أرمن حلب.. ورسائل بالحبر الأحمر!

في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج موسكو منتصرة على ألمانيا، تطلّع بعض الأرمن في حلب، ربما ممّن كانوا أخفقوا في أن يحققوا نجاحا مرموقا في حياتهم العملية أو كانوا يعتنقون الأفكار الاشتراكية، للرحيل إلى بلاد الاشتراكية السعيدة، الاتحاد السوفياتي. فكنا نرى، نحن الفتية في عام 1945، سيارات تَحملهم وبعض المتاع العزيز الذي لم يتخلّوا عنه، وتتجهً بهم إلى بيروت، حيث الميناء الوحيد في السواحل الشامية آنذاك، ومنه يركبون البحر ويعبرون مضيق الدردنيل، إلى وطنهم القومي “جمهورية أرمينيا السوفياتية”.

ولكنّ مخاوف كانت تراودهم من ألّا تطيب لهم الحياة في ظلّ النظام الشيوعي هناك، فكيف يُعلِمون ذويهم الباقين بحلب بهذه الحقيقة، كي يعدلوا عن اللحاق بهم، وإنّ التصريح بذلك يعرّضهم للمخاطر؟ وكان اتفاق – سمعنا به يومئذ – أن يكون الحبر، الذي به يكتبون الرسائل، إن كان الوضع ليس كما كانوا يتصورون، باللون الأحمر!

وقد سمعنا أنّ ما كان يصل منهم إلى حلب من رسائل باللون الأحمر، يفوق ما يكتبون بكلّ الألوان.

وللعلم… إنّ الجمهورية الأرمنية هناك – والتي لم تعد سوفياتية – تولّى رئاستها ما بين 1991-1998، رجلٌ مولود بحلب في 1945 (عام الالتحاق!)، هو “ليفون دير بدروسيان Levon Derpetrosian”، مثلما تولّى “كارلوس منعم”، ذو الأصول السورية (من مدينة يبرود، بريف دمشق، لكن المولود هناك بقرية في مقاطعة لاريوخا)، رئيسا لبلاد الفضة، الأرجنتين، في دورتين رئاسيتين 1989-1999… وقد زار كلّ من الرجلين بلادنا، وطاف في مدينة آبائه وأجداده.

وعسى أن نتحدث عمّن أنجبتهم سورية من حكام وأباطرة في الزمن الروماني.

أقول: نُقدّم للعالم حكاما، ولا نستطيع أن نحقّق لأنفسنا الحكم الأمثل.

فلوريدا: فجر الخميس 4-12-2014

فاضل السباعي

Share This