عرس في الجبال

في تشرين الأول عام 2008 كان المطران إزراس نيرسيسيان مطران الأرمن الأرثوذكس لأبرشية دوني روستوف (نور ناخيتشيفان) وروسيا يصلي في باحة كنيسة القديس يوحنا المعمدان في كانتساسار من أجل مئتي زوج من العرسان، لكي يحفظهم الرب متحدين في المحبة، ويعيشوا إلى شيخوخة صالحة.

بين الغابات الزاهية بالألوان الخريفية جلب مئتا شاب وشابة أرمنية لوناً جديداً، فاللون الأبيض العرائسي للفتيات الأرمنيات حمل رسالة جديدة. “فليحفظكم الرب من كل شر، هذا الاكليل في هذا المكان المقدس هو عيد النصر، عيد الحب والإيمان”، قال المطران إزراس متوجهاً لمئتي زوج في باحة الكنيسة المشادة في القرن الثالث عشر.

وفي اليوم نفسه في باحة كنيسة المخلّص غازانتشيتسوتس في شوشي جرت مراسم إكليل لخمسمئة زوج آخر من العرسان، تحت صلوات مطران أرتساخ باركيف مارديروسيان، وفي المساء سار الـ700 زوج جميعاً من ساحة النهضة في استيباناكيرد إلى الملعب، حيث جرى أكبر حفل للعرس.

كان صاحب الفكرة رجل الأعمال الروسي والمتبرع ليفون هايرابيديان من قرية فانك، وهو راعي الحفل والأشبين، حيث رفع الصليب على رؤوس الشابات والشبان في كانتساسار وشوشي.

توجه رئيس كاراباخ الجبلية باكو ساهاكيان إلى المتجمعين في الملعب برفقة آلاف المواطنين، وقال إن المراسم تحولت إلى احتفالية شعبية، لأنها رغبة منظمي الحفل، “إنه احتفال استثنائي بشكله ومضمونه ومعناه. إن العرس الكبير في أرتساخ هو الوسيلة الوحيدة لتخليد ذكرى كل المقاتلين الشهداء. إنه أيضاً احترام للعائلة وديمومة التقاليد التي ورثناها عن أجدادنا”.

كما وجّه المطران باركيف كلامه للعرسان، وتمنى لهم السعادة والحب والأولاد: “اليوم بمباركة الله ودعم المتبرعين، ورعاية سلطاتنا أبارك للعرسان الـ 700، والسبعمئة عائلة أرمنية، لقد حرر أولياؤكم البلاد من أجل هذا اليوم تحديداً”.

 

 

دزماكاهوغ: لم يُنس أحد

هل سبق أن رأيتم كيف تستلم الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن في الحرب الهدايا؟، لن تجد مكرمين بوجوه حزينة وبائسة بهذا القدر، جلست الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن باللباس الأسود على صف واحد في باحة المدرسة، ولدى سماع أسماء أبنائهن الشهداء كن يتقدمن ليستلمن الهدية، وهي زوج أحذية، ومبلغ 10 آلاف درام، كان بعضهن يقطعن المسافة التي تبلغ عشرين خطوة بصمت ليستلمن الهدية من رجل متوسط القامة، وتعود مطأطئة الرأس، لتجلس في مكانها جانب النسوة ذات الثياب السوداء، كان بعضهن يصلن وهي تبكي بصمت، وتستلم علبة الأحذية والنقود، وبعضهن الآخر كانت تشهجن بالبكاء بكل جسمها، وهي تقطع مسافة العشرين خطوة وتعود.

لم يكن ذلك مراسم توزيع المكافآت، بقدر ما كان عودة إلى الأيام المأساوية للحرب، حين كانت تلك الأمهات يودعن أبناءهن الشبان إلى ساحات القتال، فقد استشهد 10 شبان في ساحة القتال من أصل 36 شاباً مضوا إلى الحرب من قرية دزماكاهوغ.

لو انتهت حرب كاراباخ قبل شهر لكان نيلسون مكردوميان بقي حياً، في باحة مدرسة دزماكاهوغ، عبرت والدته فاليا مكردوميان عن شكرها للأرمن في كندا، الذين شيدوا صرحاً يخلد ذكرى المقاتلين التسعة الذين استشهدوا، مع سنها المتقدم وفقدانها لولدها ألقت كلمة شكر مدة ثلاث دقائق، لكن في لحظة ما لم تتمكن من حبس دموعها عندما تذكرت يوم وفاة ابنها في 12 نيسان عام 1994 في الخندق.

تقع قرية دزماكاهوغ في منطقة مارداكيرد، مخبأة بين الغابات على الطريق المؤدية إلى كانتساسار، في 12 تموز عام 2009 تجمعت كل القرية في باحة المدرسة، حيث جرى افتتاح النصب التذكاري بجهود من الأرمن في تورنتو. وفي اليوم نفسه، جرى افتتاح مبنى جديد لنادي دزماكاهوغ، وقد خصص المبلغ فيكين أرابيان من تورنتو. أما شرف افتتاح النصب في دزماكاهوغ فقد تسلمه رافي بيكميزيان، وابن الشهيد إيكور كابريليان.

كانت كناريك صاروخانيان قد فقدت ابنها نفير البالغ من العمر 18 عاماً، وقد أتت إلى الاحتفالية مع ابنتي ابنها الآخر، ومثل باقي الحضور اقتربت من النصب، وحفيدتاها تمسكان بيدها على أنغام أغنية “حلمي يا وطن بلادي”، ووضعت الورد على النصب التذكاري الجديد لذكرى 10 مقاتلين شهداء في دزماكاهوغ.

وهكذا كان جميع سكان القرية يقتربون من النصب التذكاري، ويضعون الورد، كان كوركين سيرجانيان واحداً منهم، متسمراً في الكرسي المتحرك، ويتابع بنظرة حزينة مراسم تكريم الأمهات بلباسهن الأسود، وفي النهاية قرؤوا اسمه، اقترب كوركين بمساعدة شاب يدفع بكرسيه المتحرك، واستلم الهدية التذكارية قائلاً: “أصبت في كانون الأول عام 1996 بسبب حادث إطلاق نار، لدي ولد واحد يبلغ 13 عاماً. حاربت منذ أول يوم للحرب وحتى آخر يوم”.

منذ الهدنة أصيب المئات وقتلوا بسبب إطلاق النيران من القناصة والألغام، منذ الهدنة في أيار عام 1994 بلغ عدد الضحايا 3000 قتيل بين صفوف العسكريين والمدنيين من الطرفين الأرمني والأذري.

من كتاب “يوميات كاراباخ: أخضر أسود، لا حرب لا سلم”، لطاطول هاكوبيان، ترجمة د. نورا أريسيان

Share This