في الذكرى المئوية الأولى للمجازر التي ارتكبها العثمانيون بحق السريان الأرثوذكس، البطريرك أفرام الثاني يؤكد أن العثمانيين ارتكبوا حرب إبادة ضد الأرمن والسريان واليونان

افتتح قداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني يوم الأحد 11 كانون الثاني الذكرى المئوية الأولى للمجازر التي ارتكبها العثمانيون بحق السريان الأرثوذكس “سيفو” وذلك ضمن القداس الاحتفالي الذي دعت إليه الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في كاتدرائية مار جرجس البطريركية في دمشق.

والسيفو هو الإسم السرياني المتعارف للمذبحة التي تعرض لها المسيحيون السريان من قبل السلطنة العثمانية مطلع القرن العشرين، حيث بلغ عدد شهدائها أكثر من نصف مليون سرياني في العام 1915، وكان هدف المذبحة بحسب التاريخ السرياني هو إلغاء الوجود المسيحي في المنطقة حيث قامت السلطنة العثمانية بذبح وقتل السريان إلى جانب الأرمن والمسيحيين الآخرين، ومصادرة ممتلكاتهم، واستباحة النساء والأطفال وتحويل الكنائس إلى حظائر أو مطاعم بهدف طمس المعالم المسيحية في الشرق.

وأطلق البطريرك الإحتفالية بقوله: “نجتمع اليوم لنطلق سنة اليوبيل المئوي على بدء الإبادة الجماعية للسريان مذابح «سيفو» التي ارتُكبت بحق الشعب السرياني السوري الأعزل، الذي لم يرتكب ذنباً سوى أنّه اختلف مع منفّذي هذه الجرائم بالمبدأ الديني والعقيدة، إذ اختار أن يظلَّ مخلصاً لإيمان الآباء والأجداد، على تغيير دينه أو طريقته في عبادة ربّه”.

ولفت البطريرك إلى أنّ اليوم والأمس متشابهان من ناحية الجلاد، فقال: “وما أشبه اليوم بالأمس، فبعد مرور مائة عام على السيفو، نرى أنفسنا أمام إبادة جماعية جديدة. الجلاد الجديد نزل ثانيةً إلى الساحة، ليسلّط سيفه على رقاب كلّ من يقول لا للظلم والعدوان، ولكلّ مَن رفض تغيير معتقده ودينه. وكأنّي به يريد أن يكمّل ما لم يستطع إنجازه قبل مائة عام. وربما تكون أدواته قد تغيّرت وأساليبه تبدّلت ولكن الهدف واحد وهو إبادة شعب لا يرضى بالخنوع وفقد الإرادة” مضيفاً بأنّ “رسالتنا اليوم واضحة ونطلقها من هنا، من دمشق عاصمة التاريخ، وليسمع العالم بأسره: هذه أرضنا ولن نتركها مهما فعلتم بنا، ومع القديس بولس الرسول نصرخ ملء الحناجر: من سيفصلنا عن محبة المسيح والوطن؟ أشدّة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟”

وأوضح البطريرك: “أن ما يتعرّض له اليوم أبناء سورية الأحبّاء وأبناء العراق الأعزّاء، من تهجير وتقتيل من قبل أعداء الخير والإنسانية، لَهوَ جريمة إبادة حقيقية، إبادة للأنفس البشرية وللحضارات الإنسانية التي قامت على هذه المناطق”، منتقداً صمت المنظّمات الدولية لحقوق الإنسان التي ترى عن كثب هذه الجرائم دون أن تحرّك ساكناً.

وأضاف قداسته أن “أجناد الشر من بني عثمان ومن جاراهم من الشعوب الأخرى، قامت بإعلان حرب إبادة ضروس على الشعب الأرمني في البداية، بحجة التآمر والخيانة، ما لبثت أن انقلبت إلى حرب إبادة ضدَّ كل شعوب المنطقة غير المسلمة من أرمن وسريان ويونان وغيرهم. وكانت نتيجتها أن سقط من شعبنا السرياني بكل طوائفه ما يزيد على الخمسمائة ألف شهيد”، موضحاً أنّ الحرب جرت في  منطقة جغرافية تمتد من حدود إيران شرقاً وحتى شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً، وتشمل داخلها مدناً وأقاليم تاريخية كانت مراكزَ هامة للمسيحية السريانية وللعلم والمعرفة والثقافة والحضارة الإنسانية، مثل: دياربكر وماردين وطورعبدين ونصيبين والرها وأنطاكية وغيرها، وكلّها بلاد سورية كانت محتلة من قبل الدولة العثمانية.

وقال البطريرك: “إن حملة الإبادة جاءت لترسّخ سببين، الأول لتطهير تلك البلاد من الشعب المسيحي الذي اعتنق المسيحية منذ بدايتها في النصف الأوّل من المائة الأولى للمسيحية، والسبب الثاني أن الشعب السرياني لم يعرف غير اللغتين السريانية والعربية، ولم يشعر يوماً بأي انتماء للقومية العثمانية. وبالتالي كان يمثل حجرة عثرة أمام سياسة التتريك التي كانت ناشطة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين”.

وحول سبب التسمية بالسيفو أشار البطريرك إلى أن “تسيمة تلك الحقبة السوداء من تاريخ الإنسانية باللغة السريانية بال” سيفو” أي السيف، جاءت تعبيراً عن حجم الآلام والمعاناة التي عاناها آباؤنا وأجدادنا السريان”، مذكّراً بقصة الأمّ التي بتر المجرمون ساقيها وذراعيها فأخذت تلتقط رضيعها بأسنانها لإطعامه.

وتابع البطريرك “فكرة الشهادة ترسّخت في عقول الناس منذ أقدم العصور وأضحت طريقاً يسلكه الناس للدفاع عن عقيدتهم ومبادئهم، ولكن الشهادة لا تكون لمرضاة الله، وكأن الله لا يرضى إلا بالدم والعنف والقتل، فيبادر المجرمون وسفّاكو الدماء إلى الفتك بالعباد وتخريب البلاد، مدّعين أنهم يرضون الله بأعمالهم في حين أنّ الله “يريد رحمة لا ذبيحة”.

وختم البطريرك أفرام كلامه قائلاً: “رحم الله شهداء سورية من مدنيين وعسكريين، رحم الله شهداء مذابح سيفو، وشهداء السريان في صدد وحلب والجزيرة وفي كلّ شبر من تراب هذا الوطن الغالي”.

وبعد القداس الإلهي، أوقد قداسة البطريرك أفرام الثاني الشعلة التي أعدّت خصيصاً لإعلان تكريس عام 2015 للذكرى المئوية الأولى لمجازر الإبادة السريانية – سيفو، كما وُضعَتْ الورود إكراماً لشهداء سيفو وشهداء سوريا والعراق ولبنان. ثمّ افتتح قداسته والمسؤولون الحاضرون معرض الصور التي توثق مجازر 1915 وأطلقوا الموقع الإلكتروني الخاص بالذكرى المئوية.

Share This