سقوط «الاتحاد والترقي» بنسخته الجديدة

د. بسام أبو عبدالله

في 24 تموز 1908 أسدل الستار في الإمبراطورية العثمانية على مرحلة السلطان عبد الحميد من خلال انقلاب نفذه (حزب الاتحاد والترقي) الذي عُرف آنذاك قادته بأنهم (الأتراك الشباب)، وكان هؤلاء قد أطلقوا وعوداً عديدة حول المساواة والعدالة والديمقراطية وإنجاز الإصلاحات الجذرية في السلطنة العثمانية، بهدف استقطاب الفئات التي كانت تصطدم بطغيان السلطان عبد الحميد الثاني، والتناقضات السياسية والاقتصادية والإثنية والثقافية التي شهدتها مرحلته، إضافة لضياع بعض المواقع في أوروبا وإفريقيا من قبضة العثمانيين.

بعد مضي خمس سنوات أي في عام 1913 نفذ الثلاثي محمد طلعت واسماعيل أنور وأحمد جمال انقلاباً عسكرياً سيطروا بنتيجته على الحكومة، وأخذوا بممارسة الديكتاتورية، إضافة إلى تخطيط المستقبل على أساس توحيد الشعوب التركية، وتوسيع حدود الإمبراطورية شرقاً عبر القوفاز وصولاً إلى آسيا الوسطى، وخلق دولة تركية جديدة كأرض طورانية عظيمة أبدية. (انظر كتاب د. ارشاك بولاديان – سفير أرمينيا بدمشق – بعنوان: شهود عيان على الإبادة الأرمينية في الإمبراطورية العثمانية، صدر في 2015).

مناسبة هذا الاستحضار التاريخي ليس الحديث عن مسألة الإبادة الأرمينية التي سيكون لنا مقال لاحق بشأنها مع اقتراب الذكرى المئوية لهذه الجريمة البشعة التي طالت أشقاءنا الأرمن، والتي من واجبنا تغطيتها، والكتابة عنها ليس لأنها حق للأرمن فقط، بل أيضاً لأن هذا العقل المجرم العثماني يكرر الآن في سورية وبالطرق الوحشية نفسها سيناريو الإبادة الجماعية بحق السوريين جميعاً بمن فيهم الأشقاء الأرمن، ولكن استحضار التاريخ ضروري لفهم الراهن الذي يعيد إنتاجه (حزب الاتحاد الترقي الجديد) الذي أخذ اسماً جديداً براقاً هو العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان وأحمد داوود أوغلو وعبد الله غل، وبولنت ارينتش وغيرهم.

حزب الاتحاد والترقي بنسخته الجديدة أخذ المنطلقات نفسها أي الحديث عن المساواة والأخوة والديمقراطية والتناغم بين الإسلام والديمقراطية على الرغم من أن نجم الدين أربكان منذ إنشاء حزبهم المسمى (العدالة والتنمية) أطلق على مؤسسيه (أردوغان – غل – ارينتش..) بأنهم (الأبناء المدللون للصهيونية) وما يؤكد ذلك ما قاله قبل فترة وجيزة (مصطفى كمالاك) زعيم حزب السعادة التركي الذي صاحب الراحل أربكان منذ عام 1969 من أنه: «أواخر تسعينيات القرن الماضي زار أربكان عدداً من أصحاب رؤوس الأموال، وبناة الخطط، وقالوا له: الإسلام هو خط يرتفع، ونحن نريد التعاون معكم، وكان لهم ثلاثة مقترحات:

1- سنصعد بكم إلى الحكم.2- سنؤمن التمويل الكافي لكم.3- سنزيح من يعارضكم.

ولكن أربكان رفض هذا المخطط، فتم اللجوء إلى هذه المجموعة من تلامذته لينشقوا عنه، ويؤسسوا حزب العدالة والتنمية بهدف تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، والمشاركة في تفتيت المنطقة على أسس مذهبية وإثنية والأهم ضمان أمن إسرائيل كهدف مركزي لهذا المخطط التآمري الكبير.

بعد مرور أكثر من 12 عاماً على حكم الاتحاد والترقي بنسخته الأردوغانية يتبين لنا الآتي:

1- شكل هذا الحزب حصان طروادة في المنطقة عبر ركوبه الإسلام كواجهة للضحك على الشعوب، ودغدغة مشاعرها، وإثارة غرائزها لتفتيتها، وضرب هويتها الوطنية والقومية بما في ذلك تقسيم وإضعاف تركيا نفسها وتدمير وتفتيت شعوبها.

2- مارس حزب أردوغان المذهبي الإخواني الطوراني، دوراً قذراً عبر استقدام مرتزقة من كل أنحاء العالم للقيام بأعمال الإبادة والسرقة والنهب وارتكاب الموبقات بحق الشعب السوري، تحت شعارات براقة كاذبة مخادعة منها مذهبية وإثنية بهدف تحقيق ما تعهد به عندما تم جلبه للحكم.

3- إن ما ارتكبه أجداد أردوغان بحق الأرمن من جريمة إبادة جماعية أعاد أردوغان إنتاجه عبر العصابات الانكشارية التي مولها، وسلحها في حمص وحلب وريف إدلب وريف حلب وعبر إنتاجه داعش وتحالفه العلني معها كنموذج عثماني قذر لممارسات سبق أن عرفها تاريخ السلطنة الأسود.

4- يحاول أردوغان ورفاقه إعادة إنتاج العثمانية الجديدة بنسختها (الاتحاد والترقي) عبر التنظير بجمع الشعوب التركية في آسيا الوسطى، واللعب على العامل التركماني تارة، والمذهبي الديني تارة أخرى في المشرق العربي (سورية – العراق) بشكل أساسي، وما التسميات التي تنتحلها الجماعات الإرهابية إلا مؤشر على ذلك.

شكلت الدولة السورية وصمودها الأسطوري شعباً وجيشاً وقيادة عقدة نفسية لأردوغان، ذلك أن هذا الصمود أسقط مشروع أردوغان بالكامل، وجعله هباءً منثوراً على الرغم من أنه ما يزال يكابر في عدم الإعلان عن هزيمته الكبرى، لكن معركة حلب التي تجري الآن هدفها توجيه صفعة قوية لأردوغان وأحلامه المريضة، وخاصة أن أحلامه تجاه حلب الأبية، والصامدة مثل قلعتها بدأت تتهاوى على الرغم من صراخ داوود أوغلو الذي لم يخف مطامعه في حلب والموصل بعد أن سقطت قصص الديمقراطية والإنسانية والبكاء على النازحين واللاجئين ومأساة السوريين.

– الآن تظهر أهم صفات قادة «الاتحاد والترقي» بنسختهم الجديدة، منها أن تركيا تنتقل من بلد ديمقراطي بنمط غربي، إلى بلد تحكمه سلطة ديكتاتورية- قمعية، ومن بلد يفترض أن تزداد فيه حرية الصحافة والإعلام إلى بلد يضرب المثل فيه دولياً في القمع للحريات، ومن بلد يدعي أن لديه دولة- إلى بلد تعمل حكومته وفق عقلية العصابة من سرقة المعامل، إلى التجارة بالنفط المهرب، وإلى خزان لمجرمي العالم- ومتطرفيهم.

– سقط حزب «الاتحاد والترقي» بنسخته الجديدة، ولن تفيد أردوغان الآن المكابرة على هزيمة مشروعه، والهروب من مسؤولياته تجاه ما ارتكب من مجازر، وفظائع في سورية والعراق كما ارتكب أجداده المجازر والإبادة بحق الأشقاء الأرمن، والقضية ليست في فوزه في الانتخابات، فقد يفوز فيها، ولكنه لم يعد ورقة رابحة لمشغليه بعد سقوط كل الصفات التي أرادت منحه صفة القدسية لنكتشف أننا أمام «مجرم- لص- سارق- منافق- كذاب- فاسد- ديكتاتور..» وكل هذه الصفات أطلقها الشعب التركي عليه ولست أنا.

– لنتذكر دائماً أنه من دمشق، والمشرق بدأ سقوط إجرام الاتحاد والترقي ومن دمشق، وحلب، وبغداد، والموصل سوف يسقط حفيد «الاتحاد والترقي» رجب طيب أردوغان، والسقوط ليس دائماً جسدياً، إنما الأهم أخلاقياً وسياسياً، وعسكرياً، الرجل احترقت ورقته، وما علينا سوى انتظار إعلان «النعية» بوفاة «حزب الاتحاد والترقي» بنسخته الجديدة.

Share This