدخل تلقيح الجدري إلى بغداد اوهانيس مراديان الذي قدم إلى بغداد عام 1786. وكان أول طالب عراقي يوفد إلى الخارج للدراسة على نفقة الدولة عام 1921 أرمنياً، واسمه ارستاكيس، وقد أوفد إلى مدرسة البنغال البيطرية في الهند لدراسة الطب البيطري،  وكانت أول طبيبة عراقية عينتها وزارة الصحة، أرمنية، هي الدكتورة آنة ستيان، وأول فتاة عراقية دخلت مدرسة الطب في بغداد وتخرجت فيها سنة 1939 كانت الطبيبة ملك ابنة السيد رزوق غنام النائب عن مسيحيي بغداد في مجلس الأمة وصاحب جريدة العراق، ويعتبر شيخ الصحافة العراقية. ومن الأطباء المعروفين الدكتور كريكور استارجيان ، بل ان وزير الصحة الحالي في بريطانيا هو  عراقي ارمني ولد في بغداد وهو السير ارا درزي  وهو بروفسور جراح.

وفي مجال الهندسة، كان المهندس المعماري مارديروس كافوكجيان من المهندسين المعماريين البارزين في الموصل من 1941-1946، وقد وضع المخططات الهندسية لضواحي الموصل واربيل والعمادية. كما أن له مؤلفات بالأرمنية عن أصل الأرمن. وكذلك المعماري الأرمني المعروف خاجاك ماراشليان. وبرز اسم الضابط سيروب تافيت في المجال العسكري، وتوباليان في مجال الطيران المدني. وكان هناك بعض المعلمين الارمن ومن اشهرهم البارون اردا فاوست وغدا مديرا للمدرسة وهناك البارون خاجيك والاب خورين وغيرهم.

وشرح المحاضر حكاية سارة خاتون المشوّقة وملاحقة والي بغداد ناظم باشا لها فقد  كانت من شخصيات الأرمن الإجتماعية الكبيرة والتس ساهمت في بناء أحياء كاملة للمهجرين من الأرمن بعد مذابح تركيا، وقد سمي على اسمها حي في بغداد هو (كمب سارة ) وهو حيّ أرمني، وشخصية اخرى هي رجينة خاتون وهايكانوش خانم، وتتبع مؤرخي الأرمن مثل يعقوب سركيس وآرا أشجيان، وأدباء الأرمن مثل يوسف عبد المسيح ثروت وعبد المسيح وزير وبابكين بابازيان وغيرهم، وتتبع الرياضيين في مختلف الألعاب، ثم التشكيليين الأرمن مثل بهجة عبوش  و ساران فارتان الكسندريان الذي شارك في نشاطات الحركة السريالية بباريس منذ عام 1947 وله العديد من المؤلفات النثرية والدراسات، والرسام التشكيلي يرجان بوغوصيان وهو من رواد السرياليين العراقيين، والفنان أرداش والفنان التشكيلي انترانيك اوهانيسيان وفارتان مالاكيان، رسام عراقي أرمني مقيم في الولايات المتحدة ، والرسامة أناهيت سركيس.

وكان  للمصورين السنمائيين والصحفيين والفوتوغرافين حصة في المحاضرة ، منهم  خاجيك ميساك كيفوركيان وأمري سليم مصور الملوك والرؤساء العراقيين  وأرشاك المصور المشهور وآكوب . وكذلك تحدث باستفاضة عن اهلام الأرمن في مجال الموسيقة والغناء (الدكتور فريد الله ويردي نرسيس صائغيان منظر المقام العراقي ، عازفة البيانو الشهيرة بياتريس أوهانسيان والمغنية المبدعة سيتا هاكوبيان)، وفي مجال الفن المسرحي تحدث عن المسرحية المبدعة آزادوهي صموئيل والكاتب والمخرج المسرحي هرانت ماركايان، والمخرج التلفزيوني والسينمائي كارلو هاتيون والمخرج عماد بهجت، وحكمت لبيب. ثم تناول الأزياء الشعبية الأرمنية وخصوصيتها النادرة للرجال والنساء والأطفال.

على مدى حوالي 154 سلايد ضوئي عرض الدكتور خزعل الماجدي محاضرته وحشدها بالكثير من المعلومات والصور المناسبة ،استمرت المحاضرة حوالي أربع ساعات وناقش الحاضرون المحاضر في ماجاء بمضمونها.

Share This