سفير أرمينيا أرشاك بولاديان لـ”سانا”:ما يفعله الساسة الأتراك بالشعب السوري امتداد لما فعلوه مع الأرميني

البرفيسور آرشاك بولاديان باحث اهتم بالقضايا الإنسانية والتاريخية وتمكن من إسقاط الحاضر على الماضي في أكثر ما ذهب إليه وتوجه إلى المراجع العربية لأنه يرى فيها امتدادا وتوغلا في البحث العلمي ثم تصدى لكل أعداء الإنسانية واشتغل على كشف جرائم الاستعمار عبر التاريخ وأهمها التي قام بها العثمانيون في محاولتهم لإبادة الأرمن وفي سعي من ربطوا أنفسهم بهم الآن لمحاربة الشعب السوري .

وقال الدكتور آرشاك بولاديان السفير الأرمني في دمشق في حديث خاص لسانا الثقافية إن البحث العلمي ليس أمراً سهلاً كما يتخيله بعضهم فهو من أصعب الاتجاهات العلمية التي يسعى اليها الكاتب والمثقف لأنه يحتاج إلى إطلاعات واسعة ومقاربات ومقارنات مع مختلف الاتجاهات العلمية التي يذهب اليها ثم يحتاج إلى تحليل واسع ونتائج مقنعة ترتكز على أسس ودلائل تؤكد صحتها.

وأضاف بولاديان أن أكثر ما أبحث فيه هو تاريخ وثقافة الشرق والعلاقات الأرمنية العربية لما تمتلكه من حضارات وتاريخ بهي وأصيل واكثر ما اطلع عليه وانهل منه هو المصادر العربية الموجودة عبر العالم ولاسيما ما كتبه العرب في القرون الوسطى فجاءت كتاباتهم كمراجع في التاريخ مثال ما كتبه ابن الاثير المؤرخ العربي المشهور في القرن الثالث عشر لاسيما كتابه الكامل في اربعة عشرة مجلدا ومثله فعل ابن جرير في مؤلفات متنوعة اعتمدت عليها وعلى سواها اضافة الى مقارنتها بالمصادر السريانية والبيزنطية والارمنية حتى يصل العمل العلمي والبحثي الى أقصى درجات النجاح لافتا الى ان الاعتماد على جانب واحد في اي بحث يترك النتيجة قاصرة.

وأوضح السفير الأرميني أنه ركز في إصدار بحوثه الأخيرة وتوزيعها على المثقفين السوريين بسبب الشعور الذي يكنه للمنطقة بكاملها ولسورية بشكل خاص ولا سيما أنه يتحدر من أصل سوري مبينا أنه ثمة جرح مشترك بين أرمينيا والعرب وأرمينيا لها تاريخ مشترك معهم منذ الخلافة العربية التي امتدت بين /640/الى /885/ ميلادية ويتجلى هذا التاريخ المشترك بالثقافة والعادات والتقاليد والموسيقا فهي تتشابه كثيرا اضافة إلى الفلسفة الارمينية التي تأثر بها العرب وتأثرت هي بهم.

وقال صاحب كتاب شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الامبراطورية العثمانية أكثرت من اهتمامي بالحضارة العربية والاسلامية لأن أرمينيا كانت سابقا جوار سورية قبل ظهور الاتراك مما يدل على وجود جرح مشترك مشيرا إلى أن العثمانيين انقضوا على هذا النسيج بعد تأسيس الامبراطورية العثمانية وظهور العنصر التركي بشكل عام وتوغله في منطقة الشرق الاوسط منذ غزو الأتراك السلاجقة لبغداد /1055/ميلادية واستغلال الانهيار التدريجي للخلافة العباسية في بغداد ما أدى لتخريب المنطقة وتحويلها إلى جزء من الامبراطورية العثمانية خاصة بعد أن انتصروا في معركة /جال دران/ على إيران فاحتلوا المنطقة برمتها لتصبح أرمينيا جزءا من إمبراطوريتهم فتباعدت الحدود ورسمت على المقاسات التي ارادها العثمانيون ما دفعني لرصد كل هذه التداعيات في نشاطي وبحثي العلمي.

وعن مجازر الإبادة العثمانية للشعب الارميني أوضح بولاديان أن مطالبة الشعب الارمني بحقوقه وسعيه للاستقلال جعل العثمانيين يقومون بتنفيذ عمليات اجرامية ومذابح في بعض المناطق الارمنية أيام السلطان عبد الحميد الثاني السلطان الظالم بطرائق القتل دون رحمة أو شفقة حيث قتل أكثر من ثلاثمئة ألف إنسان أرمني بين عام /1892/1896/ وذلك في القرن التاسع عشر ثم تبع ذلك محاولة التطهير العرقي في القرن العشرين وكانت المحاولة الثانية بعهد الاتحاديين وهم جمعية الاتحاد والترقي الذين قلبوا الحكم وسيطروا على الجيش والبلدان التابعة للعثمانيين.

وتابع.. إن الاتحاديين لم يلتزموا بشعاراتهم التي طرحوها بعهد السلطان عبد الحميد ووعودهم للأرمن بل قاموا بسياسة معاكسة وبدأت محاولاتهم بتطهير البلاد من الارمن وكذلك فعلوا في سورية ولبنان عندما أعدموا في السادس من أيار شهداء الفكر.

وقرر العثمانيون بحسب ما اوضحه السفير الأرميني اغلاق الملف الأرمني والانتهاء من قضيته المطروحة في المحافل الدولية وذلك ابتداء من اجتماعات سالونيك عام/1910/ التي عقدها الاتحاديون وناقشوا فيها قضية الارمن فقرروا ابادتهم ولاسيما كانت الفرصة مواتية لتفكيرهم بسبب الحرب العالمية الأولى وبعد ذلك تحت عنوان التهجير من منطقة لمنطقة جرت محاولة الابادة والقتل بكل وحشية وهجر الارمن عنوة فمنهم من قتل في طريق هجرته الى سورية ومنهم من قتلوه في بيته قبل أن يهاجر إضافة إلى ما استخدموه من نتكيل واغتصاب .

وبين صاحب كتاب ارمينيا والعالم العربي أن الاتحاديين الأتراك استخدموا الدين وحاولوا تشويه قيمه في الوصول لأهدافهم حيث زرعوا البذرة التي انجبت داعش وما يقابلها من تنظيمات خالفت المفاهيم والنهج الإسلامي الذي اعتمد على المحبة والتسامح ونشروا القتل والتكفير وهذا كان سلوك العثمانيين في القرن العشرين والآن نرى أن ما بذر قبل مئة عام يترك أثرا مؤلما ولا سيما في سورية التي احتضنت الأرمن وتركت لهم خيارات الحرية والتعايش الآمن وبرغم ذلك لحقوا بهم فقتلوا على أرضها أكثر من مليون ونصف المليون أرمني حين ذاك مما يجعلنا نعتبر سورية من المقدسات الأرمنية.

وأشار الباحث إلى أن الشعب السوري عرض نفسه للمخاطر لينقذ أخوته الارمن خلافا لما يفعله العثمانيون والحكام الأتراك فالتركي العثماني يقتل المسيحي الارمني أما المسلم العربي السوري مد يد المساعدة واحتضن الأرمني وأنقذه من أنياب القتلة .

وتابع.. إن التاريخ يكرر نفسه فالرغبة هي قتل أمة حضارية كما فعلها سابقا مع الشعب الأرمني ويفعلها الآن مع الشعب السوري الذي يدافع عن تاريخه وحضارته ونحن امام حالة دين لأخوتنا السوريين الذين كانوا بجانبنا أيام المحنة والآن يذكر الارمن الشباب ما عرفوه من آبائهم وأجدادهم في كل بلدان العالم أن سورية كانت تدافع عن كرامتهم وانسانيتهم وهم يتعرضون لأبشع انواع الجرائم وما السفارة الارمنية في دمشق إلا رسالة شكر للشعب السوري الباسل بكل اطيافه واعترافا بجميله.

يذكر أن البروفيسور آرشاك بولاديان سفير أرمينيا في دمشق هو من مواليد رأس العين في سورية هو خريج معهد الاستشراق في لينينغراد اكاديمية علوم الاتحاد السوفيتي سابقا حاصل على دكتوراة في العلوم عام 1984 ودكتوراه دولة في العلوم التاريخية عام1996 وهي أعلى درجة في مجال العلوم شغل العديد من المناصب العلمية والتدريسية في جامعات ارمينيا وانتقل إلى العمل الدبلوماسي منذ عام 1992.

محمد الخضر

وكالة سانا للأنباء

Share This